عادت محاولات السعودية للحصول على صواريخ “إس-400” الدفاعية الروسية إلى دائرة الضوء مجددا، بعد القرار الأمريكي بسحب أنظمة “باتريوت” من الأراضي السعودية، الشهر الجاري.
وفي عام 2017، أعلنت موسكو توقيع اتفاق مبدئي مع الرياض لتزويدها بمنظومة “إس-400″، مع استمرار مفاوضات الجانبين حول المسائل الفنية واللوجيستية لبدء تنفيذ الاتفاقية.
وعلى الرغم من الإعلان في وقت سابق عن قرب تسليم المنظومة الروسية، للحكومة السعودية، فإن الصفقة لم تدخل مراحل التسليم النهائية، ولا يعرف أحد مصيرها، أو قيمتها الإجمالية.
إغراءات بوتين
لكن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، سارع إلى تحريك الماء الراكد حول الصفقة، عقب الهجمات الصاروخية التي استهدفت منشآت “أرامكو” السعودية، سبتمبر/أيلول الماضي.
ودعا “بوتين” صراحة، الحكومة السعودية، إلى شراء الأسلحة الروسية لتأمين منشآتها النفطية، قائلا على هامش قمة مع نظيريه التركي والإيراني في أنقرة، “نحن مستعدون لتقديم المساعدة إلى السعودية لحمايتها بلادها وشعبها”، مؤكدا أن صواريخ “إس-300” أو “إس-400″، قادرة على تأمين جميع مواقف البنية التحتية السعودية بشكل كامل.
وفي معرض إجابته عن سؤال عما إذا كان من الأفضل للسعودية شراء “إس-300” أم “إس-400″، أضاف “بوتين”: “ليختاروا بأنفسهم”، وهي الرسالة التي لم تجد إجابة وقتها من الرياض.
والعام الماضي، أقر رئيس شركة “روستيخ” الروسية لتصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية، “سيرجي تشميزوف”، بأن “المفاوضات مع المملكة العربية السعودية باتت معقدة”، دون أن يكشف عن المواد الرئيسية للخلاف بين الطرفين.
لكن مستجدات الأحداث على الأرض ربما تفرض واقعا جديدا، لا سيما مع سحب واشنطن منظومات باتريوت، ومغازلة موسكو للرياض، بإمكانية تقديم خبراتها العريقة لها لتصنيع نظام دفاع جوي وطني يعتمد على أنظمة دفاعية روسية.
الأسطورة الروسية
وفقا للمعلومات المتداولة حول قدراتها، فإن منظومة “إس-400” ربما تكون أحد الحلول المناسبة فنيا لحماية الأجواء السعودية ضد الصواريخ الحوثية، خاصة مع ميزة صواريخ الاعتراض المتعددة التي توفرها المنظومة.
وبعكس نظام “باتريوت” الأمريكي الذي يدعم إطلاق صاروخ اعتراض واحد فقط بمدى 96 كم، تدعم منظومة “إس-400” إطلاق 4 صواريخ اعتراض مختلفة، واحد منها من سلسلة (40N6) طويلة المدى، التي يصل مداها 400 كم، وصاروخ من طراز (48N6) يصل مداه إلى 250 كم، وصاروخ طراز (9M96E2) يصل مداه إلى 120 كم، وأخيرا، صاروخ (9M96E) بمدى 40 كم للأهداف القريبة.
وبينما تتكون منظومة صواريخ “باتريوت” الأمريكية من أربعة أجزاء، هي مركبة الرادار وغرفة التحكم، ومنصة الصواريخ، إضافة إلى الصواريخ نفسها، تتكون منظومة “إس- 400” من 3 أجزاء، الأول يحتوي على ثماني وحدات مجهزة بــ 12 منصة إطلاق، والثاني يضم أنظمة القيادة والتوجيه والرادارات، والثالث يضم الدعم الفني والصيانة.
ويطير الصاروخ “9M96E2” أحد جواهر نظام “إس-400″، بسرعة 15 ماخ (الماخ = سرعة الصوت)، أي نحو 5 آلاف متر في الثانية، أو 18 ألفا و500 كم في الساعة، ويمكنه استهداف أهداف منخفضة تحلق على بعد 5 أمتار من الأرض، وهو مصمم لضرب الطائرات والصواريخ المخترقة التي تطير من السفن أو فوق الأرض، ويمكنه تحييد العديد من صواريخ كروز.
وتتمتع “إس-400” بقدرتها على تدمير الأهداف الجوية، بما في ذلك الصواريخ المجنحة التى تحلق بمحاذاة سطح الأرض، والطائرات صغيرة الحجم دون طيار، وحتى رؤوس الصواريخ الباليستية التي تصل سرعتها إلى 5000 متر في الثانية.
ويقول مسؤول عسكري أمريكي رفيع في قوات البحرية، إن نظام “إس-400” فعال جدا في التصدي لكل الطائرات والمقاتلات من الجيل الرابع مثل “إف- 15″ و”إف- 16” و”إف- 18″، بحسب “بي بي سي”.
ضامن جديد
في سبتمبر/أيلول الماضي، لم تفوت شركات السلاح الروسية، هي الأخرى، الفرصة، وأعلنت عن مباحثات مع دول شرق أوسطية لبحث بيع نظم الأسلحة الجديدة المضادة للطائرات المسيرة.
وقالت الشركة الروسية الحكومية المسؤولة عن تصدير الأسلحة “روسوبورونكسبورت”، في بيان عقب هجمات أرامكو: “أوضحت الأحداث الأخيرة في العالم أن الأسلحة المضادة للطائرات الاستطلاعية والهجومية والمسيرة وغيرها من أسلحة الهجوم الجوي تكتسب أهمية متزايدة لحماية المنشآت ذات الأولوية القصوى”.
وتعليقا على المغازلات الروسية المتكررة للرياض، تقول نائبة المدير العام بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (بريطاني) “كوري شيك”: “لو كنت مكان السعوديين لاتجهت إلى موسكو ولاتجهت إلى بكين للعثور على حليف أكثر جدارة من الولايات المتحدة”.
وتعتقد “شيك” أن بإمكان روسيا أن تحل محل الولايات المتحدة باعتبارها الضامن العام للأمن في الخليج وهو الدور الذي لعبته واشنطن منذ الخمسينيات.
غضب أمريكي
من جانبه، يرى الباحث في برنامج روسيا وأوراسيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، “ماثيو بوليج”، أن “روسيا تهيء نفسها لتصبح طرفا له وجود نظامي في الشرق الأوسط وهو ما يعني أن الكرملين لن يترك مشكلة كبيرة أم صغيرة دون التدخل فيها”، وفق “رويترز”.
ومع توجه السعودية إلى روسيا للمساعدة في تعزيز نظام الدفاع الجوي الخاص بها، والمشاركة في ضمان أمن المنطقة، يمكن للمملكة أن تستفيد أيضا من النفوذ التذي تتمتع بها روسيا على إيران، وكذلك على الحوثيين في اليمن.
ومع ذلك، يبدو العائق الرئيسي الذي يحول دون إتمام صفقة “إس- 400″، هو الخوف من إثارة غضب الحليف الأمريكي، والوقوع مستقبلا تحت طائلة العقوبات الأمريكية، حيث تعتبر واشنطن أن وجود روسيا في مناطق نفوذها خطا أحمر لن تسمح بتجاوزه.
ووفق مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث، العميد “هشام الجابر” في حديثه لشبكة “DW”، فإن بيع السلاح ليس قضية تجارية ومالية واقتصادية فقط، بل سيتبع الصفقة دخول خبراء روس إلى المملكة، بجانب قطع الغيار التي سيحتاجها هذا السلاح، وهو ما سيزعج واشنطن للغاية.
وظهر هذا الانزعاج الأمريكي بشكل واضح حين أعلنت تركيا، حليف واشنطن وعضو حلف الناتو، حصولها على منظومة الدفاع الجوي الروسية، وهو ما أدى لنشوب أزمة غير مسبوقة بين البلدين ودفع واشنطن لفرض عقوبات على أنقرة.
ووفقا لـ”الجابر”، فإن هذا هو السبب الرئيسي في أن صفقة “إس- 400” السعودية لم تتم إلى الآن، وربما لن تتم أبدا، طالما أن السعودية لا يمكنها التمرد على الإرادة الأمريكية.