هل هناك تطورات جذرية منذ مقتل جمال خاشقجي، بناءً على أوامر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لإعادة تأهيل السعودية بالكامل في التحالف الغربي؟.

هكذا يتساءل مقال جيريمي وارنر في صحيفة “تليغراف” والذي ترجمه “الخليج الجديد”، حول ملف عودة السعودية للتحالف الغربي.

ويرى المقال أن تفاصيل اغتيال كاتب العمود السابق في صحيفة “واشنطن بوست”، كانت مروعة للغاية، لدرجة أنه لم يكن هناك أي قدر من الترقيع يبدو قادرًا على قلب الأمور.

ويضيف: “إن ما حدث كان خارجا عن القانون ومستبدا، مما زاد من الشعور بالغضب من التدخل العسكري السعودي في اليمن”.

ومع ذلك، يرى الكاتب أن بن سلمان أثبت إصراره، والشيء الوحيد الذي لا ينقصه في محاولته لتجديد الاحترام هو المال، حيث استمرت الطبقة العليا من المصرفيين الغربيين والممولين والاستشاريين والرياضيين والمهندسين والمصدرين في العمل معه دون خجل، ومنها معهد توني بلير، والذي وفقًا لصحيفة “صنداي تايمز” واصل تقديم المشورة المدفوعة إلى بن سلمان من خلال قضية خاشقجي وما بعدها.

ويشير المقال أن تبرير بلير، الذي لم يخجل من نشره، هو أنه من المهم أن تظل منخرطًا بسبب “الأهمية الهائلة والإيجابية” لإصلاحات تحديث ولي العهد و”الأهمية الاستراتيجية” للمملكة بالنسبة للغرب.

ومن وجهة نظر المقال، فإن السياسة الواقعية لرئيس الوزراء البريطاني السابق ستفزع أولئك الذين يضعون حقوق الإنسان قبل الاعتبارات الجيوسياسية والتجارية.

ويضيف المقال: “لكنه في جوهره محق.. فمهما كانت الجريمة حقيرة، فمن المرجح أن تؤدي الإدانة الدائمة، لدفع السعودية أكثر إلى المحور البديل للأنظمة الاستبدادية”.

 

شريك متساو

ولكن الكاتب يرى أن هناك مبالغة، حيث تقفز السعودية للظهور كشريك متساوٍ مع المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان، في تطوير طائرة مقاتلة من الجيل السادس، وهو نموذج أولي تم الكشف عنه لأول مرة، من قبل “بي إيه إي سيستمز” في المملكة المتحدة في معرض “فارنبورو” الجوي قبل 5 سنوات.

ويذكر المقال أن المملكة المتحدة لديها تاريخ طويل في بيع الطائرات المقاتلة إلى السعودية، وحاليا تستفيد بشكل كبير مما يجعلها أكبر مستفيد، وربما كان الأمر ليكون أكثر من ذلك لو لم تتراجع ألمانيا بعد مقتل خاشقجي، وفرضت حظراً متشدداً على المزيد من مبيعات الأسلحة لنظام بن سلمان.

ويأتي حوالي ثلث مكونات مقاتلة “يوروفايتر تايفون” من ألمانيا، مما يجعل من المستحيل استمرار الشحنات الأخرى دون تصريح برلين.

وفيما تعد العلاقات المتنامية بين السعودية والصين، أكبر سوق لتصدير النفط السعودي هذه الأيام، مصدر قلق كبير لليابان على وجه الخصوص، تشعر طوكيو بالقلق من أن المشاركة السعودية ستؤدي إلى تعقيد، وبالتالي تأخير، تطوير الطائرة، مما يسمح للصين باللحاق بركب طائرة “تيمبست” وتحسينها.

وأمام ذلك، فإن الرياض قد تستخدم حق النقض ضد هذه المبيعات، لأطراف ثالثة، لأسباب جيوسياسية.

ويضيف المقال أن اليابان تخشى، على نحو مبرر، أن يتم تسريب التكنولوجيا إلى الصين، أو أن السعودية قد ترغب في بيع الطائرة لأنظمة يحتمل أن تكون معادية.

لقد دخلت المملكة المتحدة في شراكة مع إيطاليا واليابان لتطوير مقاتلة من الجيل السادس تُعرف “تيمبست”، وإذا تم منع بيعها من قبل بقية الأعضاء، فيمكن للسعودية عندئذ التهديد باتخاذ إجراءات انتقامية، مثل فرض حظر على النفط.

علاوة على ذلك، بالنسبة لليابان، هناك قضية أساسية أوسع تتعلق بالحوكمة، حيث أن الشراكة مع الديمقراطيات ذات التفكير المماثل للمشاركة في تكاليف التطوير الهائلة للطائرات العسكرية المتقدمة شيء، وإلقاء الأمر في ظل استبداد غير خاضع للمساءلة هو شيء آخر تمامًا.

ويلفت المقال للنظر إلى أن السعودية أفلتت حتى الآن من الحظر الأمريكي المخطط له على بيع رقائق “نيفاديا” عالية الأداء اللازمة لتغذية طموحات بن سلمان في مجال الذكاء الاصطناعي.

وعليه باستخدام موظفين صينيين ممنوعين من العمل في الولايات المتحدة، تسعى السعودية جاهدة لتطوير قدرات الكمبيوتر الخاصة بنموذج اللغة الكبيرة الخاص بها، مما يثير مخاوف من المزيد من تسرب التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين.

وكل هذا يغذي جنون العظمة المتزايد حول مكان الولاءات الحقيقية للسعودية، وفق المقال.

وبعبارة أخرى، يعتقد الكاتب أن هناك سبب وجيه للقلق بشأن نوايا السعوديين عندما يتعلق الأمر بالمشاركة في فريق “تيمبست”، لكن السؤال الذي يطرحه ما الذي يتعين القيام به لإبقاء السعودية، التي كانت حتى الآن حليفًا موثوقًا به نسبيًا، وإن كانت غالبًا حليفًا وحيدا للمملكة المتحدة في الشرق الأوسط؟.

وبطريقة أو بأخرى، ستحصل الصين على كل التكنولوجيا.

وفي الواقع، من المرجح أن تحمي شركة “بي إيه إي سيستمز”، ونظرائها الإيطاليون واليابانيون الملكية الفكرية الخاصة بهم، إذا كانت السعودية مرتبطة بنفس الشراكة أكثر مما لو تم الأمر بدونها.

 

الحاجة للمال

ويرى الكاتب أن السبب الآخر لإشراك السعوديين هو الحاجة إلى المال حيث تدعم صناعة الدفاع البريطانية مئات الآلاف من الوظائف في جميع أنحاء المملكة المتحدة، والعديد منها تتطلب مهارات عالية وذات دخل مرتفع. ومع ذلك، فإن الإنفاق الدفاعي البريطاني وحده لن يدفع تكاليف هذه الصناعة.

ومن أجل البقاء، يجب أن يتم التصدير، وإذا كان سعر التصدير هو السماح للمشترين ببعض القيمة المضافة، فيجب تلبية هذه الطلبات.

إلى جانب ذلك، فإن الحجم الهائل للاستثمار المطلوب لنظام دفاع متقدم مثل “تيمبيست” يكاد يكون من المستحيل تبريره ما لم يتم تقاسم التكاليف مع دول أخرى.

وقد لا تكون إيطاليا واليابان كافيتين، كما أنه بدون السعودية، قد لا يكون المشروع قابلاً للتطبيق.

ويرى الكاتب البريطاني أنه يمكنهم بالطبع إغلاق صناعة الأسلحة وشراء جميع احتياجات البلاد الدفاعية من أمريكا.

وهذا من شأنه على الأقل تهدئة أي مخاوف أخلاقية قد تكون لدينا بشأن بيع الأسلحة لأنظمة يحتمل أن تكون بغيضة في الخارج.

لكن الكاتب يتساءل هل نريد حقًا أن نكون أكثر ارتباطًا بقوة عظمى عالمية لا تخشى بشكل واضح من عقوبة أي مشتر يخرج عن الخط؟.

 

يختم الكاتب مقاله بالقول: “نحن نعيش في عالم غير مستقر وغير آمن بشكل متزايد، وإعادة السعودية إلى الحظيرة قد تجعلها أكثر أمانًا إلى هذا الحد، لأنه إذا لم نفعل ذلك، فليس هناك نقص في الدول التي يحتمل أن تكون معادية وتلك التي تريد أن تحل محلنا”.