خاص: اشتملت رؤية 2030 التي يدعمها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، على بُعد ضمان استدامة الموارد الحيوية للمملكة كهدف استراتيجي في الرؤية.

وشملت تلك الاستدامة المخزون من الموارد الغذائية، والأدوية، والطاقة، واليد العاملة، وتقييم الموارد الحيوية حسب الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للمملكة، كما شملت المرونة، والقدرة على التكيف للتعامل مع الأزمات.

ولتحقيق ذلك الهدف، كان من المفترض على المملكة أن تستخدم عددا من الاستراتيجيات، منها تعزيز الممارسات الجيدة لسلامة المنتجات الزراعية، واستدامة استهلاكها عبر البرامج التوعوية والأنظمة.

كذلك تعزيز استقرار إمدادات الغذاء عبر آليات وأطر للشركات وتفعيل التعاون، والمشاركة في المنظمات والاتفاقيات الدولية، مع تطوير منظومة إنتاج غذائي مستدامة؛ من خلال رفع الاكتفاء للسلع الملائمة محليًا، وتحسين الإنتاجية والاستدامة.

أما عن تأمين الأدوية الأساسية، فيكون ذلك بتأمين المصادر الخارجية، وربطها بنظام التتبع والخزن الاستراتيجي، وتمكين الطاقة المتجددة في استدامة إمداد الطاقة، مع ضمان تنوع مصادر اليد العاملة المناسبة للقطاعات المرتبطة بالأمن التنموي والغذائي بالإحلال والتوطين، وتعزيز قدرات إدارة أزمات الأمن التنموي؛ وذلك بإيجاد تشريعات ملائمة، وتأهيل وتحفيز مشاركة كافة القطاعات.

 

رؤية 2030 واستدامة الموارد “الوهمي” فيها:

الهدف الاستراتيجي رقم 5.4.1 ضمن رؤية 2030، نص على “ضمان تحقيق الأمن التنموي والغذائي”، من خلال ضمان استدامة الموارد الحيوية، ويشمل ذلك: المخزون من الموارد الغذائية والأدوية والطاقة واليد العاملة، وتقييم الموارد الحيوية حسب الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للملكة العربية السعودية، كما تشمل هذه الاستدامة المرونة والقدرة على التكيف للتعامل مع الأزمات.

ووفقًا للرؤية، فإنه يتم تحقيق هذا الهدف عن طريق (تعزيز الممارسات الجيدة لسلامة المنتجات الزراعية واستدامة استهلاكها عبر البرامج التوعوية والأنظمة، وتعزيز استقرار إمدادات الغذاء عبر آليات وأطر للشركات وتفعيل التعاون، والمشاركة في المنظمات والاتفاقيات الدولية، كذلك تطوير منظومة إنتاج غذائي مستدامة من خلال رفع الاكتفاء للسلع الملائمة محليًا وتحسين الإنتاجية والاستدامة، وضرورة تأمين الأدوية الأساسية بتأمين المصادر الخارجية وربطها بنظام التتبع والخزن الاستراتيجي تمكين الطاقة المتجددة في استدامة إمداد الطاقة مع ضمان تنوع مصادر اليد العاملة المناسبة للقطاعات المرتبطة بالأمن التنموي والغذائي بالإحلال والتوطين، أيضًا تعزيز قدرات إدارة أزمات الأمن التنموي بإيجاد تشريعات ملائمة وتأهيل وتحفيز مشاركة كافة القطاعات).

ولتحقيق ذلك وضعت الرؤية عدة مبادرات، وسط توقعات لتفعيلها عاجلاً لتنفيذ هذا الهدف المهم الذي وضعته الرؤية على رأس اهتماماتها، وهو ما لم يوجد له أثر على الواقع العملي في المملكة حتى الآن.

ومن ضمن تلك المبادرات (التنمية المستدامة للمراعي والغابات وتنظيم الاستثمار بها ومكافحة التصحر)، حيث هدفت المبادرة إلى زيادة رقعة الغطاء النباتي للحد من ظاهرة التصحر واستزراع 12 مليون شجرة وحماية المراعي والغابات عن طريق التسييج والتبتير، وسيتم تغطية 60% من المياه المستخدمة لهذه المبادرة من مياه الصرف الصحي المعالجة للحفاظ على الموارد المائية، وهو بالطبع ما لم يتحقق بالطبع.

وأيضًا وضعت الرؤية (برنامجا لزيادة الرقعة الخضراء في المملكة)، وذلك من خلال إجراء دراسات تسعى إلى زيادة تدريجية للغطاء النباتي واستعادة التنوع الأحيائي والتوازن البيئي في المملكة ومن ثم تنفيذ الخطط بناءً على مخرجات الدراسات المعنية، وتستمر حتى عام 2030، وحتى الآن ما زال المبادرة كما هي حبر على ورق دون أي تنفيذ.

واشتملت الرؤية على مبادرة لـ(تطوير مرافئ الصيد)، وذلك من خلال خلق فرص استثمارية وسياحية من خلال تطوير مرافئ الصيد والأرياف ودعم مجتمعاتها اقتصاديًا ومهنيًا وذلك بالشراكة مع القطاع الخاص، وبالطبع بعد حادثة مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” هربت الاستثمارات وفر المستثمرون، وفشلت رؤية 2030 في تطبيق تلك المبادرة وغيرها بالتعاون مع القطاع الخاص.

كذلك كان من ضمن الرؤية مبادرة لـ(إنشاء مراكز خدمات تسويقية لصغار المزارعين والمنتجين)، وذلك لتطوير الإنتاج، وزيادة القيمة المضافة للمنتجات المستهدفة (خضار، وفواكه، وأسماك، ومواشي).

ومن ضمن مبادرات الرؤية لتحقيق ذلك الهدف، مبادرة (إدارة الخزن الاستراتيجي للأدوية والأمصال)، للتأكد من استدامة توفر الأدوية الأساسية والطارئة في المستشفيات لفترة محدودة وتحديد الحد الأدنى والكميات من توفر الأمصال واللقاحات والأدوية الأساسية للأمراض الحرجة، وهو بالطبع ما لم يتم، ورآه الجميع رأي العين خلال أزمة توفير لقاحات كورونا الحالية.

ووضعت رؤية 2030 مبادرة لوضع (برنامج فعال للاحتياطي والخزن الاستراتيجي للأغذية)، ويتضمن نظاما للإنذار المبكر، ومعلومات للأسواق الزراعية، ووضع بروتوكولات للاستجابة والتخفيف من المخاطر الأكثر تأثيرًا على الأمن الغذائي في المملكة، وبالطبع الكل يعلم ما عانته المملكة من أزمات خلال جائحة “كورونا”، واختفاء سلع استراتيجية مهمة كالخبز، ما يدلل على عدم تنفيذ تلك المبادرات كلها، وأنها ذهبت أدراج الرياح هي والرؤية بأكملها.

 

– تصريحات جوفاء:

كعادة المسؤولين السعوديين، ملئوا الدنيا ضجيجًا حول تنفيذ استراتيجيات الرؤية، بينما الواقع ينذر بكوارث خاصة في مجالي الغذاء، والدواء.

ففي نوفمبر 2020، وفي قلب أزمة كورونا وما شهدته الأسواق السعودية من ندرة بعض المواد الغذائية الاستراتيجية كالخبز، وسط اختفاء لكثير من السلع نتيجة لأزمة مقاطعة المنتجات التركية التي تسببت فيها رعونة وصبيانية ولي العهد “محمد بن سلمان”، خرج علينا وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي، عبد الرحمن بن عبد المحسن الفضلي، ليقول إن المملكة حققت إنجازات كبيرة، وشهدت تطوراً وتغيراً إيجابياً على الأصعدة كافة، باتجاه تحقيق رؤية 2030!

وتابع “الفضلي”: “سجلت الوزارة من خلال قطاعاتها المختلفة العديد من الإنجازات، ومن ذلك نجاحها في تنمية الإيرادات غير النفطية وتحقيق كفاءة الإنفاق”!

بل وزاد الطين بلة، حين ذكر أن وزارته تمكنت من الوفاء بتوفير كامل احتياجات الأسواق المحلية من المنتجات الزراعية والمواد الغذائية والمياه وخدماتها في ظل تداعيات جائحة كورونا، مما أسهم في تجاوز هذه الأزمة، ما أثار عاصفة من الانتقادات لتلك التصريحات الجوفاء.

 

– الواقع المرير:

رغم الوعود الرنانة السابقة في توفير الغذاء والدواء، إلا أن واقع يقول بأن المملكة تعيش أزمة مصيرية كبرى، من حيث توفير السلع الاستراتيجية كالدقيق، وإيقاف غول التضخم الذي أكل من جيب المواطن الكثير والكثير.

 

– الاتجاه للخصخصة لإنقاذ الموقف:

جاء إعلان الحكومة السعودية، في يونيو 2019، إنهاء اتفاقيات خصخصة تتجاوز قيمتها ملياري ريال (533 مليون دولار)، قبل نهاية العام، في خطوة جديدة تلجأ إليها في طريق البحث عن مصادر جديدة لدعم إيراداتها الحكومية.

وأوضحت مصادر أن الخطوة تلك جاءت كمحاولة من الحكومة السعودية لإنقاذ اقتصادها الذي يواجه مخاطر وتحديات كبيرة تدفعه بقسوة نحو الانحدار؛ بداية بالمعارك التي تشعلها في جارتها الجنوبية مع “الحوثيين”، وليس انتهاء بالأزمة الخليجية، والحرب الباردة مع إيران.

وفكرة “الخصخصة” كان قد طرحها “ابن سلمان” في العام 2016 ضمن رؤية 2030، التي يهدف من ورائها لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وإخراجه من الاعتماد شبه الكلي على مداخيل قطاع النفط خلال مدة زمنية تبلغ 15 عاماً.

كما أكد “ابن سلمان” لصحيفة “الشرق الأوسط” الصادرة بالعاصمة البريطانية، في 16 يونيو 2019: إن “المركز الوطني للتخصيص يقوم حالياً بالعمل على إنهاء اتفاقيات تتجاوز قيمتها ملياري ريال في مجالات عدة؛ تشمل مطاحن الدقيق، والخدمات الطبية، وخدمات الشحن”.

وكذلك صرح وزير الاقتصاد السعودي، محمد التويجري، لوكالة “رويترز”، في العام 2017: إن “برنامج الخصخصة ضمن رؤية المملكة 2030، قد يجمع نحو 200 مليار دولار خلال الأعوام المقبلة، إلى جانب 100 مليار دولار تسعى السلطات لجمعها من عملية بيع حصة في شركة أرامكو”.

وكان مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي، قد اعتمد العام الماضي، خطة لتنفيذ برنامج للخصخصة بهدف توفير إيرادات غير نفطية تبلغ ما بين 9-11 مليار دولار، بحلول العام 2020، وتوفير 12 ألف فرصة عمل.

وكانت أولى خطوات الخصخصة تلك مع مطاحن الدقيق، والتي زادت من توقعات ارتفاع أسعار الخبز، ففي يوليو 2020، أعلنت المؤسسة العامة للحبوب السعودية، والمركز الوطني للتخصيص، عن انتهاء المرحلة الأولى من خصخصة قطاع مطاحن الدقيق، حيث بيعت شركتا مطاحن دقيق بقيمة إجمالية 2.78 مليار ريال (740.5 مليون دولار).

وقال بيان مشترك إنه تمت ترسية بيع الشركتين للمستثمرين ذوي العروض المالية الأعلى، حيث رسا بيع شركة المطاحن الأولى على تحالف رحى- الصافي بقيمة 2.027 مليار ريال (540.5 مليون دولار)، كما رسا البيع لشركة المطاحن الأخرى على تحالف الراجحي- الغرير- مسافي بقيمة 750 مليون ريال (200 مليون دولار).

وفي نفس الشهر، وبعد أيام من انتهاء المرحلة الأولى لخصخصة المطاحن، أعلنت مؤسسة الحبوب أنها بدأت المرحلة الثانية من خصخصة مطاحن الدقيق الأربعة التابعة لها، وستبدأ بتلقي عروض التأهيل المسبق في السادس عشر من يوليو.

 

– خسائر الشركات الغذائية العامة:

فجاء إعلان شركة الخطوط السعودية للتموين، في نوفمبر 2020، عن تسجيل صافي خسارة بعد الزكاة والضريبة بلغ 234.7 مليون ريال (62.40 مليون دولار)، مع انتهاء أول تسعة أشهر في 2020، كضربة قاصمة لأحلام “ابن سلمان” بشأن تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي للمملكة.

وعزت الشركة السبب الرئيس لانخفاض صافي الربح، إلى تعطل العمليات التجارية بسبب جائحة فيروس كورونا (كوفيد -19) وتفشيه؛ وهو ما أدى إلى انخفاض المبيعات بنسبة 73.5%.

وتحولت الخطوط السعودية للتموين “التموين” للخسائر بعد تكبُّدها 106.5 ملايين ريال في الربع الثالث، مقابل أرباحٍ قدرها 142 مليون ريال في الفترة ذاتها من العام الماضي.

وسجلت ارتفاعاً في مخصص الديون المشكوك في تحصيلها مقابل الذمم المدينة بمبلغ 3.4 ملايين (9.1 آلاف دولار)، في حين لم تتغير التكاليف الثابتة.

وعلى مستوى أرباح الشركة خلال فترة الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، فقد بلغت الخسائر بعد الضريبة والزكاة نحو 234.7 مليون ريال، مقابل أرباحٍ قدرها 362.6 مليون ريال (96.69 دولاراً) في الفترة ذاتها من العام الماضي.

وبلغت الخسائر المتراكمة للشركة نحو 215.8 مليون ريال (57.54 مليون دولار)، لتمثل نحو 26.3% من إجمالي رأسمال الشركة البالغ 820 مليون ريال (218.65 مليون دولار)

وخلال النصف الأول من العام، تكبدت “التموين” خسائرَ قدرها 128.2 مليون ريال (34.18 مليون دولار)، مقابل أرباحٍ قدرها 220.6 مليون ريال، في الفترة المقابلة من العام الماضي.

 

– غول التضخم:

تسببت السياسات الاقتصادية المتخبطة التي انتهجتها المملكة في أعقاب جائحة “كورونا”، والتي كانت تهدف لتعويض الفاقد جراء الجائحة من جيوب المواطنين، في هزة اقتصادية كبرى بالمملكة.

ففي أكتوبر 2020، أفاد بيان صحفي صادر عن الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، بارتفاع معدل التضخم في السعودية إلى5.7% خلال سبتمبر/ أيلول الماضي.

وبحسب البيان، فإن هذا الارتفاع جاء على أساس سنوي، عقب تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي وصلت إلى 15%.

وأضاف البيان أن “هذا الارتفاع في الأسعار يرجع إلى حد كبير لزيادة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% في يوليو/تموز الماضي، التي كان لها تأثير على التضخم السنوي”.

وأضافت الهيئة العامة للإحصاء أن جميع الأقسام الرئيسة شهدت ارتفاعا في الأسعار، مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، باستثناء قطاع التعليم.

ومن قبلها في أغسطس 2020، أفادت بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية بارتفاع التضخم في يوليو الماضي على أساس سنوي بنسبة 6.1% وذلك مقابل ارتفاع بـ0.5% في الشهر السابق.

وأرجعت الهيئة تسارع تضخم أسعار المستهلك إلى زيادة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% في الأول من يوليو، والتي كان لها تأثير عام على التضخم السنوي.

وقد شهدت جميع الأقسام الرئيسة ارتفاعا في الأسعار مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، ولكن مؤشر التضخم تأثر بشكل أساسي من ارتفاع متوسط الأسعار في الأغذية والمشروبات بنسبة 14.3% والنقل بنسبة7.3%.

وقد تسبب كل ذلك في انكماش الاقتصاد السعودي بنسبة 4.2% على أساس سنوي، خلال الربع الثالث من 2020.

وأرجعت إحصائيات صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء السعودية، ذلك الانكماش إلى استمرار الضغوط الصحية الناجمة عن تفشي جائحة “كورونا” على مفاصل الأسواق المحلية، وتضرر أسعار النفط.

 

ومما سبق، يتضح فشل الرؤية الوهمية التي اعتمد عليها “ابن سلمان” لبناء مملكته الجديدة، في تحقيق هدف ضمان استدامة الموارد الحيوية للمملكة، ما يمثل خطورة شديدة على المملكة ومواطنيها خلال العقود القليلة القادمة، وسط تحذيرات من تفاقم أزمة مياه بالمنطقة، ما ينذر بكارثة إن لم يسع المخلصون في السعودية لإنقاذ الموقف، ووقف تلك المهاترات السياسية والاقتصادية.