خاص: اندلع خلاف علني نادر الحدوث بين السعودية والإمارات، عقب فشل الطرفين في الاتفاق حول تمديد اتفاق خفض الإنتاج من النفط. وخرج وزيرا الطاقة في البلدين، كل على حدة، إلى وسائل الإعلام لشرح موقف كل من العاصمتين بعد فشل محادثات كانت تهدف إلى تجاوز الخلاف بين الدول المصدرة للنفط “أوبك بلس”.
فالأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، من جانبه، دعا إلى “شيء من التنازل وشيء من العقلانية” للتوصل إلى اتفاق وإحراز تقدم بشأنه وقال “لا يمكن لأي دولة اتخاذ مستوى إنتاجها النفطي في شهر كمرجعية”.
بالمقابل أدلى وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي، سهيل المزروعي، بتصريحات اعتبر فيها أنّ “مطلب الإمارات هو العدالة فقط بالاتفاقية الجديدة ما بعد أبريل/نيسان، “وهذا حقنا السيادي أن نطلب المعاملة بالمثل مع باقي الدول”، حسب قوله.
لتعلن السعودية في يوم الاثنين 5 تموز/يوليو الجاري تعديل قواعد الاستيراد من الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، لتستبعد السلع المنتجة بالمناطق الحرة أو التي تستخدم مكونات صهيونية، من الامتيازات الجمركية التفضيلية. وحسب مراقبين، فإن هذه الخطوة تمثل تحديا آخر للإمارات كمركز للتجارة والأعمال في المنطقة، والتي تقيم علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني.
ترسبات قديمة:
لم يكن عدم التوصل لاتفاق في أوبك+ هو السبب في الخلاف الذي ظهر للعلن مؤخرًا، ولكنه القشة التي قصمت ظهر البعير، فالخلاف السعودي – الإماراتي طفا إلى السطح بسبب عدة خلافات أخرى مهمة برزت بين الطرفين في ملفات سياسية واقتصادية أخرى خلال السنوات القليلة الماضية:
1- أسباب سياسية:
فموقف الإمارات من حرب اليمن، ودعمها العلني للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي لا يخفي نواياه الانفصالية، وكذلك مهاجمتها الحكومة الشرعية عدة مرات، متهمة بأنها مخترقة من قبل حزب الإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، وأيضًا انقلاب المجلس الانتقالي على اتفاق الرياض عدة مرات خلال الشهور السابقة، علما أن قيادة المجلس تقيم في أبو ظبي، ولا تنفي تبعيتها السياسية لها.
أضف لذلك أن السعودية هي صاحبة الثقل العسكري في اليمن، وأكثر من قدم قتلى من جنودها، إلا أن الإمارات هي من تسيطر حاليا على منافذ استراتيجية تمر منها حركة التجارة العالمية، بينها ميناء عدن.
كل تلك الأسباب جعلت هناك غصة في حلوق السعوديين من الإمارات وما تفعله في اليمن، والنظر لمصلحتها فقط دون باقي مصالح التحالف العربي، ما زاد من توتر العلاقات بين “ابن سلمان” و”ابن زايد”.
أضف لذلك المصالحة الخليجية التي دفعت السعودية وراءها وسط رفض إماراتي لها وعدم تجاوب مع الدعوات السعودية، وهو ما أكده المعارض السعودي سعد الفقيه؛ أن الإمارات كانت تضغط على السعودية لمنع المصالحة مع قطر، وهو ما جرى بالفعل في الفترة بين 2018-2020 مع فشل الوساطات الكويتية.
ولكن خسارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب دفعته إلى إجبار دول الحصار على المصالحة كتسجيل انتصار سياسي أخير له قبل مغادرته البيت الأبيض، بحسب الفقيه.
2- أسباب اقتصادية:
ففي شباط/ فبراير الماضي، أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان، أنه اعتبارا من 2024، ستتوقف الحكومة عن منح عقود حكومية لأي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي بمنطقة الشرق الأوسط في أي دولة أخرى غير المملكة.
من ناحيتها، الإمارات رفضت هذا القرار بشدة، ولكن دون إصدار بيان رسمي، إذ انتقد القرار السعودي اقتصاديون إماراتيون، بالإضافة إلى خبراء في السياسة مثل عبد الخالق عبدالله، ومسؤولين أمنيين في مقدمتهم ضاحي خلفان.
قال عبد الله؛ إن “الشركات والمصارف العابرة للقارات التي تتخذ دبي مقرا منذ 30 سنة لتدير عملياتها وفروعها في 50 دولة من الهند إلى المغرب ومن تركيا إلى نيجيريا، اختارت دبي دون غيرها بسبب نوعية الحياة والميزات التنافسية وبيئة تشريعية واجتماعية وبنية تحتية فريدة ولن تتركها، رغم ذلك مليون أهلا بالمنافسة”.
3- حرب إعلامية:
يروج الإعلام الإماراتي بأن دولة الإمارات صارت الأكثر نفوذًا عربيًا، وأن الإمارات أصبح لها مكانة إقليمية كبرى، وأنها باتت طرفًا في معادلة عدة دول عربية، مثل ليبيا، وتونس، والسودان، ومصر، وغيرها.
ومثال على ذلك، تغريد الأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، بأن الرمز “971” (مفتاح الإمارات)، هو الأقوى في اتخاذ القرار بالمنطقة، وهو ما أثار سخطًا سعوديًا واسعًا.
بل سعت الإمارات للسيطرة على العديد من الوجوه الإعلامية السعودية، ففي أيار/ مايو 2019، ظهر الكاتب السعودي منصور النقيدان، على شاشة “روتانا خليجية” السعودية، متحدثا عن تجربته في الانتقال من الفكر الجهادي إلى الليبرالي، انتهاء بترأسه مركز “المسبار” الإماراتي لدراسات التوجهات الإسلامية.
سأل المحاور عبد الله المديفر ضيفه النقيدان عمّا إذا كان حصل على الجنسية الإماراتية حقا، وهو ما يعني تخليه بموجب القانون عن مواطنته السعودية، ليجيب الأخير: “نعم، أنا فخور فيها (الجنسية الإماراتية)، أنا شفت الخير هنا، بعيش هنا وبموت هنا”.
ووجه المديفر سؤالا للنقيدان عن موقفه في حال نشوب خلاف بين البلدين، ليجيب الأخير: “هذا سؤال ضرب من الخرافة ولا معنى له”.