حمد العجمي
خاص: ومن مظاهر التغريب السياسي في المملكة العربية السعودية:
4ـ سياسة الإلهاء بالترفيه:
أعلن رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه السعودية، تركي آل الشيخ، في حلف أقيم بالعاصمة الرياض في أواخر شهر يناير 2019، إطلاق استراتيجية جديدة تهدف إلى جعل المملكة من بين أول أربع وجهات ترفيهية في منطقة آسيا، وبين أول عشر على مستوى العالم. ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن تركي آل الشيخ، قوله في مؤتمر صحفي: إن المملكة ستستضيف برنامج “الحصن”، الأشهر عالميا في مسابقات الترفيه، وكذلك العمل على إنتاج برنامج “ذا فويس” بالنسخة السعودية، وإقامة أكبر نسخة من مسابقات البلوت والتركس في 13 منطقة في المملكة، ومسابقة إطلاق المدفع، وركوب الثيران المحترفة، والدخول في مفاوضات لاستقطاب إحدى مباريات دوري السلة الأمريكي “NBA”.
وكما يقول “داريل زانوك” مؤسس شركة الإنتاج الأمريكية “فوكس للقرن العشرين” والذي توفي عام 1979: إنه إذا كان لديك شيء تقوله وتنشره فمن المفيد أن تضعه في جلباب الترفيه، وستجد سوقًا جاهزة والأكثر نجاحًا في تعميم ما تقوله، أو ما تريد ترويجه من أفكار وأيديولوجيات.
هذا تمامًا ما أراده النظام السعودي وهو الترويج لمجتمع آخر غير المجتمع المسلم المحافظ، ولن يقضي على هذا النمط إلا الترفيه، فالجوانب النظرية والسجالات النظرية والعقلية ونشر الكتابات الليبرالية كلها لن تحقق هدف خروج المجتمع عن نمطه المتدين، لكن من خلال القالب الترفيهي يمكن نشر ما تشاء من أفكار وأيدولوجيات حيث تتخلل تلك البرامج الترفيهية العديد من الرسائل التي يمكن أن تغير مجرى التاريخ، وهي عملية تصنيع ثقافة ودمج الأفراد في طريقة حياتها.
ثقافة الإلهاء هي أيضًا سياسة تتبعها الأنظمة الحاكمة لتزييف وعي الناس وتخدير الشعب، بنوعية معينة من المشاكل والمواضيع التي لا تكتسي أهمية حتى تضمن بقاءها في الحكم أكبر قدر ممكن، بعد أن تصنع للرأي العام فضاء له اهتماماته وحدوده ليسهل عليها التحكم فيه وتوجيهه، فهي ثقافة وسياسة تقوم على صناعة الأفكار التي تلهي أكثر مما توقظ، وتسلب أكثر مما تفيد، وإذا كانت الأنظمة الاستبدادية والديكتاتوريات قد استعملت في الماضي الرياضة وكرة القدم تحديدًا لإلهاء شعوبها عن قضاياه الأساسية وجعل الناس لا يهتمون بالحكم ويبتعدون عن الاهتمام بالشأن العام حتى لا يسائلوا من يحكم عن أعماله وسياساته، فإن الأمر قد تطور بما يجعل من الرياضة وسيلة لم تعد تفيد وتنفع في إلهاء الناس اليوم، وهذا يفرض البحث عن إستراتيجية جديدة للتلهية والإلهاء.
في كتابه “أسلحة صامتة لحروب هادئة” يتحدث المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي عن فكرة إلهاء الشعوب والمجتمعات وعن ثقافة السيطرة على الرأي العام والتحكم في توجهاته فيعتبر “أن الإلهاء هو عنصر أساسي لتحقيق الرقابة على المجتمع من خلال تحويل انتباه الرأي العام عن القضايا الهامة وإغراق الناس بوابل متواصل من وسائل الترفيه وحشو ذهنه بكم كبير من المعلومات بعضها صحيح، وأكثرها من الشائعات لتشويش ذهنه، وحصر اهتمامه في كيفية معرفة ما هو الصحيح وما هو الزائف من هذه المعلومات، وهي إستراتيجية ضرورية لمنع الناس من الوصول إلى المعرفة الأساسية، وجعل الرأي العام بعيدًا عن مشاكله الاجتماعية الحقيقية، وهي سياسة الغاية منها جعل الجماهير لا تفكر ولا تسأل ولا تبحث وحصرها في مشاكل ثانوية لا قيمة لها وإيهامه بأنها قضايا كبرى ومهمة” .
وتبدو سياسة الترفيه والإلهاء هي إحدى الوسائل التي أثبتت نجاعتها في دول الجوار وأرد محمد بن سلمان إعادة استنساخها في المملكة، وبالتحديد فإن الإمارات بلغت شأوًا مرتفعا في تلك الصناعة “صناعة الترفيه” حيث تربط بين ولي عهد أبوظبي وولي عهد السعودية علاقة شخصية، وتم التداول في وسائل الإعلام الأمريكية حول تبعية بن سلمان لبن زايد الذي يشير كثير من المحللين أنه صار مرشدا له في كثير من القضايا السياسية.
هذا ما أكدته تسريبات كشفت عنها مجموعة القرصنة التي تطلق على نفسها اسم “غلوبال ليكس”، للسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، بحسب ما كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، وفقاً لنصوص الرسائل التي حصل عليها عبر مجموعة “غلوبال ليكس”.
وفي رسالة أخرى، مرسلة بتاريخ 21 مايو/أيار 2017، يكتب العتيبة، مخاطباً الكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، توم فريدمان، أن “أبوظبي خاضت 200 سنة من الحروب مع السعودية بسبب الوهابية”، مضيفاً “لدينا تاريخ أكثر سوءاً مع السعودية من سوانا”. لكنه سرعان ما يستدرك في الرسالة ذاتها قائلاً “مع محمد بن سلمان نحن نرى تغييراً حقيقيّاً، ولهذا نحن متحمّسون. نحن أخيراً نرى أملاً هناك ونريده أن ينجح”.
ويكشف مصدر للموقع، في هذا السياق، أن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، يعتبر نفسه مرشدًا محمد بن سلمان، وأن الرجلين يعقدان ثلاثة اجتماعات شهريّاً.
وفي رسالة أخرى، خلال شهر مايو 2017، يخاطب العتيبة أحد الموظّفين الكبار في “مركز التقدّم الأمريكي”، قائلاً: “محمد بن سلمان يذكّر بمحمد بن زايد الشاب.. وأجل؛ الأقل خبرة”.
ويؤّكد مصدر مطّلع آخر للموقع، أن وصول بن سلمان إلى منصب وليّ العهد، في وقت سابق من هذا العام، كان بمثابة “فرصة العمر” للإمارات، من أجل دمغ بصمتها على أكبر جيرانها.
وتؤكّد خيوط تسريبات العتيبة، فضلاً عن مصادر متعددة تحدّثت لـ”ميدل إيست آي”، أن السفير الإماراتي نفسه لعب دوراً في تسويق “الأمير السعودي الشاب” للجمهور المشكّك في واشنطن، في حين كان دور السفارة السعودية “سلبيّاً” وغير فاعل تقريباً.
وعلاوة على الدعاية التي أطلقها العتيبة لصالح بن سلمان في واشنطن، تمهيداً لوصوله إلى ولاية العهد، ومن ثمّ إلى سدّة العرش مستقبلاً، لعب السفير الإماراتي أيضاً دوراً أكثر قتامة في إزالة العقبات أمام بن سلمان، وأبرزها بالطبع كان وجود وليّ العهد السابق، محمد بن نايف.
ويبيّن الموقع أن العتيبة مارس ألاعيبه السياسية داخل العائلة الملكية السعودية نفسها، وكان على دراية بأن الأمير الشاب يواجه معضلة التغلب على محمد بن نايف.
وقبل أكثر من عام من إقالة بن نايف، بسبب “الإدمان على المسكّنات” التي زعموا أنّها تؤثّر على اتّخاذه القرارات، بدأ العتيبة حملة تأثير في واشنطن عبر إثارة شائعات حول الحالة العقليّة لبن نايف.