خاص: الإضراب عن الطعام وسيلة مستخدمة لكثير من معتقلي الرأي داخل سجون ومعتقلات المملكة العربية السعودية لحصولهم على حقوقهم الأساسية المهدرة من قبل السلطات، هي أخر خطوة يلجأ إليها المعتقل بعد استنفاذ كافة الحلول الأخرى مع سلطة لا تفهم سوى لغة القوة والبطش في التعامل مع ملف معتقلي الرأي.
وبالطبع نتيجة لتلك السياسة التعسفية في التعامل، انتشرت الإضرابات وسط معتقلي الرأي في السعودية، وكان أخرها ما أكدته منظمة “القسط” لحقوق الإنسان بالخليج، من دخول الناشطة السعودية المعتقلة، سلمى الشهاب، و7 محتجزات أخريات، في إضراب عن الطعام؛ احتجاجًا على احتجازهن التعسفي.
وقالت المنظمة في تغريدة عبر حسابها بـ”تويتر”: “تأكد للقسط دخول الناشطة في مجال حقوق المرأة، سلمى الشهاب، وسبعة نساء سعوديات أخريات، في إضراب عن الطعام منذ 23 مارس 2023”.
وأوضحت “القسط” أن الإضراب جاء احتجاجًا على احتجازهن التعسفي، ومحاكمتهن الصورية.
ودعت المنظمة جميع المهتمين بالانضمام في دعوتها السلطات السعودية للإفراج عن “سلمى”، وعن بقية المضربات فورًا.
وكانت مصادر حقوقية سعودية، كشفت في وقت سابق، عن قيام سلطات المملكة بإصدار حكمًا جديدًا ضد الناشطة المعتقلة، سلمى الشهاب، لمدة 27 عامًا.
– حملات داعمة:
دشن ناشطون سعوديون حملة إلكترونية عبر موقع التدوين المصغر “تويتر” لدعم إضراب الناشطة المعتقلة، سلمى الشهاب، و7 معتقلات أخريات؛ بسبب اعتقالهن تعسفيًا.
ودعا حساب “معتقلي الرأي” الشهير عبر “تويتر” الناشطون والمغردون للتغريد بوسم #إضراب_المعتقلات، تضامنًا مع الناشطة سلمى الشهاب التي أضربت عن الطعام مع 7 معتقلات أخريات، وللضغط على السلطات السعودية لإطلاق سراحهنّ.
وأشار الحساب إلى أنه منذ 23 مارس الماضي، بدأت سلمى الشهاب، و7 معتقلات سعوديات؛ إضرابًا عن الطعام؛ احتجاجًا على عدة أمور، منها؛ احتجازهنّ التعسفي، محاكماتهنّ الصورية، حرمانهنّ من حقوقهنّ القانونية، سوء الأوضاع داخل السجون، التعذيب النفسي والمضايقات.
وأضاف “معتقلي الرأي” أن الناشطة سلمى الشهاب، أكملت 810 أيام وهي رهن الاعتقال التعسفي؛ على خلفية تغريدات عبّرت فيها عن رأيها.
وشدد الحساب على أنه لا حيلة لمعتقلي ومعتقلات الرأي داخل سجون المملكة للدفاع عن أنفسهم؛ سوى الإضراب عن الطعام والشراب، إذ يُعد أحد الإجراءات التي يلجؤون إليها بسبب الانتهاكات والمضايقات، في محاولة لتحسين أوضاعهم وتحصيل حقوقهم داخل السجن.
– وسيلة لكشف معاناة معتقلي الرأي:
منظمة “سند” الحقوقية السعودية عن كون الإضراب عن الطعام يمثل معاناة لمعتقلي الرأي في المملكة، وسط مطالبات بمراجعة ملفهم.
وقالت “سند” في بيان لها نشرته عبر موقعها الإلكتروني: “يعد الإضراب عن الطعام من الأساليب الاحتجاجية التي يلجأ إليها كثير من المعتقلين، في حال تعرضهم للانتهاكات والتنكيل الذي يفاقم المعاناة في الحبس”.
وأضافت المنظمة أن ظاهرة الإضراب عن الطعام داخل المعتقلات السعودية؛ تعكس معاناة معتقلي الرأي الذين يواجهون التنكيل المتعمد، في ظل تضليل الحقائق والتغطية على الجرائم التي يتعرض لها أبناء البلد.
كما دعت “سند” النظام السعودي لمراجعة ملف معتقلي الرأي الذي أصبح ضمن الملفات الحساسة التي تمس سمعة المملكة، في ظل إصرار ابن سلمان على مواصلة القمع والتضييق بحق معتقلي الرأي.
– الإضراب من الناحية القانونية الدولية:
الإضراب عن الطعام؛ هو وسيلة من وسائل المقاومة السلمية أو الضغط حيث يكون المشاركون في هذا الإضراب صائمين ممتنعين عن الطعام كعمل من أعمال الاحتجاج السياسي، أو ربما تكون لإشعار الآخرين بالذنب.
استخدم الإضراب كوسيلة من وسائل الاحتجاج في إيرلندا ما قبل المسيحية، حيث كانت تعرف باسم “troscadh” أو “Cealachan” وكانت توجد قواعد محددة للإضراب عن الطعام في ذاك الوقت، وفي كثير من الأحيان يكون الإضراب عن الطعام أمام منزل الجاني، ويعتقد العلماء أن الإضراب أمام منزل الجاني يرجع إلى الأهمية العالية في حسن الضيافة آنذاك، حيث يعتبر السماح للشخص المضرب عن الطعام بالموت أمام المنزل عار كبير لصاحب هذا المنزل. ويقول آخرون أن هذا الإضراب يكون فقط لليلة واحدة، حيث لا يوجد أي دليل في إيرلندا يدل على موت المضربين عن الطعام. وكان الهدف الأول للإضراب عن الطعام في ذاك الوقت استرداد الديون أو الحصول على العدالة.
ومن الناحية القانونية يُنظر إلى الإضراب عن الطعام على أنه شكل من أشكال المقاومة السلمية، ويرى العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان على المستوى الدولي أنه أحد حقوق حرية التعبير المكفولة باعتباره أحد مظاهر حرية التعبير بحيث يصبح واجبًا على الدولة الحاجزة احترام هذا الحق وعدم المساس به بل يتوجب عليها النظر باهتمام للمطالب التي ينادي بها الأسير المضرب والعمل على تلبيتها له طالما أنها تنسجم وتتوافق مع الحقوق والمعايير التي تضمنتها القوانين الدولية.
ونص إعلان طوكيو بشكلٍ محدد على أنه في حالة رفض السجين الطعام وهو في كامل وعيه وقادر على اتخاذ قرارات لا يجوز أن يتم إطعامه عن طريق تعليق محاليل طبية أو من خلال ادخال أنبوب في جوف المضرب من الأنف يتم عبره إدخال السوائل والطعام مباشرة إلى المعدة وما يرافق ذلك من خطر يهدد حياة الأسير، وهو أسلوب تعذيب قهري يرتقي إلى مستوى جرائم الحرب.
وكذلك ما نصت عليه الجمعية الطبية الدولية في إعلان مالطا عن حق الإضراب عن الطعام وكذلك إعلان طوكيو، إضافة إلى ما ورد في بيان مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في عام 2006، وبيانات الأمم المتحدة التي تصف الإطعام القسري بأنه نوع من أنواع “التعذيب”.
– تاريخ الإضرابات:
تقول الوقائع التاريخية أن المقاوم أو المعتقل لا يلجأ للإضراب عن الطعام إلا بعد استنفاد كافة السبل أمامه للحصول على حقوقه المحروم منها، فهي آخر خطوة في مرحلة الصمود، ولا يلجأ إليها إلا حين تغلق كل الأبواب في وجهه.
وللتاريخ أحداث تثبت مدى مضي هذا السلاح وقوته، ففي فبراير 2012، بدأ ما يقرب من 1800 سجين فلسطيني محتجزين في السجون الصهيونية إضراباً جماعياً عن الطعام احتجاجًا منهم على تطبيق الاعتقال الإداري بدون مدة محددة.
وتسبب هذا الإضراب في التوصل لاتفاق مع السلطات الصهيونية، بوساطة مصرية وأردنية. وبموجب الاتفاق، فقد وافق الكيان الصهيوني على قصر مدة الاعتقال الإداري على 6 شهور فقط عدا في حالات تظهر فيها أدلة جديدة ضد المشتبه به، وعلى زيادة الزيارات العائلية وعلى إعادة المحتجزين انفرادياً إلى الزنزانات العادية. كما تم التوصل أيضاً إلى اتفاق لزيادة النقاشات حول تحسين ظروف السجن.
في 2019، شهدت السجون السعودية، تنفيذ أول إضراب عن الطعام، بعد نحو عامين من توقيفات طالت مشايخ وحقوقيين، احتجاجًا على “سوء معاملة معتقلي الرأي”، دون تعقيب من سلطات الرياض، التي عادة ما تقول إنها تقدم رعاية لكافة المحتجزين لديها.
وذكر حساب “معتقلي الرأي”، الذي يدعم حقوق الموقوفين بسجون المملكة عبر “تويتر”، آنذاك أن الشيخ السعودي، عبد الله الحامد، أعلن في بيان له من داخل السجن، الإضراب المفتوح عن الطعام.
وأكد الحامد وفق المصدر ذاته، أن قرار الإضراب يأتي احتجاجًا على سوء معاملتهم في السجون، مطالبًا بالإفراج الفوري عن جميع نشطاء العمل السلمي وأصحاب الرأي.
وتبع الحامد، عبد الكريم الخضر، وفوزان الحربي، ومحمد فهد القحطاني، وعبد الرحمن الحامد، وفق الحساب ذاته.
وأعرب حساب “معتقلي الرأي” عن أمله أن “تؤتي (هذه الخطوة) ثمارها في أقرب وقت”. داعيا للتغريد تحت هاشتاغ (وسم) #اضراب_المشايخ_بالسجون الذي تصدر قائمة الاكثر تداول على “تويتر” بالسعودية قبل ساعات.
واستمر التغريد على الوسم (الهاشتاغ)، الاثنين، لليوم الثاني على التوالي، دون تعقيب من السلطات السعودية التي عادة ما تقول إنها تقدم رعاية لكافة المحتجزين لديها.