بعد تجنب السفر إلى الخارج لأكثر من عام، ظهر العاهل السعودي الملك “سلمان” نشطا للغاية في الـ60 يوما الأخيرة، حيث سافر عبر العالم العربي.
وبلا شك، كانت السمعة السامة لابنه المفضل، ولي العهد “محمد بن سلمان”، عاملا في ذلك، حيث يكافح السعوديون الآن لاستعادة السيطرة على صورتهم الدولية.
وفي أعوامه الأولى على العرش، بعد صعوده عام 2015، كان الملك يسافر باستمرار، وقد قام بزيارات خارجية إلى العديد من دول الشرق الأوسط، وكذلك إلى الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان والصين وإندونيسيا وروسيا.
وكان أيضا يأخذ عادة عطلته الصيفية الممتدة في فرنسا أو المغرب، ولم يكن جدول أعماله محموما أبدا، لكنه كان شاملا.
لكنه توقف عن هذا النمط في أواخر عام 2017، عندما تم احتجاز عدة مئات من السعوديين البارزين في فندق “ريتز كارلتون”. وكان هذا جزءا من حملة “مزعومة” ضد الفساد، لكن الكثيرين قالوا إن الأمر يشبه عمليات المافيا.
ولأكثر من عام لم يسافر الملك خارج المملكة، وكان ولي العهد هو المحرك وراء قضية فندق “ريتز كارلتون”، والتي عزلت الكثير من السعوديين البارزين، منهم أعضاء مهمون في أسرة “آل سعود”.
وجنبا إلى جنب مع زميلتي “إسراء صابر” من معهد “بروكينغز”، تكهنت العام الماضي بالسبب وراء توقف الرحلات الخارجية للملك، وقد تكون الصحة عاملا، لكن الملوك السعوديين المرضى يميلون في الواقع إلى قضاء المزيد من الوقت في الخارج للحصول على العناية الطبية.
وعلى الأرجح، كانت التوترات داخل العائلة المالكة حول سلوك ولي العهد هي السبب، فلم يكن الملك يريد مغادرة المملكة وهي غير مستقرة.
وقد زاد القتل المتعمد لـ”جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية في إسطنبول، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، من حدة التوتر.
ويُلقى باللوم على ولي العهد على نطاق واسع في عملية القتل، فضلا عن مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى.
ووفقا لإحدى الروايات، فتح الملك تحقيقا في هذه الانتهاكات دون موافقة ابنه، وتم إعداد تقارير طبية مفصلة عن إساءة معاملة السجناء وتم رفعها للملك.
ومع ذلك، تم اعتقال المزيد من الناشطين في مجال حقوق المرأة هذا الأسبوع.
وأدت الضجة حول سلوك ولي العهد بشكل مباشر إلى أول رحلة خارجية للملك في فبراير/شباط الماضي إلى مصر، لحضور قمة مشتركة لجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي.
وأوضح زعماء الاتحاد الأوروبي قبل الاجتماع في شرم الشيخ أنهم لن يجتمعوا مع ولي العهد، فهو ليس ملطخا فقط بدم “خاشقجي”، بل ينظر إليه أيضا على أنه قائد حرب المملكة الكارثية في اليمن.
وذهب الملك إلى مصر لمدة 3 أيام، في أول زيارة خارجية له منذ رحلته إلى روسيا في أكتوبر/تشرين الأول 2017.
ثم عقد الملك لقاء رفيع المستوى مع الجنرال الليبي “خليفة حفتر” في الرياض، في أواخر مارس/آذار، وهو أول اجتماع للقيادة السعودية مع “حفتر” منذ أن بدأ الجنرال حملته للسيطرة على ليبيا.
ومنذ الاجتماع في الرياض، شن “حفتر” هجوما على طرابلس، على ما يبدو بمباركة الملك، وحظي “حفتر” باستقبال رفيع المستوى على نحو غير عادي من قبل الملك السعودي لشخصية ليست رئيسا لدولة.
ثم سافر الملك لحضور القمة العربية في قرطاج بتونس في أواخر مارس/آذار، وأكد “سلمان” بقوة على الدعم السعودي لدولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس، وإعادة مرتفعات الجولان إلى سوريا، وهي مواقف تتعارض مواقف مع إدارة “دونالد ترامب”.
وتباين إعادة التأكيد على دعم السعودية لخطة السلام العربية مع التكهنات التي تشاع بأن ولي العهد يتواطأ مع فريق “ترامب” فيما يسمى بـ”صفقة القرن”، وأنه يفكر في عقد اجتماع مباشر مع المسؤولين الإسرائيليين.
وسافر الملك هذا الأسبوع مرة أخرى إلى البحرين المجاورة، من أجل يوم واحد من الاجتماعات في المنامة مع الملك “حمد بن عيسى آل خليفة”.
وأكد “سلمان” على التزام السعودية السابق بإنقاذ البحرين من مشاكلها الاقتصادية.
وتوجد قوات سعودية في البحرين منذ عام 2011، للحفاظ على “حمد” في السلطة. ولا يوجد أي علامة على أن يتغير ذلك.
ويبدو أن الملك “سلمان” قد زاد من وتيرة السفر في الوقت الذي يواجه فيه ابنه صعوبة متزايدة في السفر إلى الخارج.
وقد قيل لـ”بن سلمان” إنه غير مرحب به في المغرب في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، من قبل الملك “محمد السادس”.
وكان الرئيس الجزائري آنذاك “عبدالعزيز بوتفليقة” قد سخر منه خلال نفس الرحلة، وشهدت زيارته لآسيا هذا الشتاء تأجيل محطاته في إندونيسيا وماليزيا في غضون فترة قصيرة دون أي تفسير.
ويعد الصخب حول “خاشقجي” واليمن أكثر حدة في أوروبا وكندا والولايات المتحدة.
وقد أقر “الكابيتول هيل” الآن مشروع قانون يحظر الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، ومن المحتمل أن يستخدم “ترامب” حق النقض “الفيتو”، لكن لا يزال هذا يمثل استخداما غير مسبوق لتشريعات “سلطة الحرب” لإنهاء مشاركة أمريكا في حرب ما، ويجب أن تكون هذه دعوة للاستيقاظ لحلفائنا الخليجيين.
ويعد استئناف سفر الملك الخارجي حلا قصير الأجل لمشكلة طويلة الأجل بالنسبة لـ”آل سعود”، فوريث العرش مثقل بالصورة الشخصية السلبية الحادة نتيجة لسلوكه على مدى الأعوام الـ 4 الماضية.
ولا تتحسن صورته خارج المملكة بأي شكل، وأصبحت طلبات إجراء مزيد من التحقيقات في مقتل “خاشقجي”، من قبل جماعات حقوق الإنسان، أكثر إلحاحا.
وقد تخلى عن “بن سلمان” جميع أولئك الذين أشادوا به كمصلح قبل عام واحد فقط، ولا يعد وقوف “ترامب” إلى جانبه شكلا إيجابيا للغاية من المساعدة؛ نظرا إلى تدني شعبية “ترامب” في معظم أنحاء العالم.