اعتبر خبراء دوليون أن إحجام الرئيس الأمريكي جو بايدن عن محاسبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يمثلا إخفاقا لسياساته بعد عام على تسلمه الحكم في البيت الأبيض.
جاء ذلك في تقيّيم باحثو مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي لكيفية تعاطي إدارة بايدن مع الشرق الأوسط بعد مرور عام على تسلّمها سُدة الحكم.
وقالت سارة يركيس الباحثة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي، إن المقاربة التي اعتمدتها إدارة بايدن حتى الآن في التعاطي مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مخيّبة للآمال في نظر الأشخاص الذين توقّعوا إحداث قطيعة حادّة مع أسلوب التعاطي الذي كان سائدًا في عهد ترامب.
وذكرت يركيس أنه صحيحٌ أن الرئيس بايدن تعهّد في أكثر من مناسبة بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، ولا سيما في الشرق الأوسط، إلا أنه لم ينفّذ هذا الوعد.
إذ اتخذت الإدارة الأميركية خطوات صغيرة جدًّا نحو إعادة إدراج القيم ضمن المقاربة الأميركية تجاه المنطقة، لكن في الغالب، ظلّ وقع هذه الإجراءات ضئيلًا أمام مؤشرات وسياسات أوسع تُبيِّن بوضوح أن جزءًا كبيرًا من التزام واشنطن بالديمقراطية وحقوق الإنسان هو مجرّد كلام فارغ.
ففي السعودية، رفض بايدن التواصل شخصيًا مع محمد بن سلمان، لكنه أحجم أيضًا عن محاسبته عن مقتل جمال خاشقجي، على الرغم من تأكيد الاستخبارات الأميركية تواطؤ ولي العهد السعودي.
ولم يكن القرار الذي اتخذته الإدارة الأميركية بتجميد مبلغ 130 مليون دولار أميركي من رزمة المساعدات المخصصة لمصر والبالغة قيمتها 1.3 مليار دولار، عند حسن ظن النشطاء الحقوقيين المصريين والأميركيين، ولم ينجح في توجيه رسالة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي مفادها بأنه لن يتلقّى بعد الآن “شيكات على بياض”.
من جهتها قالت ياسمين فاروق الباحثة غير المقيمة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي، إن تصريح لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن “الشراكة مع المملكة العربية السعودية قوية ومهمة”، ملخصًا بقوله هذا سياسة بايدن المتمثلة في “إعادة توجيه” دفة العلاقات مع المملكة بعد مضي عام على تسلّمها سُدة الرئاسة.
وذكرت فاروق أن إدارة بايدن بدأت ولايتها بالتركيز على دور القيم في السياسة الخارجية عمومًا، وفي التعامل مع السعودية خصوصًا.
لكن يبدو أن العام الأول من الولاية الراهنة سينتهي من خلال التأكيد على أن الولايات المتحدة “تعود إلى الأسس” في علاقتها مع شركائها في المنطقة. لكن القيم لم تكن يومًا من بين أسس علاقاتها مع السعودية، بحسب فاروق.
وأشارت إلى أنه على الرغم من أن الرئيس بايدن قلّل بشكل كبير من زخم العلاقة مع الرياض ووصل إلى حدّ زعزعتها، سُرعان ما أدركت إدارته أن عليها تخفيف الضغط على المملكة، لأنها لا تزال تحتاج إلى التعاون معها في الشرق الأوسط وخارجه.
واقع الحال أن ثمة عوامل عدّة تحتّم وجود علاقات ودية مع القيادة السعودية، ومنها: مواجهة النفوذ الصيني، وإرساء استقرار في أسعار النفط من أجل “إعادة البناء بشكل أفضل”، وإثبات أن الديمقراطية قادرة على تحقيق النتائج المرجوة، وإبرام اتفاق مع إيران، والحفاظ على دعم الكونغرس من خلال التوصل مثلًا إلى حلٍّ للصراع في اليمن.
أدركت الرياض بدورها أن تعزيز الشراكة الأميركية مع دول خليجية أخرى يسهم في تنحيتها جانبًا، إذ لم تعد المملكة تؤدّي دورًا حيويًا ولا غنى عنه للولايات المتحدة كما كان عليه الحال في السابق، وبالتالي بات عليها تقديم تنازلات من أجل الحفاظ على الدعم الأميركي في وقت هي في أمسّ الحاجة إليه.
في هذا الإطار، قامت السعودية بالإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين، وخففت من حدّة سياستها الخارجية المتشدّدة، حتى إنها أطلقت مبادرتَين في مجال المناخ، في خطوة تتماشى مع تركيز بايدن على قضية التغيّر المناخي. لكنها سعت في غضون ذلك إلى تنويع علاقاتها الدولية، ما يشير إلى أنها لن تجاري واشنطن في سياساتها المتعلقة بالنفط أو الصين أو حتى اليمن.
إذًا، يبدو أن الطرفَين يحاولان التوصّل إلى حلٍّ وسط يخدم مصالحهما. لكن بايدن وعد خلال حملته الانتخابية بأنه سيبذل قصارى جهده لكبح جماح المملكة. وبتنا ندرك الآن أن هذا لن يحدث.