خاص: أن يكون لك حقوق في تنظيم وترتيب الأمور داخل المشاعر المقدسة فهذا من حقك باعتبارك دولة تقع فيها تلك المشاعر المقدسة، ولكن أن تحول تلك المشاعر المقدسة إما إلى فخ لتصطاد به معارضين لك أو لحلفائك، أو أن تحولها لأداة سياسية تبتز بها كل من بينك وبينه خصومة سياسية، فهذا يخالف كل الأعراف الدينية والمواثيق والعهود الدولية التي تحض على حرية العبادة.

وهذا ما يفعله النظام السعودي، حيث يستغل الحرمين الشريفين اللذان هما قبلة كل مسلم وحلم له أن يطوف بهما، في تنفيذ مخططاته السياسية، وللضغط على العديد من الدول الإسلامية لتنفيذ ما يريده، ومن خلال هذا التقرير سنعرض بعض من استغلال النظام السعودي لتلك الشعيرة المقدسة في الأمور السياسية.

 

– الحج والضغط السياسي:

كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن قيام السعودية باستخدام “الحوافز والتهديدات” كجزء من حملة ضغط لإغلاق تحقيق أممي في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع اليمني، وفقًا لمصادر مطلعة على الأمر.

وأشارت الصحيفة إلى أن من ضمن تلك الضغوط، ضغوط سعودية مورست على إندونيسيا أثناء عرض التقرير على الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمنعها من التصويت لصالح التحقيق الأممي الذي يدين المملكة.

وأوضحت الصحيفة أن السعودية حذرت إندونيسيا – أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان في العالم – من أنها ستخلق عقبات أمام سفر الإندونيسيين إلى الحج إذا لم يصوت المسؤولون ضد التحقيق.

وفي حالة أخرى، أعلنت دولة توغو الأفريقية وقت التصويت أنها ستفتح سفارة جديدة في الرياض، وتتلقى دعمًا ماليًا من المملكة لدعم أنشطة مكافحة الإرهاب.

وفي حديثهم إلى صحيفة الغارديان، وصف مسؤولون سياسيون ومصادر دبلوماسية وناشطة لديها معرفة داخلية بدفعة الضغط حملة خفية يبدو أن السعوديين قد أثروا فيها على المسؤولين من أجل ضمان هزيمة الإجراء.

يذكر أن الجهود السعودية نجحت في نهاية المطاف عندما صوت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أكتوبر ضد تمديد التحقيق المستقل في جرائم الحرب. وكان التصويت بمثابة الهزيمة الأولى لقرار في جنيف منذ 15 عاما.

وامتنعت كل من إندونيسيا وتوغو عن التصويت على قرار اليمن في عام 2020. هذا العام، فيما صوت كلاهما ضد هذا الإجراء.

 

– الحج وأزمة قطر:

مع بدء تصاعد الأزمة بين السعودية وحلفاءها من ناحية، وقطر من الناحية الأخرى، بدأ النظام السعودي في استخدام ورقة الحج كورقة ضغط سياسية، حيث منعت السلطات السعودية دخول أي قطري من قطر للحج في أول عام من الأزمة، وسط تأكيد من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر أن السعودية لم تقم بأي إجراء ملموس للقضاء على العراقيل التي تعترض سفر الحجاج القطريين، الذين أقرت الرياض بعدم وصول أي منهم في موسم الحج السابق في ظل استمرار الحصار على بلادهم.

وجاء تأكيد الأوقاف القطرية في أغسطس الماضي، بعد ساعات من اعتراف السلطات السعودية بعدم وصول أي حاج قطري إلى مكة المكرمة، على الرغم من وصول أكثر من نصف مليون حاجٍّ من جميع أنحاء العالم حينها، بحسب المديرية العامة للجوازات بالمملكة.

وكانت السعودية أعلنت أن بإمكان الحجاج القطريين القدوم عن طريق أي شركة طيران عدا الخطوط الجوية القطرية.

ومر موسمان للحج يقترب ثالثهما، في ظل الأزمة الخليجية التي اندلعت بعدما قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، في 5 يونيو 2017، ثم فرضت تلك الدول على قطر حصاراً برياً وجوياً وبحرياً بدعوى “دعمها للإرهاب”، وهو ما تنفيه الدوحة، وتتهم الرباعي بالسعي إلى “فرض الوصاية على قرارها الوطني”.

 

– الحج وإرضاء الكيان الصهيوني

منذ عام 1978، تسير قوافل الحج والعمرة لفلسطينيي الداخل المحتل عام 1948، نحو الديار الحجازية بتوصية أردنية بمنحهم جواز سفر مؤقتاً، لأداء المناسك دون أي عقبات أو عراقيل.

وجرت العادة المعمول بها أكثر من 40 عاماً، بناءً على اتفاق رسمي عُقد في حينه بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي، والعاهل الأردني الراحل حسين بن طلال.

لكن الرياض ضربت بالاتفاقية عرض الحائط، حين قررت رسمياً، منع أي فلسطيني من حمَلة “الجوازات المؤقتة” من دخول أراضيها، وهذا ما ينطبق على فلسطينيي 48 وحمَلة الوثيقة، ما يعني حرمانهم من أداء الشعائر بدءاً من 2019.

خطوة الرياض المفاجئة، التي أشعلت موجة غضب فلسطينية، أثارت الشكوك والتساؤلات حول توقيتها والهدف منها، خاصة في ظل التقارب بين السعودية و”إسرائيل”، وكذلك تأثيرها المباشر على فلسطينيي الداخل.

وينص الاتفاق الموقَّع بين “إسرائيل” والأردن في 1987، على السماح لفلسطينيي الداخل بأداء فريضة الحج والعمرة باستخدام جواز أردني مؤقت، وبموافقة رسمية من المملكة العربية السعودية.

من جانبه، قال الشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني: إن “السعودية باتت تلهث بكل قوة خلف التطبيع، وتطوير العلاقات مع إسرائيل حتى لو كان ذلك على حساب القضية الفلسطينية”.

ويؤكد أن كل خطوات الرياض ضد القضية خلال السنوات الأخيرة، من تبنٍّ مطلق لـ”صفقة القرن”، ومعاداة الفلسطينيين والتنكر لحقوقهم، ومنعهم من دخول أراضيها لأداء الحج والعمرة، يؤكد أنها أعلنت الحرب على فلسطين.

“الرياض تريد أن تثبت بهذه الخطوات الخطيرة والمرفوضة، لإسرائيل والإدارة الأمريكية، أنها المسيطر والمنفّذ في المنطقة العربية، وأنها يمكن أن تضغط في كل جانب لأجل القبول بصفقة القرن، والتطبيع العلني”، يضيف “الخطيب”.

ويوضح أن السعودية تريد “تركيع الفلسطينيين خدمة لمصالحها الخاصة في التودد والتقرب من إسرائيل، وإجبارهم على تقبُّل المرحلة المقبلة، التي سيكون عنوانها التطبيع العلني”.

 

– الحج والإيغوريين:

نشر موقع “ميدل إيست آي” تقريرا للكاتب أريب الله، حول معاناة المسلمين من إثنية الإيغور في الصين، بخصوص القيام بفريضة الحج، يقول فيه إن عائشة أدت فريضة الحج عندما كان عمرها 16 عاما، وجاءت من الصين إلى مكة لتحج هي ووالدها.

وينقل التقرير، عن عائشة، التي تنتمي لأقلية الإيغور في إقليم شينجيانغ في الصين، التي أدت فريضة الحج العام الماضي، قولها: “لا أستطيع وصف سعادتي عندما رأيت الكعبة لأول مرة”، وأضافت: “لقد صليت طيلة عمري باتجاهها لكن رؤيتها لم تكن كأي صورة رأيتها على التلفاز.. فقط بدأت أبكي”.

ويستدرك الكاتب بأن عائشة قامت بالأمر بطريقة مختلفة نوعا ما، فبدلا من أن تنتظر ليصبح عمرها 60 عاما حتى تسمح لها السلطات الصينية بالذهاب إلى الحج، فإنها ذهبت إلى السعودية، حيث كان أبوها يعمل، على تأشيرة عمل قبل الحج بأربعة أشهر.

ويشير الموقع إلى أنه كان هناك ثمن لما فعلته، فبعد عودتهما إلى الصين للإجازة، تقول عائشة: “جاءت السلطات الصينية إلى بيتنا في أورومتشي تسأل عن مكاني، وقامت بأخذ جواز والدي، وألغت الإذن له بالعودة إلى السعودية”، أما عائشة، التي لم تكن في القرية عندما تم التحقيق مع والدها، فغادرت الصين، وتقول: “قال لي أبي أن أعود إلى السعودية.. فعدت إلى السعودية ثم ذهبت بعدها إلى تركيا .. ولم أر عائلتي منذ ذلك الحين”.

ويلفت التقرير إلى أن عائشة ليست وحدها في هذا الوضع، فهي مثل آلاف الإيغور المسلمين الذين يعيشون في إقليم شينجيانغ، فالقيود التي تفرضها بكين على الذهاب للحج -بما في ذلك ألا يقل عمر الحاج عن 60 عاما- أدت إلى سعي الكثير منهم للبحث عن سبل مختلفة لأداء فريضة الحج، مشيرا إلى أن حوالي 100 من المسلمين الإيغور علقوا العام الماضي في اسطنبول؛ بسبب محاولتهم الذهاب إلى الحج على جوازات سفر قرغيزية مزورة، فيما يعتقد أن الكثير منهم اختفوا في تركيا، في الوقت الذي تم فيه تسفير آخرين إلى الصين.

وينوه أريب الله إلى أن حوالي 10 ملايين إيغوري مسلم يعيشون في إقليم حكم ذاتي ذي أغلبية مسلمة، يطلق عليه رسميا إسم إقليم شينجيانغ، ويطلق عليه محليا اسم تركستان الشرقية، مستدركا بأنه بالرغم من تشكيلهم للأكثرية في الإقليم، إلا أنهم يواجهون قيودا قاسية حدت من إمكانيتهم للسفر، ولممارسة شعائرهم الدينية.

ويقول الموقع إن “الحج باعتباره أحد الأركان الخمسة للإسلام فإنه يفرض على المسلم أن يحج مرة على الأقل في حياته، والصين، مثل الدول كلها، تمنح عددا يسمح له بالحج منها كل عام، إلا أن العقبة الرئيسية للإيغور هي الحصول على جواز سفر، وقد طلبت الصين العام الماضي من سكان شينجيانغ كلهم تسليم جوازات سفرهم، ويقول الناشطون بأن الجوازات لم تتم إعادتها للإيغور”.

ويفيد التقرير بأنه تم تبرير هذه الخطوة من بكين بأنها طريقة للحفاظ على “الاستقرار الاجتماعي”، بعد أحداث شغب في السنوات الأخيرة، وبعد حملة الدولة على ممارسة الشعائر الدينية، مشيرا إلى أنه بحسب منظمة “هيومان رايتس ووتش”، فإن الصين أمرت بمصادرة جوازات سفر من المسلمين التبتيين والهويزو والإيغور؛ خوفا من أن “دراسة الشريعة في الخارج.. قد تشكل غطاء محتملا لأنشطة سياسية تخريبية”.