خاص: منذ موقف الحكومة التركية من قضية مقتل الصحفي السعودي المغدور به، جمال خاشقجي، على أرضها، ومحاولتها الدائمة لكشف الحقيقة، اتخذ ولي العهد السعودي موقفا مغايرا وضد تركيا في كثير من مواقفه، في مؤشر خطير على مراهقة وعدم نضج سياسي يسيطر على الحالة السعودية.
ففي عالم السياسة هناك ضابط واحد للعلاقات بين الدول، وهو المصلحة الخاصة بكل دولة على حدة، فمثلاً النظام المصري رغم عدائه مع الحكومة التركية، لمواقفها المناهضة للانقلاب العسكري الذي تم ضد أول رئيس مصري مدني منتخب الدكتور “محمد مرسي”، إلا أن النظام المصري يحافظ على شعرة معاوية مع تركيا، وذلك للحفاظ على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، والاستثمارات التركية المتدفقة إلى السوق المصري، وحاجة النظام المصري إليها مهما بلغ الأمر في العلاقات السياسية من حدّة.
أما في السعودية، فالوضع مختلف، فالسياسة الخارجية تحدد وفقًا لهوى ولي العهد “محمد بن سلمان”، فإذا غضب على تركيا فلتذهب الاستثمارات التركية، والخبرة التركية، إلى الجحيم، المهم هو ما يريده “ابن سلمان”، في موقف سياسي غبي بكل المقاييس.
من السر إلى العلن:
كانت طبيعة الصراع بين “ابن سلمان”، والحكومة التركية منذ قضية “خاشقجي”، طبيعة مكتومة غير معلنة للرأي العام، وإن كان كل لبيب بالإشارة يفهم، أن هناك علاقة متوترة بين الطرفين، ولكن كانت محصورة في نطاق ضيق بين أهل السياسة.
فتركيا لا تريد قطع الحبال بينها وبين السعودية، راعية الإسلام الرسمي في العالم كما يشاع، وكذلك السوق السعودي لن يستطيع الاستغناء عن البضائع التركية، ولا كذلك الصناعات السعودية تستطيع الاستغناء عن الخبرة والتقنية التركية.
وقد ظهر ذلك في محاولات تركيا للضغط بشكل مباشر على “ابن سلمان” للوصول لحل عادل ومرضي في قضية “خاشقجي”، وهو ما قوبل بتعنت واضح من “ابن سلمان”، ما استدعى من تركيا رفع نبرة ضغطها وتهديدها، وهو ما جعل “ابن سلمان” يخرج الصراع من تحت الطاولة إلى فوقها.
أوامر للمستثمرين بسحب أموالهم:
كشف حساب “مجتهد” الشهير عبر “تويتر”، أن وزارة التجارة السعودية أجبرت المستثمرين على تصفية أعمالهم في تركيا، وإعادة أموالهم إلى المملكة.
وأشار الحساب الشهير، إلى أن سلطات المملكة مارست الضغط على المستثمرين في تركيا عبر منعهم من السفر إذا كانوا داخل المملكة.
وأضاف أن المتلكئين في تنفيذ “أمر” وزارة التجارة اقتادته السلطات إلى السجن، أما المحظوظون من المقيمين خارج السعودية فصودرت أملاكهم في الداخل، وبعضهم حاول التخلص منها قبل المصادرة، وباعها بسعر بخس.
وكانت صحيفة “جمهورييت” التركية المعارضة، قد نشرت الأحد الماضي، تقريرا حول إجبار وزارة التجارة السعودية التجار على وقف الاستيراد من تركيا عبر توقيع تعهدات مكتوبة.
وأوضحت الصحيفة أن التعهدات التي وقعها التجار المستوردون من تركيا، في الأسابيع الأخيرة، تضمنت عدم الاستيراد مجددًا من السوق التركي، بعد استدعائهم للتحقيق.
تحذير جديد رسمي من الاستثمار في تركيا:
كان لرئيس غرفة تجارة وصناعة المنطقة الشرقية في السعودية “عبدالحكيم الخالدي”، تصريح حذر فيه مما قال إنها مخاطر الاستثمار في تركيا.
ويعد تصريح “الخالدي” أحدث تصريح سعودي يحذر من الاستثمار في تركيا، التي أصبحت في السنوات الماضية وجهة مزدهرة للمستثمرين من المملكة؛ حيث زادت تحذيرات الرياض بشكل لافت منذ العام الماضي في ظل خلافات سياسية بين البلدين.
وحذر المسؤول السعودي من تلك “المخاطر” المزعومة بسبب ما قال إنها “السياسات السياسية والاقتصادية المتبعة هناك؛ حيث تفاقمت الأزمة الاقتصادية التي صاحبها ارتفاع في نسبة الديون والبطالة ما أثر على الاستثمارات الأجنبية في تركيا ليجعلها بيئة طاردة للاستثمار”.
واعتبر “الخالدي”، على هامش مؤتمر محلي للاستثمار، أنه “نتيجةً لوعي وتلبية رجال الأعمال للدعوات السابقة لرؤساء الغرف السعودية لمقاطعة الاستثمار في تركيا، فقد تجنبوا الكثير من المخاطر التي كانت ستواجههم إذا ما استمروا في الاستثمار هناك”.
كما لفت إلى “انخفاض العملة التركية بأكثر من 45% منذ بداية التحذيرات للاستثمار في تركيا، فأصبحت من أسوأ العملات أداءً في العالم مقابل الدولار”.
وزعم “الخالدي” أن “خسائر الليرة التركية كبدت الاقتصاد خسائر فادحة؛ ما أدى إلى اهتزاز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في الاقتصاد التركي”.
منع استيراد المنتجات من تركيا:
لم يفصح “الخالدي” عن نية المملكة حظر الاستيراد من تركيا، رغم تداول تقارير إعلامية حول نية المملكة حظر استيراد المنتجات التركية بدءًا من الشهر المقبل.
وهذا القرار إن تم، فلن يضر سوى المستهلك السعودي، الذي لم يجد بديلا للمنتجات التركية في نفس مستواها وبنفس أسعارها، فالبديل إما دون المستوى، أو باهظ الثمن.
وتحتل السعودية المرتبة الـ13 ضمن أكثر الدول المستوردة من تركيا، حيث يبلغ حجم الصادرات التركية إلى السعودية 3.3 مليارات دولار؛ في حين يبلغ حجم الواردات 3 مليارات دولار.
ويتصدر الأثاث قائمة الصادرات التركية، كما تلبي الفنادق جميع احتياجاتها من تركيا. وتأتي الخضروات والفاكهة والسلع الغذائية والرطب والمنسوجات ضمن أهم الصادرات.
وقد بدأ الترويج لهذا الحظر من خلال تدشين موالين للديوان الملكي السعودي وسمًا عبر “تويتر”، يدعون من خلاله إلى مقاطعة المنتجات التركية على خلفية الصراعات السياسية بين أنقرة والرياض.
وتحت عنوان (#حظر_المنتجات_التركيه) شملت مطالبات المقاطعة حظر عرض المسلسلات التركية على قنوات الدراما السعودية، وقطع السياحة إلى تركيا.
وشارك بالوسم آلاف التغريدات، دار أغلبها بين مؤيد لفكرة المقاطعة وفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة، ومعارض لها باعتبار أن جودة المنتجات التركية تعني أن ضرر المقاطعة لا يصيب إلا المقاطعين.
بل وكشفت تسريبات نقلت عن تجار سعوديين التقوا مع مسؤول في وزارة التجارة والاستثمار السعودية لبحث البدائل عن البضائع التركية، في الأيام القليلة الماضية، وأكدوا أن المسؤول السعودي أبلغهم بأن البضائع القادمة من الكيان الصهيوني ستكون البديلة عن التركية، وسيتم استيرادها من الإمارات التي وقعت اتفاق تطبيع سياسي واقتصادي مع الكيان خلال سبتمبر/ أيلول الحالي!
وفي النهاية يبقى السؤال، من سيدفع تكلفة انفصال السعودية عن تركيا، سوى الشعب السعودي، الذي يعاني الأمرين من سياسة “ابن سلمان” غير المستقرة، والتي تسببت في مشاكل مع معظم الدول المحيطة بالمملكة. فهل سيكون هناك وقفة أمام تلك السياسات المتخبطة من الفتى المدلل؟! أم يكمل “ابن سلمان” رعونته السياسية ويقضي على ما تبقى من أمل في إحياء دور السعودية الريادي خارجيًا؟!