منذ إعلان السعودية صدور أحكام قضائية، في 23 ديسمبر الجاري، بإعدام خمسة متورطين في قضية جريمة مقتل الكاتب والصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتبرئة المستشار السابق في الديوان الملكي، سعود القحطاني، لم يتوقف سيل ردود الأفعال والسخرية من تلك الأحكام.
وبدا التشكيك في الأحكام السمة الغالبة من قبل منظمات دولية وشخصيات سياسية وصحف مختلفة، ورأى معظم هؤلاء أن المحاكمات التي جرت بغياب الرأي العام المحلي والدولي لم تكن نزيهة ولم تحقق العدالة المرجوة.
وفي المقابل كان الاحتفاء موجوداً في أوساط المؤيدين لسياسات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذين تناقلوا قصيدة للقحطاني محتفياً بـ”براءته”، ويهاجم من اتهمه بقتل خاشقجي.
قصيدة البراءة!
عقب يوم من صدور الأحكام القضائية تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي وصحف ومواقع سعودية قصيدة قالوا إنها تعود لمستشار الديوان الملكي السعودي، سعود القحطاني، نظمها بعد إعلان النيابة العامة في السعودية تبرئته في قضية مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية، في أكتوبر 2018.
ونشرت القصيدة تحت عنوان “برّاني اللي كلنا باحتكامه”، وحملت تذكيراً لتركيا بالحروب التاريخية بين العثمانيين وآل سعود.
وكان لافتاً تجاهل سعود القحطاني لذكر الكاتب الراحل جمال خاشقجي، ومكتفياً بالقول إن الاتهامات التي وجهت له ثبت أنها باطلة.
ولا يملك القحطاني حساباً على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بعدما أغلق “تويتر”، في سبتمبر الماضي، حساباً له، بعد أشهر من اتهامه بقيادة الفريق الذي نفذ جريمة القتل.
وكانت النيابة السعودية أصدرت، في 23 ديسمبر 2019، أحكاماً بإعدام 5 أشخاص في قضية مقتل خاشقجي، كما حكمت بالسجن على 3 آخرين بالسجن لمدد يصل مجملها إلى 24 عاماً، وبرأت سعود القحطاني، ونائب رئيس الاستخبارات السعودية السابق، اللواء أحمد عسيري، والقنصل السعودي في إسطنبول، محمد العتيبي.
تبرئة متوقعة
يقول المحلل السياسي اللبناني محمود علوش، إن تبرئة القحطاني واللواء عسيري من الجريمة “كانت متوقعة”، موضحاً بقوله: “إن إدانة هذين الشخصين تحديداً تعني إدانة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ على اعتبار أن علاقته بالقحطاني وعسيري مباشرة”.
وأضاف في حديثه: “لذلك فإن “تبرئتهما تعني أيضاً في المفهوم السياسي والمعنوي تبرئة الأمير محمد”، وهو ما يبدو من الاحتفالات غير المفهومة للسعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي بتبرئة الرجلين.
ويرى علوش أن هذه التبرئة لسعود القحطاني “لا تُمهد لعودته إلى أداء الدور المرموق الذي كان يقوم به في الديوان الملكي قبل الجريمة”، مضيفاً: “لقد انتهى. وظيفة التبرئة كانت إبعاد التهمة عن ولي العهد”.
وأكد أن الهدف من إصدار هذه الأحكام “إسدال الستار نهائياً على هذه القضية التي نالت الكثير من سمعة السعودية الخارجية، وأحرجت ولي العهد على وجه الخصوص، خصوصاً أن الموقف الدولي لم يعد يولي أهمية كبيرة لهذه القضية، فضلاً عن أن مسارعة واشنطن إلى الترحيب بالأحكام السعودية تشير إلى أن الولايات المتحدة تدعم مساعي السعودية لإغلاق القضية”.
واشنطن بوست تتساءل
في 25 ديسمبر 2019، نشرت صحيفة “واشنطن بوست”، التي كان يكتب فيها خاشقجي، مقالاً للكاتب ديفيد إغناتيوس قائلاً فيه: إن الجميع لا يزال “لا يملك أجوبة على جريمة قتل خاشقجي”.
ويقول إغناتيوس إن الوسم الذي كان الأكثر تداولاً على “تويتر” في السعودية، بعد إعلان المدعي العام الأحكام التي صدرت على متهمين بقتل خاشقجي، هو اسم سعود القحطاني.
ويتساءل الكاتب عن السبب، مجيباً أن المحكمة برأته، مع أن الأدلة بشأن تورطه في الجريمة قوية، إلى درجة دفعت وزارة الخزانة الأمريكية لفرض عقوبات عليه.
وأشار إلى ابتهاج أصدقاء وأنصار القحطاني بتلك البراءة؛ “لأسباب ليس أقلها أن تبرئته كانت بمنزلة رفض ضمني للنقد من نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين، وبدت الرسالة الموجهة إلى النقاد في الغرب “اغرب عن وجهي”.
وختم الكاتب مقاله بأنه “لا يمكن طي صفحة قضية القتل إلا بعد قيام المدعين بجمع الحقائق وقيام المحكمة بتقييم الأدلة ومشاركتها مع الجمهور”.
وبينما اعتبرت المقررة الأممية المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامارد، الأحكام الصادرة على المتهمين بقتل خاشقجي مثيرة للسخرية، رأت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن الأحكام الصادرة أبعد ما تكون عن تحقيق العدالة.
أما منظمة العفو الدولية فقالت إن الأحكام الصادرة في قضية خاشقجي “تستخدم للتبييض ولا تحقق العدالة للراحل وأقاربه”، في حين سخرت الخارجية التركية من تلك الأحكام، وقالت إنها “بعيدة عن تلبية التطلعات”.
لم يحاكم بالأساس
في يونيو المنصرم، وثّق تقرير الأمم المتحدة حول جريمة قتل جمال خاشقجي عدم محاكمة السلطات السعودية لسعود القحطاني، المتهم الرئيسي في ارتكاب الجريمة، فضلاً عن شخصيات أخرى كانت ضمن فريق الاغتيال.
وسبق أن أعلنت النيابة العامة السعودية مثول 11 متهماً أمام المحكمة بسبب علاقتهم بالجريمة، لأول مرة في 3 يناير الماضي، دون الإفصاح عن أسمائهم.
التقرير الذي أعدته المقررة الأممية كالامارد تضمّن أسماء هؤلاء المتهمين الـ11 استناداً إلى معلومات حصلت عليها من مصادر حضرت جلسة المحاكمة في الرياض؛ وهم: فهد شبيب البلوي، ووليد عبد الله الشهري، وتركي مشرف الشهري، وماهر عبد العزيز مطرب، وصلاح محمد الطبيقي، ومنصور عثمان أبا حسين، ومحمد سعد الزهراني، ومصطفى محمد المدني، وسيف سعد القحطاني، وأحمد محمد عسيري، ومفلح شايع المصلح.
هذه الشخصيات، ما عدا مفلح شايع المصلح الذي قيل إنه من موظفي القنصلية السعودية، والنائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودي عسيري، هي من ضمن فريق الاغتيال الذي جاء إلى إسطنبول واتُّهم بقتل خاشقجي، والمكون من 15 شخصاً، بحسب تقارير أمنية تركية.
ما لفت الانتباه في هذا الصدد هو عدم وجود اسم القحطاني، المستشار السابق لبن سلمان، وأيضاً القنصل العام السابق محمد العتيبي، بين هذه الشخصيات الـ11، على الرغم من أن التحقيقات التركية تتهمهما بالاشتراك في تنفيذ الجريمة.
وأصدرت النيابة العامة الجمهورية في إسطنبول قراراً بالقبض على القحطاني وعسيري بتهمة “القتل العمد بدافع وحشي، أو عبر التعذيب، مع سابق الإصرار والترصد”.
ويعد مستشار بن سلمان أول المتهمين في جريمة قتل خاشقجي، الذي انتشر اسمه عقب اختفاء الأخير مباشرة، حيث نشرت صحيفة “الواشنطن بوست”، بعد أسبوع من الحادثة، معلومات تفيد بأنه حاول استدراج الصحفي السعودي إلى بلاده.
وقالت الصحيفة، في 10 أكتوبر 2018، إن خاشقجي تلقى مكالمتين هاتفيتين على الأقل من سعود القحطاني ينقل فيها رسائل ودية نيابة عنه، فيما يبدو أنه محاولة لتطمينه قبل استدراجه.
تركيا اللاعب الأهم.. ومحاكم دولية
ويرى المحلل السياسي محمود علوش أن المحققة الأممية أغنيس كالامارد، التي تتابع هذه القضية، ستواصل عملها في التحقيق بهذه القضية، لكنه يرى أنها “لا تملك القدرة على تحويلها إلى محاكم دولية، حيث إن هذا الأمر بحاجة لقرار سياسي دولي”.
ويشير إلى أن أقصى ما يُمكن أن تقوم به “هو الاستمرار في التصويب على ولي العهد السعودي”.
كما أكد أن تركيا ستبقى اللاعب الأهم في هذه القضية”، مضيفاً: “لا نعلم ما إذا كانت تملك أدلة غير مُعلنة تناقض الأحكام السعودية”.
في المقابل برز طرف آخر أعلن سعيه لإقامة دعوى قضائية دولية ضد القحطاني عقب تبرئته من مقتل خاشقجي.
وتساءل وليد الهذلول، شقيق الناشطة المحتجزة في سجون السلطات السعودية لجين الهذلول، عبر حسابه في “تويتر”: “كيف ممكن نرفع قضية على سعود القحطاني في محكمة أمريكية أو أوروبية بسبب جريمة التعذيب التي ارتكبها في حق لجين؟”، مطالباً “من لديه خلفية بالأمر أن يتواصل معه”.
ومنذ أكثر من عام تقبع الناشطة الهذلول في أحد مقار الاحتجاز بالسعودية، وتُحاكم بتهم تتعلق بنشاطها في مجال حقوق الإنسان والاتصال بجهات أجنبية، ووجهت اتهامات للقحطاني بتهديدها بـ”الاغتصاب والقتل والتقطيع كما حدث مع خاشقجي”.