يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق ما تعهد به قبل توليه الحكم وأثناء حملته الانتخابية، تجاه المملكة السعودية متبعا سياسة “التهليب”، حيث وصف المملكة بـ”البقرة الحلوب” التي تدر ذهبا ودولارات بحسب الطلب الأمريكي. مطالباً النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروته كبدل عن الحماية التي تقدمها القوات الأمريكية لآل سعود داخلياً وخارجياً.

خطوات ترامب تجاه السعودية بدأت من نقلها من خانة المعاداة والتصعيد ضدها خلال حملته الانتخابية إلى مربع التحالف بعد تولية الحكم، ليواصل إصراره على دعم المملكة في حربها التي تخوضها في اليمن عسكريا وسياسيا، في ظل خشية السعودية من وقف ذلك الدعم، الذي قد يغير معادلات المعارك على الأرض.

ترامب يتحدى

ففي الوقت الذي يرى الكونجرس الأمريكي ضرورة موافقته على مشاركة بلاده في حرب اليمن وفق الدستور، فإن الإدارة الأمريكية ترى أنها تقدم فقط الدعم اللوجستي للحلفاء وتعتبر الأمر قانونيا، وضمن صلاحيات الرئيس الذي هدد باستخدام حق النقض “الفيتو” بعدما صوّت الكونجرس الأمريكي للمرة الثانية لصالح قرار بوقف الدعم الأمريكي للتحالف في حربه باليمن.

وتعهد ترامب بمنع تمرير المشروع كقانون، رغم تصويت أعضاء الشيوخ الأمريكي بأغلبية 54 صوتا مقابل 46 في المجلس المؤلف من 100 عضو لصالح مشروع القانون، الذي ينص على أن تقوم إدارة الرئيس ترامب خلال 30 يومًا بإنهاء الدعم المقدم للغارات الجوية التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية، ولكافة الوحدات الموجودة باليمن، ما دام أنها لا تحارب تنظيم “القاعدة” هناك.

حليفه النفطي

بدوره، أرجع السياسي اليمني علي الشريف، إصرار ترامب على مساعدة السعودية لتفسير واحد فقط وهو “التفسير الاقتصادي”، مشيراً إلى أن هذا ما يعول عليه ترامب من عائدات بيع الأسلحة للسعودية التي تعد حليفه النفطي.

الشريف أكد لـ”الاستقلال” أن الأمريكيين ليس لهم رؤية محددة في اليمن إلا أن تبقى منطقة نزاع وحرب مسيطر عليها ولا تهدد الممرات الدولية، وباب المندب على وجه التحديد؛ لأنه معلوم أنه ممر دولي مهم وبالتالي ما يهمها هو أن يبقى البحر أمناً، وألا تكون المصالح الأمريكية مهددة من هذه الحرب.

وحسب ياسين التميمي الكاتب والمحلل السياسي اليمني، فإن “هناك غطاءً واسعًا تقدمه إدارة ترامب للسعودية والإمارات في حربهما العبثية في اليمن، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بسياسة ترامب القائمة على مبدأ جني الأرباح وحلب البقرة النفطية وقتلها في نفس الوقت”.

وأشار في حديث لـ”الاستقلال” إلى أن إدارة ترامب تلعب على مخاوف السعودية المتصلة بنفوذ إيران، الذي تنامى نتيجة دعم الإدارة الأمريكية السابقة وتوجهاتها حيال الشرق الأوسط. مضيفا: “ليس هناك ما يدل على أن من أولويات إدارة ترامب تقسيم اليمن، لكنها لن تقف عائقا أمام مخطط كهذا إذا اقتضت المصالح الاقتصادية المشتركة والهائلة مع المملكة العربية السعودية ذلك”.

وتابع: “لا يجب أن ننسى أن ترامب عقد صفقته المليارية مع الرياض ولن يتخلى عنها بسهولة، لكن السياسات الكارثية للنظام السعودي قد تؤدي على ما يبدو إلى إهدار هذا الدعم الذي يقدمه ترامب رغم معارضة الكونجرس بمجلسيه للحرب الدائرة في اليمن.

ولفت محمد الأحمدي الناشط الحقوقي اليمني، إلى أن إصرار إدارة ترمب على دعم السعودية والإمارات في حرب اليمن يؤكد حالة الارتباك التي تعيشها مؤسسات القرار في الولايات المتحدة الأمريكية.

وأكد لـ”الاستقلال” أن هناك رغبة لدى إدارة ترامب في استمرار المأساة اليمنية وإطالة أمد الصراع؛ لجني المزيد من الأموال لقاء صفقات الأسلحة، وعدم اكتراث الولايات المتحدة بجرائم القتل ضد المدنيين وانتهاكات حقوق الإنسان.

وأشار “الأحمدي” إلى أن هذا الموقف يكشف ازدواجية الولايات المتحدة الأمريكية في التعاطي مع قضايا السلم وحقوق الإنسان بصفة عامة، قائلاً: “في الوقت الذي ظلت واشنطن على مدى سنوات توفر الغطاء السياسي لجماعة الحوثيين وصولا إلى انقلابها على السلطة الشرعية، رغبة منها في توظيفها كأداة في ملفات الحرب على الإرهاب، تعود مجددا لمحاولة إنقاذ المليشيا الحوثية من خلال مبادرات سياسية أطلقها وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري تضمن مكافأة الحوثيين على العنف وتقويض الدولة وسيادة القانون”.

وتابع: “لطالما كان التدخل الأمريكي في اليمن سلبيا للغاية، بدءا بعسكرة العلاقة واختزالها في ملف الحرب على الإرهاب، مرورا بالانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وانتهاك السيادة اليمنية، وصولا إلى دعم ومساندة مليشيا الحوثي للقيام بالانقلاب وجر البلاد إلى أتون الفوضى والعنف والتقسيم، ومؤخراً الإصرار على دعم حرب السعودية والإمارات التي تحولت إلى عبء على اليمنيين في نضالهم لاستعادة الدولة وإسقاط الانقلاب والمشاريع الطائفية والعنصرية”.

صفقات السلاح

منذ أن انتقلت السلطة إلى إدارة ترامب توالى توقيع المزيد من صفقات بيع الأسلحة الأمريكية للخليج العربي، وخاصة السعودية منها مناطيد مراقبة عسكرية بمبلغ وصل إلى نحو 500 مليون دولار، وسط توقعات بتوقيع المزيد رغم رفض نواب جمهوريين وديمقراطيين لتلك الصفقات، وإعلان رغبتهم بفرض مزيد من القيود على مبيعات الأسلحة للرياض.

وقبل عامين، كشفت صحيفة الواشنطن تايمز الأمريكية، أن ترامب سيوافق على صفقة أسلحة للسعودية والبحرين سبق أن منعها سلفه باراك أوباما، بذريعة حقوق الإنسان في البلدين.

وتؤكد الصحيفة أن الصفقة تشمل تكنولوجيا الصواريخ الموجهة بدقة، والتي من المقرر أن تشتريها السعودية، وأيضاً صفقة طائرات إف 16 للبحرين، وأن الصفقة بانتظار توقيع ترامب فقط.

تلقوا رشاوى

العام الماضي، دار سجال أيضا بمجلس الشيوخ الأمريكي حول الدعم العسكري الأمريكي للسعودية في حربها عن اليمن، وكشفت مجلة نيوز ويك الأمريكية نقلا عن تقرير لمركز السياسات الدولية أن 5 مشرعين جمهوريين أمريكيين – على الأقل – ممن صوتوا ضد قرار وقف الدعم العسكري الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن “تلقوا أموالاً سعودية من جماعات ضغط تعمل لصالح المملكة”.

وذكرت المجلة أن نواباً ديمقراطيين كانوا قد تلقوا هم أيضاً مثل هذه الأموال العام الماضي، مشيرة إلى أن ما تم كشفه يوضح كيفية تبديد المملكة ثروتها الهائلة بهدف التأثير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وأوضحت المجلة أن السعودية أنفقت العام الماضي حوالي 27 مليون دولار لصالح جماعات الضغط، وأن سجلات وزارة العدل تظهر أن الرياض دفعت نحو 7 ملايين دولار لـ”وكلاء أجانب خلال العام الحالي”.

ولم تكن رشاوى الكونجرس هي الوحيدة التي كشفها الإعلام الأمريكي، فقد كشف تقرير لصحيفة نيويورك بوست الأمريكية، أن الجامعات والكليات الأمريكية تلقت أكثر من 350 مليون دولار من الحكومة السعودية طوال عقد كامل.

زبون مثالي

ذكر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبيري” في تقرير له الشهر الجاري، أن الولايات المتحدة، صدَّرت أكثر من ثلث الأسلحة العالمية خلال السنوات الخمس الماضية، مما يعزز دورها كأكبر بائع للأسلحة في العالم، مشيرا إلى أن أكثر من نصف المبيعات الأمريكية ذهبت إلى منطقة الشرق الأوسط، فحصلت السعودية وحدها على 22% من إجمالي المبيعات الأمريكية، مما يجعلها السوق الأكثر أهمية بالنسبة لأمريكا.

وكانت المملكة العربية السعودية أكبر مستورد للأسلحة في العالم خلال هذه الفترة، حيث استحوذت على 12% من الواردات العالمية.

كما كشفت تقارير سابقة، أن حجم صادرات السلاح الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية خلال فترة 2015 – 2017 بلغ أكثر من 43 مليار دولار، وشملت معدات وأسلحة عسكرية ومروحيات وسفن حربية ودبابات آبراهامز إضافة إلى طائرات حربية. ووقعت السعودية كذلك صفقة مع الولايات المتحدة لتوريد كميات مختلفة من المنظومات الصاروخية الدفاعية ومعدات لها.

وفي مارس/آذار الحالي أيضا، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن الشركة الأمريكية لوكهيد مارتن- أكبر شركة للصناعات العسكرية في العالم من حيث الدخل- ستحصل على دفعة أولى من منظومة دفاع صاروخي في السعودية بقيمة 15 مليار دولار، في إطار حزمة أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار قالت إدارة ترامب إنها تفاوضت مع المملكة عليها في 2017، ومنح البنتاجون 946 مليون دولار دفعة أولى للوكهيد مارتن.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وقع مسؤولون سعوديون وأمريكيون خطابات العرض والقبول فيما يضفي الطابع الرسمي على شروط شراء السعودية 44 قاذفة صواريخ ثاد إلى جانب صواريخ ومعدات أخرى ذات صلة.

وكانت إدارة ترامب وشركات صناعة السلاح الأمريكية قد سعت على مدار العام الماضي، لإنقاذ الاتفاقات الفعلية القليلة ضمن حزمة صفقات أسلحة للسعودية بقيمة 110 مليارات دولار، جرى الترويج لها كثيرا وسط تزايد المخاوف بشأن دور القيادة السعودية في مقتل الصحفي جمال خاشقجي.

نفاق غربي

باتريك ويلكين -المتخصص في الحد من التسلح في منظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان- أشار في تصريحاته لموقع ميدل إيست أي البريطاني، إلى أن تسلُّيح الحكومات في الشرق الأوسط المضطرب يثير جدلاً متزايداً في الغرب، ملمّحا إلى استخدام تلك الأسلحة في حملة القمع ضد المعارضين في مصر والحرب التي تقودها السعودية في اليمن، منتقدا ما وصفه “نفاق” الحكومات الغربية لعدم الالتزام بقواعدها عن طريق الاستمرار في تزويد القادة السلطويين الذين يرتكبون إساءاتٍ أو انتهاكات ضد شعوبهم في أوقات الحرب.