عبد الرحمن بن خلدون
خاص: إنّ عمر الدّولة لا يعدو في الغالب ثلاثة أجيال، فإذا جاء المطالب للدولة من الأعداء بعد تلك الأجيال الثلاثة لم تتمكن الدولة من مدافعته، ويحتاج صاحب الدّولة حينئذ إلى الاستظهار بغير شعبه من أهل النّجدة… حتّى يتأذّن الله بانقراضها، فتذهب الدّولة بما حملت، فهذه كما تراه ثلاثة أجيال فيها يكون هرم الدّولة وتخلّفها، ولهذا كان انقراض الحسب في الجيل الرّابع…
وهذه الأجيال الثّلاثة عمرها مائة وعشرون سنة… ولا تعدو الدّول في الغالب هذا العمر بتقريب قبله أو بعده إلّا إن عرض لها عارض آخر من عدم وجود عدو لها يطالبها، فيكون الهرم حاصلاً مستوليًا عليها حتى لو لم يحضرها العدو، ولو جاء لما وجد مدافعًا (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ).
فهذا العمر للدّولة بمثابة عمر الشّخص من التّزيّد إلى سنّ الوقوف ثمّ إلى سنّ الرّجوع، ولهذا يجري على ألسنة النّاس في المشهور أنّ عمر الدّولة مائة سنة، وهذا معناه فاعتبره واتّخذ منه قانونًا.