خاص: أثارت أنباء عرض نجل الداعية السعودي المختفي قسريًا منذ 2016، سليمان الدويش، “عبد الرحمن” على محاكمة سرية، مخاوف حول القضاء السعودي ومدى تطويع السلطات التنفيذية في المملكة، ممثلة في الديوان الملكي، له كأداة ضد معتقلي الرأي بالمملكة، من خلال عقد محاكمات سرية تفتقد لأدنى مقومات العدالة المنصوص عليها في المواثيق والعهود الدولية والحقوقية.
وسبق أن عقدت السلطات السعودية جلسات سرية للعديد من معتقلي الرأي ضمن حملة الاعتقالات الكبيرة التي شنّها جهاز أمن الدولة خلال الأعوام القليلة الماضية منذ أن وصل “ابن سلمان” إلى ولاية العهد.
صفحة سوداء في التاريخ العالمي والعربي:
وتعتبر المحاكم السرية محاكم غير مفتوحة للجمهور، ولا يوجد لها تغطية إعلامية أو محامي دفاع أو شهود في كثير من الأحيان، وتركّز فقط على لوائح الاتّهام، وتتميز الإجراءات فيها بعدم وجود عدالة، بل يمكن جعلها كيدية أو سياسية.
ومن الناحية التاريخية، كانت إحدى أكثر المحاكم السرية سيئة السمعة في عهد الملك البريطاني تشارلز الأول، في أوائل القرن السابع عشر، والتي أسفرت عن حملة إعدامات كثيرة بحق معارضيه، ما أدّى إلى حرب أهليّة أدّت إلى إعدامه هو لاحقاً.
وفي العصر الحالي، المحاكمات العسكرية تعد سمة الأنظمة الشمولية، خصوصاً في الاتحاد السوفييتي؛ لأنها كانت ترى فيها ضرورة للحفاظ على أمنها، وقد بلغت ذروتها في عهد الديكتاتور جوزيف ستالين، والذي شهد حكمه حملة تطهير غير مسبوقة، ويُقدّر عدد من قضوا تحت مطارق الأحكام القضائية السرية بنحو 7 ملايين إنسان.
أما في عالمنا العربي، كانت تمارس المحاكم السرية، خصوصاً في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، بحق المعتقلين السياسيين، والتي انتهت بإعدام الآلاف، وفي مصر في عهد جمال عبد الناصر، والمحاكم التي عقدها العقيد القذافي في ليبيا ضد معارضيه، بل وصل الحد به إلى قتل معارضيه حتى دون محاكمة!
المحاكم السرية في السعودية:
دفعت النظرة الاستبدادية التي تبناها ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، عقب قدومه لكرسي ولاية العهد، لتكثيف استخدام سلاح المحاكمات السرية ضد أي أحد يعارض سياساته المجتمعية الانفتاحية الجديدة التي أراد فرضها على المجتمع السعودي المحفظ.
ويرى مراقبون أن رجال الدين كانوا هم الذين يمنحون الشرعية لسلطة الملك، أما اليوم فإن الأمير محمد بن سلمان هو الذي يُضفي الشرعية على رجال الدين، وسط حملة قمع كبيرة يرعاها هو باسم الإصلاح الديني، لكنها تناقض مطالب احترام التعدّد الفكري.
فأخذت دائرة المحاكمات السرية في الاتساع، والتي لولا الضغط والمتابعة الحقوقية، لتمت بحق الآلاف من المعتقلين والمعتقلات في المملكة دون أن يدري بها أحد أو يشعر بها.
وانتقدت منظمة “سند” الحقوقية السعودية الأحكام السرية للأكاديميين والكتاب والباحثين المسجونين باعتبارها جريمة ضد الإنسانية لا ينبغي تجاهلها على الإطلاق، مشيرة إلى حرمان المتهمين من حق توكيل محام في هذه المحاكمات الغير علنية، وعدم تمكن أسرهم من حضور جلسات المحاكمة كذلك، والأحكام الصادرة بحقهم مبنية على اعترافات منتزعة بالإكراه.
كما أكدت منظمة “القسط” لحقوق الإنسان أن السلطات السعودية أصرت على عقد محاكمات سرية، مما يجعل المحاكمات لا ترقى للمعايير الدولية لمحاكمة العادلة، وتمنع السلطات حضور عامة الشعب الذين يعلمون أن طلب الحضور بحد ذاته يجعلهم عرضة للسجن والتعذيب، وتمنع أيضًا حضور المراقبين الدوليين، بمن فيهم مسؤولي السفارات، على الرغم من زعم الإعلام السعودي بأنهم يمكنهم ذلك.
وشددت “القسط” على أن الحق في محاكمة علنية يشكل عنصرًا من عناصر المحاكمة العادلة التي يكرسها عدد من أجهزة حقوق الإنسان الدولية. تحث القسط المراقبين الدوليين على الاستمرار في تقديم طلبات حضور المحاكمات، والضغط على السلطات السعودية حول هذه المسألة، وتدعو السلطات السعودية لتوفير كافة الضمانات القانونية وحقوق المحاكمة العادلة الأساسية للأفراد المحرومين من حريتهم، وتدعو للضغط على السلطات السعودية لكي تفرج إفراجًا فوريًا وغير مشروط عن معتقلي الرأي المحتجزين لممارستهم السلمية لحرياتهم الأساسية.
كذلك عبرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا عن بالغ قلقها من المحاكمات السرية التي تعقدها السلطات السعودية لنشطاء وسياسيين ورجال دين بتهم مفبركة الغاية منها الانتقام من الساكتين عن مدح السلطة أو المنتقدين لها على حد سواء.
وبينت المنظمة أن هذه المحاكمات تعقد بعد اعتقال تعسفي واختفاء قسري وتعذيب جسدي ونفسي للمعتقل وأسرته مع غياب التمثيل القانوني وعدم وجود سلطة قضائية محايدة تتوافر فيها المعايير الدنيا التي نصت عليها القوانين الدولية.
وأكدت المنظمة أن الأمثلة على المحاكمات السرية كثيرة منها محاكمة الداعية سلمان العودة بتهم مفبركة وصل تعدادها إلى 36 تهمة، ومحاكمة المفكر والإعلامي الدكتور علي العمري حيث عقدت المحكمة الجزائية له جلسة سرية ووجهت له 30 تهمة ملفقة من بينها تكوين تنظيم شبابي سري إرهابي داخل المملكة العربية السعودية، والخطورة أنه في الحالتين طالبت النيابة العامة بإعدامهما.