“اتقوا الله في بلادكم وفي أنفسكم، واستثمروا في الداخل”، تلك العبارة اشتهرت كثيراً وهي تعود لأمير منطقة مكة المكرمة، خالد الفيصل، قالها في يناير 2019، مخاطباً السعوديين، راجياً إياهم عدم نقل أموالهم إلى خارج البلاد، واستثمارها في الداخل.
الفيصل كان ظهر في مقطع فيديو تناقلته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وهو يرجو المستثمرين السعوديين العمل في الداخل، قائلاً: “أرجوكم لا تلقوا بأموالكم إلى الخارج، ولا تستثمروها هناك، بل في بلادكم؛ فوالله هي أفيد لكم مليون مرة من الاستثمار خارجها”.
ما قاله الفيصل كان يشير إلى حالة عدم ثقة المستثمرين السعوديين بمستقبل ثرواتهم داخل المملكة؛ بسبب حجم الخسائر الكبيرة التي يتكبدونها داخل بلادهم.
ولم يتوقف المستثمرون وأصحاب المشاريع عن هجرة العمل في بلادهم، ولم تجد نصائح وتوسل أمير مكة سبيلاً لردعهم عن تصفية أعمالهم وإن لم يغادروا البلاد.
سياسات السلطة تغلق الأسواق
هجرة العمل في أسواق السعودية لم تكن حكراً على المستثمرين من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة والشركات التي توفر فرص عمل لمئات المواطنين والمقيمين، بل شملت أصحاب المشاريع المتوسطة والصغيرة، لا سيما الشباب، الذين بدؤوا يغلقون مصالحهم ويهجرون السوق السعودية.
والسبب -بحسب ما كشف الإعلامي السعودي المتخصص في شؤون المستهلك، عبد العزيز الخضيري- هي سياسات وزارة العمل بالمملكة.
وأوضح الخضيري في مقطع فيديو بثه على حسابه عبر “تويتر”، في 22 فبارير الجاري، أن وزارة العمل سحبت رأس مال أصحاب المشاريع بفعل غراماتها الكثيرة.
وعبّر عن رفضه لاستراتيجية مفتشي وزارة العمل في التعامل مع المحال التجارية التي لا تعطي لأصحاب المشاريع أي فرصة للالتزام بالتعليمات والشروط.
وأشار إلى أن قلة المنشآت الصغيرة والمتوسطة تُشكل كارثة على السوق، والمستهلك السعودي هو المتضرر الوحيد من عدم وجود المشاريع الصغيرة متنوعة العرض والسعر.
وأضاف أن سياسة وزارة العمل تدفع بالمستهلكين نحو المؤسسات والمشاريع الكبيرة “المحتكرة”، وختم قائلاً: إن “السوق بدأ يقفل”.
ولاقى حديث الخضيري ترحيباً كبيراً ودعماً لطرحه من قبل الكثير، حيث اعتبروا ما يحدث ربما أكبر من ذلك؛ بسبب قوانين وزارة العمل السعودية، وطرحوا أمثلة أيضاً لما عانوه هم أو أقاربهم.
إفلاس شركات متسارع
الصرخة التي أطلقها عبد العزيز الخضيري تأتي ضمن سلسلة تحذيرات وأجراس خطر دقها مختصون محليون ودوليون، وجميعها مؤشرات على التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه المملكة.
فقبل أيام من تحذيرات الخضيري قال عضو مجلس الشورى السعودي، عبد الله الحربي، إن 10 حالات إفلاس لشركات سجلت في يوم واحد.
وأوضح “الحربي”، في مداخلة له بمجلس الشورى، أن هناك مؤشرات على زيادة معدل إفلاس الشركات، مؤكداً وجود زيادة في عدد القضايا التي يتم النظر فيها بالمحاكم التجارية بنسبة بلغت 60% خلال عام واحد.
وكشف عن 10 حالات إفلاس سجلت في اليوم الأول من جمادى الأولى المنصرم (27 ديسمبر الماضي)، مشيراً إلى أن “هذا مشهد في يوم واحد بمحاكم الإفلاس بالمملكة”، بحسب ما أوردته صحيفة “المدينة” المحلية.
وقال إن التعامل مع موضوع الإفلاس يعتبر من مهام وزارة التجارة والاستثمار، لكنها لم تتطرق له في تقريرها، مبيناً أن عدد الشركات التي دخلت مرحلة الإفلاس تزايدت في السنوات الأخيرة.
وشدد على أن الإفلاس يُعد مؤشراً غير جيد للاقتصاد، وخاصة للمستثمر الأجنبي الذي يفكر في الدخول للسوق السعودية، فضلاً عن أن له آثاراً سلبية على مستوى الاقتصاد الوطني ككل، تأتي في مقدمتها زيادة نسبة البطالة.
وأوضح أن الإفلاس له أسباب متعددة بعضها يعود لإدارات تلك الشركات، والبعض الآخر لأسباب خارجية، موضحاً أن معرفة مصادر هذه الأسباب يسهم في إيجاد الحلول المناسبة للمشكلة والحد منها.
ونبه إلى أن قيام وزارة التجارة والاستثمار بدراسة موضوع إفلاس الشركات وخروجها من السوق، ووضع الضوابط اللازمة للحد منه، سوف يسهم في معرفة أسباب الإفلاس وتحديد ما إذا كان ناتجاً عن سوء إدارة أو بسبب ظروف أخرى.
تكدس قضايا إعلان الإفلاس في المحاكم
في 24 أغسطس 2019، كشفت صحيفة “الاقتصادية” السعودية أن عدد قضايا الإفلاس في المحاكم التجارية السعودية، منذ بداية العام الهجري حينها، بلغ نحو 500 قضية.
وأفادت الصحيفة بأن المحكمة التجارية بالرياض استحوذت على 73.6% من إجمالي هذه القضايا، بواقع 368 قضية.
وأشارت إلى أن المحاكم التجارية بجدة تنظر في 75 قضية إفلاس، في حين تنظر المحكمة التجارية بالدمام في 54 قضية.
وكانت لجنة الإفلاس السعودية كشفت، في أبريل الماضي، عن تقديم عشرات الشركات طلبات لإشهار إفلاسها؛ بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت السوق السعودية.
وبحسب ما نشرته لجنة الإفلاس حينذاك، فإن 33 شركة طلبت البدء بإجراءات التصفية وإشهار الإفلاس، ومن بين هذه الشركات نحو 14 مختصة بالمقاولات، بما نسبته 42% من عدد الشركات المفلسة.
هروب الشركات انتكاسة لاقتصاد المملكة
وعلى العكس من سعي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لتحقيق “رؤية 2030″، الهادفة إلى تنويع اقتصاد بلاده وفتح المجال للمستثمرين السعوديين والأجانب للاستثمار داخل المملكة، تكشف تقارير إعلامية متخصصة عن هروب جماعي لرؤوس أموال السعوديين من المملكة.
ففي شهر نوفمبر 2018، توقّع بنك “جيه بي مورغان” (أمريكي متعدد الجنسيات للخدمات المالية المصرفية) أن تصل تدفقات رؤوس الأموال إلى خارج السعودية، خلال 2018، إلى 90 مليار دولار.
وتوقّع أيضاً تزايد حجم الأموال التي ستهرب من المملكة خلال 2019.
وحسب تقارير غربية فإن رجال المال في السعودية باتوا يخفون ثرواتهم ولا يشاركون في تمويل أي مشاريع بالسعودية، منذ حملة اعتقال الأمراء وكبار رجال الأعمال بفندق “ريتز كارلتون” تحت اسم “محاربة الفساد”، في نوفمبر 2017، التي نفذها بن سلمان وجمع من خلالها أكثر من 100 مليار دولار تحت التهديد والتعذيب.
ومطلع 2019 كشفت صحيفةُ “الوطن” المحلية النقاب عن انتكاسة كبيرة في الاقتصاد السعودي؛ حيث ذكرت أن 26 منشأة تغادر المملكة يومياً.
فبحسب الصحيفة، بلغ عدد منشآت القطاع الخاص، في الربع الثالث من عام 2018، 453.715 منشأة، بعد أن كانت 460.858 منشأة بالربع نفسه من عام 2017، وهو ما يعني خروج 7143 منشأة من سوق العمل خلال عام.