رغم محاولات حركة “حماس” الفلسطينية المستمرة لإصلاح علاقتها مع المملكة العربية السعودية بكل السبل والطرق فإنها تصطدم في كل مرة بتعنت سعودي أكبر، تتبعه إجراءات أكثر قمعاً للفلسطينيين المقيمين على أراضيها.
وعلاوة على ذلك ترفع الرياض من نبرتها في المحافل العربية والإقليمية والدولية ضد “حماس”، أبرز حركات المقاومة في فلسطين، والمنتخبة شعبياً في آخر انتخابات برلمانية شهدتها الأراضي الفلسطينية، وصل إلى حد وصمها بـ”الإرهاب”، كما جاء على لسان وزير الشؤون الخارجية عادل الجبير.
ولم تقف ممارسات السعودية بحق حماس والفلسطينيين عند هذا الحد فحسب؛ بل زجت بالعشرات منهم في سجونها واحتجزتهم تعسفياً، منذ ما يقارب العام، وكان على رأسهم ممثل الحركة في المملكة، محمد الخضري، ونجله هاني.
ما الجديد؟
عقدت السلطات السعودية، الأحد (8 مارس)، أولى جلسات محاكمة المعتقلين الفلسطينيين والأردنيين الموقوفين في سجونها.
وقالت عائلة الخضري الفلسطينية لـ”الخليج أونلاين” إن المحكمة الجزائية المتخصصة عقدت، الأحد، أولى جلساتها، لمحاكمة عدد من المعتقلين الفلسطينيين والأردنيين، بينهم اثنان من أفرادها وهما محمد الخضري (81 عاماً)، ونجله الأكبر هاني.
وبينت عدة مصادر صحفية أن السلطات السعودية أحضرت الخضري إلى جانب عشرات المعتقلين إلى المحكمة، وتم توجيه اتهامات له أولها دعمه لكيان “إرهابي”، في إشارة إلى حركة حماس.
وتم تأجيل جلسة المحاكمة إلى 12 رمضان القادم (الموافق 5 مايو القادم) وفق المصادر.
تهم الإرهاب وتمويله
في سياق متصل، قال الأكاديمي والمعارض السعودي سعيد بن ناصر الغامدي في سلسلة تغريدات عبر حسابه في “تويتر”، إنه تم إدانة المتهمين الفلسطينيين بارتكاب جرائم معاقب عليها بموجب نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله.
وأضاف أن المعتقلين أدينوا بـ “الانضمام إلى كيان إرهابي، وإعانته، وجمع التبرعات له، والتستر على قيادات الكيان الإرهابي”، مشيراً إلى أن جل المعتقلين كانوا يعملون على إعانة الفلسطينيين ضمن جمعيات خيرية مرخصة وتعين العوائل في قطاع غزة المحاصر والضفة والقدس المحتلة.
“محاكمات جائرة”
بدورها دعت حركة حماس، الاثنين (9 مارس)، السلطات السعودية لوقف “المحاكمات الجائرة” لعدد من أنصارها، وإطلاق سراحهم من دون قيد أو شرط مسبق.
وأشارت إلى أن الفلسطينيين المعتقلين “لم يقترفوا ذنباً ولم يرتكبوا إثماً ولا جُرماً، وإنما جريرتهم في نظر جهاز رئاسة أمن الدولة السعودي هي أنهم ناصروا قضية فلسطين المقدّسة التي هي قضية الأمة بمكوّناتها كافة، وارتضوا لأنفسهم أن يشاركوا من مواقعهم في شرف الجهاد دفاعاً عن القدس والمسجد الأقصى”، حسب نص البيان.
وعبرت الحركة عن “بالغ الأسف”، واستنكارها الشديد “لاستمرار السلطات السعودية في اعتقال الشرفاء من أبناء شعبنا وأمتنا”، مطالبة في الوقت ذاته بإطلاق سراح جميع المعتقلين.
والسبت (6 مارس)، قال حساب “معتقلي الرأي”، المهتم بشؤون المعتقلين في السعودية، على موقع “تويتر”، إن المعتقلين الفلسطينيين يواجهون “تهماً تتعلق بتحويل أموال بطريقة غير شرعية وإنشاء منظمات غير مرخصة”.
وكان الحساب ذاته أول من كشف عن موعد محاكمة عدد من المعتقلين الفلسطينيين والأردنيين الموجودين في سجون المملكة، في مطلع مارس الجاري.
وفي تغريدة أخرى قال الحساب: إن السلطات “شنت حملة اعتقالات تعسفية جديدة طالت عدداً من المقيمين الفلسطينيين؛ وذلك على خلفية دعم المقاومة الفلسطينية”.
وكشف أن “عدداً ممن اعتقلوا في هذه الحملة هم من أقارب أو أبناء من تم اعتقالهم في أبريل الماضي للسبب ذاته”.
ولم يكن حساب “معتقلي الرأي” الوحيد الذي تحدث عن حملة اعتقالات جديدة؛ إذ كشف السعودي المعارض سعيد الغامدي أن السلطات السعودية نفذت حملة جديدة ضد الفلسطينيين المقيمين بالمملكة بتهم دعم المقاومة الفلسطينية.
وأوضح “الغامدي” في تغريدات على “تويتر”، أن حملة الاعتقالات الأخيرة طالت أبناء معتقلين اعتقلوا العام الماضي، مشيراً إلى أن الحملة الجديدة تتزامن مع بدء محاكمة الفلسطينيين المعتقلين منذ عام.
“عربون محبة”
وفي هذا الإطار يقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني مصطفى الصواف، إن المحاكمة التي يقدم عليها النظام السعودي بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان؛ هي “عربون محبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو”.
وأوضح “الصواف” في حديث لـ”الخليج أونلاين” أن المحاكمة لمعتقلين فلسطينيين، ومن بينهم ممثل حماس، “تكشف الوجه الحقيقي لمن يقود السعودية اليوم”، مشيراً إلى أن “هؤلاء المعتقلين لا ذنب لهم سوى العمل على جمع الأموال من أجل فلسطين وشعبها”، مؤكداً أنها عملية تمت بموافقة النظام نفسه.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني أن محاكمة المقيمين الفلسطينيين هي “محاكمة للنظام السعودي السابق (كان يقوده الملك عبد الله بن عبد العزيز) وليس للمعتقلين فقط”، في إشارة إلى سماح الملك الراحل بنشاطات الحركة داخل المملكة.
وأما عن الرسالة التي يريد ولي العهد السعودي إيصالها من تلك المحاكمة فهي أن “السعودية باتت اليوم ضد المقاومة الفلسطينية، وداعمة لخطة ترامب وتقديم الولاء للصهاينة”.
وبشأن مصير العلاقات السعودية الحمساوية يقول “الصواف” إن العلاقة بين الرياض والحركة الفلسطينية منذ قدوم بن سلمان “غير قائمة”؛ لكونه يعتبر حماس ومقاومتها “إرهاباً”.
ومضى قائلاً أكثر من ذلك؛ عندما أوضح بأنه “لا توجد علاقة مع حماس، بل ملاحقة ومطاردة لتأكيد الولاء للأمريكان والإسرائيليين”.
وأبدى الكاتب السياسي الفلسطيني ضجره واستياءه الكبيرين من حملة الاعتقالات والمحاكمات التي يقوم بها النظام السعودي ضد “من يدعم المقاومة في فلسطين والأمة”، موضحاً أن هؤلاء “لم يقترفوا ذنباً إلا أنهم عملوا بما أمر الله به”.
من هم المعتقلون؟
وكان الحساب السعودي المعني بشؤون المعتقلين، الذين زاد عددهم بشكل لافت منذ صعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، قد أعلن سابقاً أن مسؤول العلاقات بين حركة “حماس” والمملكة، محمد الخضري، ونجله هاني، من بين الشخصيات التي تم تحويلها إلى المحاكمة.
وأشار إلى أن النيابة العامة السعودية ستوجه لتلك الشخصيات تهماً عدة؛ من بينها “دعم المقاومة الفلسطينية”، و”السعي في الأعمال الخيرية”.
وكشف “الخليج أونلاين” سابقاً أن السعودية تخفي قسرياً 60 فلسطينياً، من بينهم القيادي في حركة “حماس” ورجل الأعمال، أبو عبيدة الآغا، وتضعه في سجن “ذهبان” السياسي بجدة، وهو ما أكدته مؤسسات حقوقية، منها “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” (مقره جنيف).
واعتقل “الخضري” صاحب الـ81 عاماً من بيته في مدينة جدة، فجر الرابع من أبريل 2019، على أيدي أفراد من جهاز أمن الدولة السعودي، الذين لم يراعوا معاناة الرجل من مرض عضال وخضوعه لعملية جراحية منذ مدة قريبة.
وأوقف نجله هاني، الذي يعمل محاضراً في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، بعد ساعات من احتجاز والده، بحسب ما كشفته مي، ابنة ممثل حركة حماس في السعودية، في تحقيق خاص أجراه “الخليج أونلاين”.
حماس تعترف
بدورها اعترفت حماس، في سبتمبر 2019، باعتقال السلطات السعودية أحد قيادييها ومسؤول إدارة العلاقة مع المملكة، في أبريل الماضي، وعزت تأخرها في نشر نبأ اعتقال الخضري خمسة أشهر لإفساح المجال للاتصالات الدبلوماسية، ومساعي الوسطاء، “لكنها لم تسفر عن أي نتائج حينها”.
وأواخر أكتوبر المنصرم، قال مصدر في حماس، طلب عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، إن جهود الوساطة التي قادها المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، توصلت إلى إطلاق السلطات السعودية سراح امرأتين من الحركة من سجون المملكة.
وشهدت المملكة في العامين الأخيرين تصاعداً كبيراً في عدد المعتقلين في سجونها؛ إذ شنت سلسلة حملات طالت أمراء ووزراء ودعاة وعلماء ونشطاء حقوقيين ومقيمين عرباً من عدة جنسيات.
كما طالت تلك الحملات ناشطات حقوقيات، وهو ما دفع شبكة “سي إن إن” الأمريكية لوصف السعودية بأنها باتت “مملكة الخوف”، حيث يقمع كل من يُعارض السلطات الحالية ويزج به خلف القضبان.
جدير بالذكر أن المحاكمات المرتقبة تأتي بعد طرح الإدارة الأمريكية، برئاسة دونالد ترامب، خطة السلام المقترحة من طرفها لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والمعروفة إعلامياً بـ”صفقة القرن”.
وتنحاز الصفقة بشكل كبير للدولة العبرية على حساب الحقوق التاريخية للفلسطينيين؛ إذ تنص على أن القدس عاصمة موحدة لـ”إسرائيل”، ورفض حق العودة للاجئين، ونزع سلاح المقاومة، والاعتراف بشرعية المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية، فضلاً عن إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، “متصلة” في صورة “أرخبيل” تربط ما بينه جسور وأنفاق، بلا مطار ولا ميناء بحري.
وأيّدت دول خليجية، على غرار السعودية والإمارات والبحرين، خطة ترامب، ودعت لمفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أمريكية، وضرورة البناء عليها كمدخل لحل نهائي للقضية الفلسطينية، رغم الرفض الفلسطيني قيادة وشعباً.