نجيب عاشوري
يضيق الخناق كل يوم، بل كل ساعة أحيانا، على صاحب القرار في السعودية التي تواجه عواقب الجريمة البشعة المرتكبة بأمر مباشر من ولي العهد، والتي راح ضحيتها الصحفي جمال خاشقجي في الظروف المروعة المعلومة.
ورغم كل محاولات الهروب والمراوغة والتفلت، ستجد السعودية نفسها سريعا أمام استحقاقات حاسمة ستمثل مفترقات طرق متوالية، بعضها أشدّ من بعض:
– المفترق الأول هو استحقاق الخيار بين إنقاذ صاحب المنشار أو استنقاذ الدولة، وهذا استحقاق موعده قريب جدا، إذ أن الأتراك لا يتركون أدنى شك في تصميمهم على كشف الحقيقة كاملة، وقد كسبوا إلى صفهم جهاز الاستخبارات الأمريكي الذي ناور به جورج بومبيو؛ رجاء كسب الوقت لصالح صاحب المنشار، ولكن نتائج الانتخابات الجزئية قلبت الأوراق، وعجلت بالتحقيق وبالاستنتاجات التي تدين ولي العهد السعودي جهرة، وبوضوح.
والملاحظ أنه، ورغم إلحاحية الأمر واستعجال القرار، لا يبدو على الساحة ما يوحي بأن العائلة الحاكمة في السعودية على وشك اتخاذ هذه الخطوة لإنقاذ الوضع. كما أنه من الواضح للجميع أن ابن سلمان ليس في وارد التسليم ولا التخلي الطوعي عن موقعه وسلطاته، وهو يعلم جيدا عواقب ما اقترفت يداه، ولا يملك من خيار غير التمترس بالحكم، والتعويل على ترامب وشلته من المرتشين لتمييع قضية لا يبدو أنها تقبل التذويب.
– في حال تجاوز كل الصعوبات والعوائق، والتمكن من إزاحة ابن سلمان وتغليب خيار إنقاذ الدولة، ستقف حينها السعودية أمام مفترق ثان لا يقل عن الأول خطورة ووعورة، وهو إعادة ترتيب البيت على عجل، واختيار فريق جديد من القادة بإمكانه استعادة سمعة المملكة وإعادة الاتزان إلى سياستها. إذ من المعلوم أن فرع السديرية قد استولى على مقاليد الأمور، وأزاح بقية الأمراء، بل واعتقلهم وأهانهم وجردهم من أسباب القوة، وحجّم دورهم وقلّص وجودهم في الدوائر العليا للدولة، فبأي ثمن سيعود الشمل إلى الالتئام مجددا؟ وحول أي قائد ستلتف العائلة الحاكمة، علما أن أولاد سلمان لا يمثل أي واحد منهم بديلا مقنعا في الظروف الحالية؟
وعلى فرض تجاوز هذه المعضلة، فأي سياسة ستنتهجها القيادة الجديدة تجاه الملفات الحساسة التي ورط بها ابن سلمان الدولة السعودية؟
ولعل الخطر الأكبر يتمثل في عجز العقلاء من العائلة السعودية عن ترتيب الأوضاع بالسرعة المطلوبة، ومن ثم اندلاع صراع مرير بين الفرقاء الذين سيرى كل منهم أنه الأجدر بالعرش، وهو صراع يمزق الدولة ويدمر نسيج المجتمع، ويفتح شهية المتربصين، ويقدم لهم الفرصة للانقضاض على الجزيرة العربية وإلحاقها بزمرة الدول الفاشلة والمنهارة، وصولا إلى تقطيع أوصالها كما قُطّعت أوصال جمال خاشقجي.