بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار، قررت إيران تعليق الجولة الرابعة من المحادثات مع المملكة العربية السعودية التي تجرى بوساطة عراقية، وذلك بعد يوم واحد من إعلان الرياض تنفيذ حكم الإعدام بحق 81 معتقلا بينهم 40 شيعيا، على خلفية قضايا متعلقة بالإرهاب.

كان وزير خارجية العراق، فؤاد حسين، أعلن في 12 مارس/آذار 2022، أن بلاده ستستضيف جولة جديدة من محادثات السعودية وإيران في 16 من الشهر ذاته.

وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية تلك التصريحات، التي بينت أنها ستكون رابع جولة تستضيفها بغداد لمسؤولين من البلدين.

وأثارت ردة الفعل الإيرانية تساؤلا عن مدى عودة المحادثات بين طهران والرياض إلى المربع الأول، ولا سيما أن الأزمة بين الجانبين كانت بدايتها على إثر إحراق السفارة السعودية في إيران على خلفية إعدام المملكة رجل الدين الشيعي نمر النمر عام 2016.

 

غضب إيراني

في 13 مارس أفاد موقع “نور نيوز” الإيراني، المقرب من مجلس الأمن القومي في البلاد، بأن الحكومة أوقفت من جانب واحد محادثات كانت تجريها مع السعودية في بغداد منذ عام 2021 بهدف إعادة العلاقات الدبلوماسية.

ولاحقا، أوردت وكالة “إرنا” الإيرانية الرسمية أنه “لم يحدد بعد موعد لعقد جولة المفاوضات (الجديدة) بين إيران والسعودية”.

وأضافت: “لم تعلن طهران بعد موعدا محددا لهذه المفاوضات”، مشيرة الى أن “بعض المصادر الإخبارية أفادت بأن المباحثات بين إيران والسعودية علقت مؤقتا” في وقت سابق.

لكن تعليق إيران للمحادثات مع السعودية قبل ثلاثة أيام من انعقادها، جاء بعد يوم واحد من إعلان الرياض في 12 مارس 2022، تنفيذ الإعدام بحق 81 شخصا من بينهم 40 شيعيا، والذي أثار حفيظة المسؤولين الإيرانيين.

وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 16 مارس 2022 إن “صمت وتخاذل العالم تجاه أحكام الإعدام التي طالت عشرات الأبرياء في السعودية، أمر مخز وغير مقبول”.

ووصف رئيسي، خلال تصريحات باجتماع المجلس الأعلى للشباب، تنفيذ أحكام الإعدام الأخيرة في السعودية بـ”العمل الشنيع”.

وأدان ما وصفه بـ”صمت وتخاذل الدول التي تدعي مراعاة حقوق الإنسان”، معتبرا أن ذلك “مؤشر واضح على نفاق تلك الدول في استغلال مفهوم حقوق الإنسان لخدمة مطامعها”.

وفي ردة فعل على الإعدامات، وجه رجل الدين الإيراني المعروف، آية الله نوري الهمداني في 14 مارس 2022، رسالة تعزية إلى ذوي المعدومين من الشيعة السعوديين.

وقال الهمداني إن “نبأ استشهاد العشرات من المظلومين من قبل نظام آل سعود الإرهابي أثار مشاعر وأسفا شديدة. هذا النظام الذي يتظاهر بأنه الحكومة الإسلامية وخادم الحرمين الشريفين، ولكنه في الحقيقة هو خادم الغطرسة والصهيونية”.

واتهم رجل الدين الإيراني، النظام السعودي بأنه “يدير بالفعل الحروب الدائرة ضد الدول الإسلامية في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، ويتورط في قتل المسلمين بأموال النفط والغاز”.

 

أبعاد عقائدية

وتعليقا على مدى تأثير الخطوة الإيرانية على المحادثات مع السعودية، قال الباحث في الشأن السياسي، عدنان الماجد لـ”الاستقلال” إن “التوقيت الإيراني لتعليق المحادثات مع الرياض، والانتقادات التي وجهها مسؤولون إيرانيون، فيه أبعاد دعائية عقائدية مفضوحة”.

وأوضح الماجد أن “إيران تريد من خلال ما أقدمت عليه إيصال رسالة إلى الشيعة في المنطقة أنها لا تزال هي الحامي للتشيع، لكنها في الوقت نفسه لا يمكن أن توقف المحادثات بشكل نهائي مع السعودية”.

ولفت الباحث إلى أن “إيران عبارة عن أخطبوط في السياسة تحرك أذرعها على أكثر من جبهة، فهي تفاوض الولايات المتحدة والغرب بخصوص ملفها النووي، وكذلك تجري محادثات مع طهران، وتتدخل في شؤون اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وتحاول الخروج بمكاسب من كل ذلك”.

ولفت الباحث إلى أن “إيران لن تفرط في المحادثات مع السعودية، فهي تظهر شيئا في خطاباتها، وتعمل من تحت الطاولة على إبقاء التواصل معها ومع الغرب للخروج من أزمتها السياسية والاقتصادية”.

وأشار إلى أن “إيران، تسعى في الوقت ذاته إلى إبقاء الشحن الطائفي قائما، لذلك نرى أذرعها في المنطقة أيضا تسير على نفس المسار حتى تخيف أتباعها من مصير مجهول في حال تخلوا عنهم”.

وفي السياق ذاته، قال “أبو الولائي” أمين عام مليشيا “كتائب سيد الشهداء العراقي” عبر “تويتر” إن “نظام آل سعود أعدم 81 شخصا مستغلا انشغال العالم بالحرب (بين روسيا وأوكرانيا)”. وأضاف أنه: “أثبت طائفيته بإعدام 40 شيعيا”.

كما قال نصر الشمري المتحدث باسم مليشيا “النجباء” العراقية الموالية لإيران، إن “السعودية تواصل انتهاك حقوق الإنسان من خلال الإعدام وتسعى للتضليل باتهام المعارضين الشيعة بالإرهاب”.

وكذلك، غرّد قيس الخزعلي زعيم مليشيا “عصائب أهل الحق”، قائلا: إن “عائلة آل سعود مصرة على ارتكاب جرائم تخالف أبسط مبادئ الإسلام”. كما قالت مليشيا “كتائب حزب الله” في العراق إن “أتباع أهل البيت يواجهون جرائم في الحجاز يثبت الخطر الوشيك لعصابة آل سعود على الإنسانية”.

وقال بيان “كتائب حزب الله” في 13 مارس 2022 “نحن مندهشون من أن السعوديين الذين ارتكبوا جرائم بحق الشعب العراقي لم يجر إعدامهم، بل إنهم مزدهرون في السجون العراقية”.

وعلق حزب الدعوة الشيعي العراقي، بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، قائلا: إن “السلطات السعودية أقدمت على إعدام أكثر من 81 مسلما منهم 41 من شيعة أهل البيت المظلومين لاعتناقهم آراء ومواقف فكرية وثقافية مخالفة لتوجهات الحكم في هذه البلاد”.

 

صمت سعودي

رغم إعلان إيران تعليق المحادثات، ومهاجمة المسؤولين الإيرانيين عمليات الإعدام التي نفذتها السعودية، لم تصدر الرياض أي تصريح بهذا الخصوص.

وقبل ذلك، وتحديدا في 3 مارس 2022، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمجلة “ذا أتلانتيك” الأميركية، إن الإيرانيين “جيراننا، وسيبقون كذلك إلى الأبد، ليس بإمكاننا التخلص منهم، وليس بإمكانهم التخلص منا، لذا فإنه من الأفضل أن نحل الأمور، وأن نبحث عن سُبل لنتمكن من التعايش”.

وأضاف: “أجرينا خلال أربعة أشهر مناقشات، وسمعنا العديد من التصريحات من القادة الإيرانيين، التي كانت محل ترحيب لدينا في المملكة (…) وسنستمر في تفاصيل هذه المناقشات، وآمل أن نصل إلى موقف يكون جيدا لكلا البلدين، ويشكل مستقبلا مشرقا للسعودية وإيران”.

ورحبت إيران على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، بالتصريحات الأخيرة لولي العهد السعودي بشأن علاقات الجوار بين الخصمين الإقليميين، معتبرا أنها تظهر “رغبة” الرياض باستئناف علاقاتها الدبلوماسية مع طهران.

وقال عبد اللهيان إن “ما صرح به مسؤول سعودي رفيع مؤخرا، يدل على رغبة هؤلاء في بناء علاقات ثنائية مع إيران، ونحن نرحّب بذلك”، وفق ما نشرت وكالة الأنباء الرسمية “إرنا” في 5 مارس 2022.

وبدأ البلدان في العام 2021، بالتحاور في بغداد؛ بهدف تحسين العلاقات. وعقدت ثلاث جلسات بين أبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول، مع تأكيد طهران أن جولة رابعة ستكون رهن “جدية” الرياض.

وأكد أمير عبد اللهيان أن هذه المباحثات “وفّرت جوا جيدا، وحققت نتائج، وإن كانت صغيرة، ويسرّنا أن السعودية اتخذت مسار الحوار”. وتابع: “لدينا آراء ومقاربات مختلفة حول بعض القضايا في المنطقة، إلا أن إدارة الخلافات بين الطرفين قد تخدم مصالح البلدين”.

في 27 سبتمبر 2021 كشفت وكالة “أسوشييتد برس” الأميركية عن جولة محادثات ثالثة عقدت في العاصمة العراقية بغداد بين طهران والرياض، في أول اجتماع من نوعه منذ أداء الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، اليمين الدستورية.

ونقلت الوكالة عن مسؤول عراقي لم تسمه أن “الاجتماع الذي عقد (نهاية ذات الشهر) بحث المسائل العالقة بين البلدين وفقا لخارطة طريق اتفق عليها سابقا بما في ذلك التمثيل الدبلوماسي”، واصفا المحادثات بأنها “إيجابية”.