تقرير خاص
أحدث مجيء الأمير المغمور “محمد بن سلمان” في يونيه 2017، كولي للعهد بالسعودية، الكثير من التغيرات الجيوسياسية في مجال العلاقات السعودية مع القوى الفاعلة في المنطقة، ما أخل بكثير من موازين القوة بالمنطقة، والتي كانت بالطبع ضد المملكة ومصالحها، وذلك للتخبط الذي يكتنف سياسات “ابن سلمان”، وإخفاقه في كثير من القضايا التي تبناها، وأفعاله الغريبة التي أثارت غضب العالم أجمع على سياسيات ولي العهد الذي كان منوط به إحداث تغيير جذري في المملكة.
وكان من ضمن تلك العلاقات التي تأثرت؛ علاقة المملكة بحركة المقاومة الإسلامية بفلسطين “حماس”، والتي تعد الذراع الأقوى للمقاومة المسلحة في قطاع غزة والضفة الغربية كذلك، والفاعل الأوحد في قطاع غزة، بعد سيطرتها عليه في صيف 2007.
– خلفية للعلاقات السعودية – الحمساوية:
لاشك أن المملكة منذ بدء النكبة الفلسطينية في 1948 كانت حاضنة للفلسطينيين؛ وتحديدًا أفراد جماعة الإخوان المسلمون الفلسطينيون، والتي سمحت لهم بالعمل تنظيميًا داخل المملكة، أضف لذلك الحرب التي شنها الرئيس المصري الراحل “جمال عبد الناصر” على جماعة الإخوان في مصر عقب أحداث 54 و64، جعلت المملكة ملاذًا لكثير من الإخوان المصريين، مما دعم قوة الإخوان تنظيميًا داخل المملكة.
حتى جاءت لحظة ميلاد حركة “حماس” عام 1987، حيث بلغت العلاقات بين الطرفين ذروتها واتجهت نحو “الرسمية”، حين التقى مدير المخابرات السعودية آنذاك، بالقيادي موسى أبو مرزوق عام 1988، وافتتحت الحركة مكتبًا لها (غير مُعلن) في الرياض؛ بحسب وكالة “الأناضول”.
وفي عام 2007، وعقب تنفيذ الحركة الحسم العسكري في غزة عقب توقيع اتفاق مكة، اتهمت السعودية الحركة بالانقلاب على الاتفاق وإفشاله، واعتبرت أنها وجهت لها صفعة، فعمدت إلى تجاهل الحركة وتخفيف علاقاتها معها إلى أقل مستوى.
ولكن الحركة استدركت ذلك الموقف مع الرياض، حيث قام وفد من الحركة برئاسة “خالد مشعل” عقب وفاة الملك “عبدالله بن عبدالعزيز” بزيارة المملكة وأداء مناسك العمرة في يوليو 2015، وقدم خلالها تهاني العيد لملك السعودية الجديد سلمان عبد العزيز، غير أن الزيارة لم تكتسب زخمًا سياسيًا، وتلا ذلك تصريحات وزير الخارجية حينها “عادل الجبير” التي أعلن فيها أن الزيارة كانت ذات طابع ديني ولم يتخللها أي لقاءات رسمية، وفقًا لـ”الجزيرة.نت”.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن السلطات السعودية اعتقلت قبل زيارة “مشعل” مسؤول الحركة في الخارج “ماهر صلاح”، وكان مما أسفرت عنه زيارة “مشعل” ولقاؤه مع مسؤولين أمنيين الإفراج عن “صلاح”.
– واقع العلاقات ومستقبلها:
جاء “ابن سلمان” لولاية العهد محملاً بكره واسع للربيع العربي وموجاته التي ضربت المنطقة، بالتوازي مع كره شديد لحركات الإسلام السياسي وتوسعها في المنطقة؛ والتي من ضمنها بالطبع حركة “حماس”.
وقبل ولايته للعهد بشهر واحد في مايو/أيار 2017، عقدت القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض، ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب حركة حماس بـ”الإرهابية”.!
وعقب ولايته للعهد؛ في 22 فبراير 2018، تأكد ذلك في تصريحات لوزير الخارجية السعودي انذاك “عادل الجبير” أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي في بروكسل، وصف فيها حركة حماس بأنها “إرهابية”، وهو ما اعتبر سابقة خطيرة في تاريخ العلاقة بين الجانبين، وإعلان رسمي من السعودية بوقف العلاقات مع “حماس”.
حتى خرج بيان للحركة في سبتمبر الماضي، عنونته بالآية الكريمة “لا يحبّ الله الجهر بالسوء من القول إلّا من ظُلم”! ليتحدث عن فصل مظلم جديد في العلاقة مع السعودية.
– اعتقالات ومحاولات فاشلة لرأب الصدع:
أكدت الحركة في بيانها قيام جهاز مباحث أمن الدولة السعودي باعتقال الدكتور “محمد صالح الخضري” (81 عامًا) وابنه، وقالت إنه كان مسؤولاً عن إدارة العلاقة مع المملكة على مدى عقدين من الزمان، كما تقلّد مواقع قيادية عليا في الحركة.
كما ذكرت الحركة اعتقال السعودية لأكثر من 60 فلسطينيًا وأردنيًا وسعوديًا بتهمة التعاطف مع “حماس” وجمع التبرعات للحركة، كما تضمنت الحملة السعودية تجميد أصول بعض المعتقلين والإشراف على المعاملات المالية، مشيرة إلى أنها التزمت الصمت على مدى خمسة شهور ونيّف لإفساح المجال أمام الاتصالات الدبلوماسية ومساعي الوسطاء، لكنها لم تسفر عن أي نتائج حتى الآن.
وأضاف البيان أن الحركة تجد نفسها “مضطرّة للإعلان عن ذلك، مطالبة السلطات السعودية بإطلاق سراح الأخ الخضري ونجله، والمعتقلين الفلسطينيين كافة”.
وفي تعليقه على ذلك، قال رئيس الدائرة الإعلامية لحركة حماس في الخارج رأفت مُرّة إن حركته حريصة على أفضل العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، وهي تعطي السعودية مكانة خاصة، لذلك عملت على تجنب أي توتر في العلاقة ومعالجة الإشكاليات بشكل هادئ.
وأضاف مرة في تصريحات لـ”الجزيرة.نت” أن الحركة بذلت جهودًا سياسية ودبلوماسية متواصلة من أجل تطويق قضية اعتقال الدكتور الخضري والاعتقالات الأخرى، وأنها أدخلت جهات إقليمية ودولية وازنة على خط الوساطة ومن أجل المعالجة الهادئة، لكن لم يكن هناك تجاوب مقابل ذلك، وبقيت الجهات السعودية تعتقل الخضري ونجله وعددا من الفلسطينيين.
كما كشفت صحيفة “المونيتور” مؤخرًا عن فشل المصالحة الهادفة لإعادة إنعاش العلاقة بين السعودية و”حماس”، حيث وضع ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” شرطًا قبل المصالحة مع “حماس”؛ يتمثل بإلزام الحركة بحل خلافاتها مع الولايات المتحدة، وهذا يعني أن على “حماس” أن تعترف بـ(إسرائيل) وبحقها في الوجود، وهو ما ترفضه “حماس”.
كما أتت زيارة “هنية” التاريخية والمثيرة للجدل إلى حد كبير في السادس من يناير/كانون الثاني إلى طهران لحضور جنازة قائد فيلق القدس الإيراني اللواء “قاسم سليماني”، الذي اغتيل في 3 يناير/كانون الثاني بضربة أمريكية في بغداد.
حيث دفعت زيارة “هنية” صحيفة “عكاظ” السعودية إلى القول إن “حماس” أصبحت تابعة أو رهينة لإيران.
من ناحية أخرى، قالت وكالة أنباء “فارس” الإيرانية في مقال رأي في 12 يناير/كانون الثاني إن الزيارة تهدف إلى إرسال رسالة إلى السعودية تفيد بأن المقاومة الفلسطينية قوية ومدعومة من إيران.
وفي النهاية؛ في ظل التوتر والاستقطاب الحادث بالمنطقة، وحالة التشتت والتخبط التي تعيشها السياسة السعودية بالمنطقة، الناتجة عن عدم وجود بوصلة سياسية واضحة للقيادة السعودية الحالية، فسوف تظل القطيعة هي السائدة بين الطرفين، إلى أن يتغير المشهد وتظهر معطيات أخرى قد تساهم في حلحلة الموقف بين السعودية و”حماس”.