جدل واسع أثاره قرار السلطات السعودية بمنع دخول واردات الخضروات والفواكه اللبنانية إلى المملكة أو العبور من خلال أراضيها، بين موالين للنظام السعودي يرون في القرار حقا لأي دولة في حماية أمنها القومي ومعارضين يرون فيه ذريعة اتكأت عليها الدولة لتمرير مخططها لحصار لبنان ومعاقبة رئيس وزرائها المكلف “سعد الحريري”.
فقرار الحظر جاء بعد إعلان السلطات السعودية عن تمكنها من ضبط 2.4 ملايين حبة مخدرات من لبنان، كانت مخبأة في شحنة رمان وصلت إلى المملكة، وزعمت قناة “العربية” أن صناعتها تجري في مناطق القصير وريف دمشق الخاضعة لسيطرة حزب الله ومجموعات تابعة للنظام السوري.
وأوردت القناة (سعودية تبث من دبي) أن في هذه المناطق السورية يوجد بها أكثر من 60 مصنعاً بين كبير وصغير لإنتاج حبوب الكبتاجون المنشّطة، والتي يتم تسويقها تحت سلطة الأمر الواقع التي تُحكم قبضتها على المعابر الشرعية وغير الشرعية بين البلدين وعلى المرافئ العامة.
وفي السياق، قال المحلل السياسي “محمد نمر” إن تهريب المخدرات من سوريا إلى لبنان ومنها إلى السعودية يرجع للانفلات الموجود على الحدود اللبنانية والمعابر غير الشرعية التي تُغطيها ميليشيا حزب الله، وفقا لما أوردته صحيفة “عاجل” السعودية.
وأضاف: “لا أستبعد وجود دور لحزب الله في هذه العمليات وقيامه بنقل هذه الشحنات بين لبنان وسوريا (..) من يستطيع نقل شحنات نترات الأمونيوم من مرفأ بيروت إلى سوريا لصناعة البراميل المتفجرة وقتل السوريين لن يصعب عليه نقل شاحنة رمان مخدرات”.
لكن حادثة تهريب مشابهة، جرت في ديسمبر/كانون الأول 2020، وضعت علامات استفهام عديدة على القرار السعودي، إذ أعلنت السعودية آنذاك إحباط تهريب 8 ملايين و753 ألف حبّة كبتاجون من تركيا إلى داخل المملكة، وتحوّل الموضوع إلى وسم على وسائل التواصل الاجتماعي، ومحاولات ضغط لوقف الاستيراد من تركيا، لكن دون أي قرار رسمي من الدولة.
من هنا جاء وصف رئيس اتحاد نقابات المزارعين في لبنان “جهاد بلوق”، في بيان أصدره السبت، لقرار السعودية بمنع استيراد المحاصيل اللبنانية بأنه “كيد سياسي”، مشيرا إلى أن المخدرات مجرد ذريعة لتقوم السعودية “بمهمتها ضمن المخطط الخبيث القاضي بمحاصرة لبنان وتركيعه”.
ويعود هذا المخطط، حسبما يرى “بلوق”، إلى موقع السعودية الإقليمي كرأس حربة “للمشروع الصهيوأمريكي، الذي يسعى لإنهاء كل معارضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب” في إشارة إلى ضغوط تمارسها الرياض على بيروت في هذا الصدد.
وفي هذا الإطار، أكدت صحيفة “الأخبار”، المقربة من “حزب الله”، أن الرياض تمارس ضغطا غير مسبوق على بيروت بهدف الضغط على الحزب، واتخذت من شحنة الرمّان ذريعة لتُطبق حصاراً سياسياً على لبنان، وذلك بعدما فقدت أدوات التغيير السياسية أو العسكرية، وتيقّنت من أن ميزان القوى الإقليمي لا يميل إلى مصلحتها.
وذكرت الصحيفة أن السعودية تضغط على دول عربية أخرى لمنع تأمين أي مساعدة للبنان، بهدف تحطيم هيكل الدولة فوق كلّ ساكنيه، بعدما تعذّر على الرياض وحلفائها “جعل البلد محميّة سياسيّة خالصة لهم”.
بات لبنان إذن ضحية حملة ضغط على “حزب الله” بما قد يفضي إلى تقويض الدولة اللبنانية بصورة كاملة، في حين ليس من المؤكد أن حزب الله يتضرر كما يتصور صانع القرار السعودي، في ظل ملكية الحزب لشبكة دعم اجتماعية واسعة وبعيدة عن النظام المالي الرسمي للبنان.
وفي هذا الإطار، قالت 3 مصادر مطلعة لوكالة “رويترز” إن جماعة حزب الله اللبنانية تقوم باستعدادات تحسباً لانهيار تام للبلد المتعثر، عبر إصدار بطاقات حصص غذائية واستيراد أدوية، حمل اسم أحد أئمة الشيعة، وتجهيز صهاريج لتخزين الوقود من راعيتها إيران.
ومن ثم فقاعدة الحزب المدعوم من إيران قادرة على الصمود أطول بكثير من عموم اللبنانيين، ومع ذلك يبدو أن الرهان السعودي يتركز على سياسة العقاب الجماعي، وهو ما عبرت عنه أصوات عديد المحللين المقربين من نظام المملكة، ومنهم “محمد آل الشيخ”، الذي شدد، عبر تويتر، على ضرورة قطع العلاقات السعودية مع لبنان، في ظل سيطرة ميليشيات حزب الله الموالية.
الأمر ذاته ما عبر عنه المحلل السياسي “طارق أبو زينب” بتوصيفه للبنان باعتباره “دولة فاشلة بامتياز”، مشيرا إلى الانهيار الاقتصادي وتدهور العملة اللبنانية وعدم الوصول للمسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت، إلى جانب الواقع المأساوي الذي يعيشه اللبنانيون، بحسب “عاجل”.
لكن الموقف السعودي من لبنان لا يقتصر على رغبة التضييق على حزب الله، بل أيضا معاقبة ممثل السنة في البلاد، رئيس الحكومة المكلف “سعد الحريري” لأنه قبل تشكيل الحكومة على غير رغبة السعودية، حسبما أكدت مصادر مطلعة.
وأكدت المصادر أن العلاقات بين “الحريري” وبين ولي عهد السعودية وحاكمها الفعلي، الأمير “محمد بن سلمان”، يسودها الفتور لدرجة أن السفير السعودي في لبنان لم يقابل “الحريري” مطلقا بينما قابل كافة الفاعلين السياسيين بمن فيهم الرئيس “ميشال عون”.
كما أن “الحريري” نفسه زار عدة دول مؤخرا، ليس من بينها السعودية، بل بلغ به السعي إلى مطالبة الفاتيكان، الخميس الماضي، بمساعدة لبنان لحل أزمة تشكيل الحكومة.
وإزاء ذلك، يرى مراقبون أن حالة الشلل السياسي دون حكومة قد تؤدي إلى تقويض دور “الحريري” في السياسة اللبنانية بدرجة أقرب من تقويض “حزب الله”، الذي يبدو أكثر استعدادا لمآلات حصار شامل على لبنان.
من هنا يمكن قراءة مناشدة رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني “حسان دياب” في زيارته الأخيرة لقطر الدول العربية بفتح أبوابها لإنقاذ بلاده من الانهيار الشامل، قائلا: “جئنا إلى الشقيقة قطر، نطرق بابها، كما سنطرق أبواب دول عربية شقيقة أخرى لم تتخل عن لبنان، وننتظر أن تفتح أبوابها لنا، كما فعلت الشقيقة قطر”، وفقا لما أوردته “الوكالة الوطنية للإعلام”.
وفي تصريحات للصحفيين خلال زيارته مقر السفارة اللبنانية في الدوحة، الإثنين الماضي، ذكر “دياب” أن “لبنان قد بلغ حافة الانهيار الشامل”، في إشارة إلى أن استمرار قطع المساعدة السعودية ربما يفضي إلى خسارة الرياض لنفوذها حتى بساحة “السنة” في البلد الذي يقوم على نظام المحاصصة الطائفية، ويشغل فيه سياسي سني منصب رئيس الوزراء.
ولذا يرى المحلل السياسي الروسي” ألكسندر نازاروف” أن آفاق لبنان كدولة أصبحت محل شك، إذ من الممكن أن تحمل نتائج الأزمة عدم حفاظ الدولة على شكلها الحالي، وفقا لما أوردته شبكة “روسيا اليوم”.
ويشير “نازاروف” إلى أن فرصة بقاء الدولة في لبنان رهينة “شراء لبنان بكل سكانه”، وهو أمر لا تتوفر إمكاناته سوى للولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الجاري.
لكن إخضاع “حزب الله” والإطاحة به من السلطة تبدو أولوية لدى الإدارة الأمريكية، ولذا يرجح المحلل الروسي أن تتصرف واشنطن مع الحزب بمبدأ “لن يأكل، ولن يدع الآخرين يأكلون”، ما يعني أن اللبنانيين سيواجهون أوضاعا بالغة الصعوبة في المستقبل المنظور.