ترى مجلة إيطالية أنه “لم يحن بعد الوقت لميلاد تحالف (ناتو عربي)، لأن مختلف الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط لديها تصورات مختلفة للأمن والمصالح”.

وأوضحت مجلة “فورميكي” أنه “في غضون ذلك، يتم إنشاء تعاون فني من المحتمل أن يتطور في المستقبل إلى تحالف، خاصة بين السعودية وإسرائيل”.

وذكرت أن “ذلك يأتي بينما أكد حلف شمال الأطلسي (الناتو) في إطار مفهوم إستراتيجي جديد خلال قمته الأخيرة المنعقدة بالعاصمة الإسبانية مدريد في 29 و30 يونيو/حزيران 2022، أن الصراعات والهشاشة وعدم الاستقرار في إفريقيا والشرق الأوسط لها تأثير مباشر على أمننا وأمن شركائنا”.

 

تحديات مترابطة

وشددت الوثيقة الختامية للناتو على أن “الجوار الجنوبي للحلف، ولا سيما منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والساحل، يواجه تحديات أمنية وديموغرافية واقتصادية وسياسية مترابطة”.

وأشارت إلى أن “هذه المشاكل تتفاقم بسبب تأثير تغير المناخ، وهشاشة المؤسسات، وحالات الطوارئ الصحية وانعدام الأمن الغذائي”.

وحذرت الوثيقة من أن هذا الوضع “يوفر بيئة خصبة لانتشار الجماعات المسلحة غير المرتبطة بالدولة، بما يشمل المنظمات الإرهابية، كما يمكن منافسين إستراتيجيين من التدخل مما يزعزع الاستقرار”.

وبحسب المجلة الإيطالية، تتضح الصورة التي قدمها التحالف بشأن مخاطر وتهديدات تتربص بمنطقة عادت لتكون مركزية أكثر، كما تسعى أيضا إلى اتخاذ خطوات من أجل خفض التوترات وتعزيز التعاون.

وفي هذا السياق، جاء اقتراح من الأردن في الأيام التي أعقبت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بشأن شكل آخر من أشكال التكامل الإقليمي، عسكري بالأساس.

وكان الملك الأردني عبد الله الثاني قد صرح في مقابلة مع شبكة “سي إن بي سي” الأميركية، في 23 يونيو/حزيران 2022، بأنه سيكون “من أول المؤيدين لتشكيل نسخة شرق أوسطية من الناتو”.

وشدد على ضرورة أن تكون مهمة هذا الحلف العسكري واضحة “لتفادي أي لبس”.

يذكر أن الحديث عن “ناتو عربي” كان قد بدأ منذ عدة سنوات، تحديدا في ديسمبر/كانون الأول 2015، عندما طرح وزير الدفاع السعودي آنذاك، وولي العهد الحالي، ابن سلمان، الفكرة في أول ظهور علني له.

 

قلق وحذر

وبحسب فورميكي، كان ابن سلمان يبحث عن مساحات في المملكة وعلى المستوى الدولي والإقليمي، مشيرة إلى قيادة بلاده لتحالف إسلامي يتكون من 34 دولة لمكافحة “تنظيم الدولة” وإلحاق الهزيمة بمليشيا “الحوثيين” في اليمن.

وبعد سبع سنوات، ألحقت عمليات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة التي تشارك فيها دول الشرق الأوسط بنشاط نسبي هزيمة بالتنظيم، فيما لا يزال الحوثيون في اليمن، تشير المجلة.

وذكرت أن الفكرة طرحت مجددا عام 2017، بعد أن عزز ابن سلمان قبضته على السلطة في الرياض، وأعاد الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترامب، إطلاق الفكرة، بينما كان هناك حديث عن “تحالف إستراتيجي للشرق الأوسط”.

وقالت فورميكي إن “البيت الأبيض، الذي كان في ذلك الوقت على علاقات جيدة مع السعودية على عكس العلاقات الأكثر برودة لإدارة الرئيس الحالي جو بايدن، فكر أيضا في هذا المشروع من منظور شعار أميركا أولا، خصوصا وأنه كان من المرجح أن يسمح تحالف عسكري إقليمي لواشنطن بفك ارتباطها بالمنطقة”.

وأشارت إلى أن “هذه المشاريع ظلت عالقة، لأن الدول التي ستشكل هذا التحالف وجدت صعوبة في تحديد أهداف أمنية مشتركة، ناهيك عن الأعداء المشتركين”.

ولفتت المجلة الإيطالية إلى “وقوع تغييرين مهمين في السنوات الأخيرة بالمنطقة، أولا، قيام إسرائيل بتطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية، وتتجه نحو اتفاقيات مماثلة مع دول أخرى، مما يعني أن الجيش الإسرائيلي سيكون على الأرجح جزءا من أي تحالف جديد”.

ثانيا، بات التهديد الذي تمثله إيران أوضح وأقوى من أي وقت مضى.

في المقابل، لفتت فورميكي إلى أن “دولا مثل قطر وعمان تتمتع بعلاقات جيدة مع طهران، بينما تقيم الكويت علاقات حذرة”.

وتابعت: “في حين تشعر السعودية والإمارات بالقلق من إيران، ولكن بعد سنوات من سياسات المواجهة (التي أدت إلى الصراع بالوكالة في اليمن)، أصبحت الآن أكثر ميلا للتكيف بدلا من المواجهة وقد أجرتا مفاوضات مفتوحة مع الطرف المقابل”.

 

خطوة مهمة

وأردفت المجلة أنه منذ أسابيع كان هناك حديث مستمر عن “بنية أمنية” قيد الإنشاء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ولفتت بالقول إلى أنه “رغم أن ذلك قد يندرج في إطار حملة اتصالية تسبق زيارة بايدن إلى السعودية وإسرائيل، إلا أن واشنطن تفكر في هذا المشروع منذ فترة”.

كما تتشارك إسرائيل والعواصم الخليجية الفكرة لا سيما وأن الأمن يعد عنصرا حاسما، تشير المجلة.

وذكرت في هذا الصدد، الهجوم الذي شنته مليشيا الحوثي بصواريخ من المرجح أن يكون الحرس الثوري الإيراني قد زودهم بها في مارس/آذار 2022، ضد منشآت لشركة “أرامكو” النفطية السعودية في جدة

كما ألمح وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، علنا إلى هذا الشكل من أشكال الدفاع المشترك، متحدثا في 20 يونيو/حزيران 2022 عن “تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط”.

وكانت صحيفة “وول ستريت” الأميركية قد أفادت بأن اجتماعا سريا تحت رعاية الولايات المتحدة، قد انعقد في مارس 2022 بشرم الشيخ المصرية، بين كبار ضباط الجيش الإسرائيلي وبعض الدول العربية؛ لمناقشة كيفية مواجهة التهديد الإيراني المتزايد في المنطقة.

وبحث كذلك التنسيق ضد قدرات إيران المتزايدة سواء الصاروخية أو الطائرات من دون طيار.

وبحسب المعلومات التي نشرتها الصحيفة الأميركية، إضافة إلى أميركيين وإسرائيليين، كان هناك مسؤولون عسكريون من السعودية وقطر والأردن والإمارات ومصر والبحرين.

وقالت “وول ستريت” إنها “المرة الأولى التي يلتقي فيها مسؤولون إسرائيليون وعرب كبار لمناقشة التعاون العسكري ضد تهديد مشترك”.

وعدت المجلة الإيطالية أن ذلك شكل “خطوة مهمة في بناء نظام دفاع أمني مشترك يمكن أن يؤدي إلى مزيد من أشكال التعاون والتكامل على غرار حلف الناتو”.

وبحسب فورميكي، بدأت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في إدراك انسحاب الولايات المتحدة الجزئي من المنطقة، “لا سيما وأن اشنطن كانت المزود الأمني ​​الرئيس لسنوات، وفي هذا لا يمكن استبدالها بقوى أخرى مثل الصين أو روسيا ناهيك عن الهند”.

وشرحت أن “هناك نهجا مختلفا بعد أن أدركت هذه البلدان أنه يمكنها معالجة المشاكل المشتركة معا وتحقيق الاستقرار وتحسين ظروفها المعيشية، لا سيما وأن تداعيات تفشي جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية قد أعطت دفعة إلى الأمام في هذا الاتجاه”.

وأوضحت المجلة أن “هذا التشارك في المصالح، لا سيما بين لاعبين رئيسين مثل إسرائيل والسعودية، يعد أحد الأسباب الرئيسة لعملية التوافق المستمرة، وربما عامل قد يسهم في المستقبل في تحويل ما هو الآن (تعاون فني) إلى (تحالف حقيقي)”.