كشفت مصادر مطلعة عن خفايا صراع نفوذ تتصاعد وتيرته بين كل من بدر العساكر وسعود القحطاني وكلاهما من الدائرة الضيقة لولي العهد محمد بن سلمان.
وذكرت المصادر أن حالة ارتباك شديد وصدامات يومية تسود عمل الديوان الملكي بفعل الصراع والتنافس بين العساكر والقحطاني ومحاولة كل منهما الإمساك بمقاليد السيطرة على حساب الآخر، بحسب ما نقله موقع “ويكليكس السعودية”.
وأوضحت المصادر أن العساكر والقحطاني ينظر كل منهما للآخر بعداء وحقد شديدين ويكيدان لبعضهما للتفرد في دائرة القرار في دائرة بن سلمان والفوز بصلاحيات أكبر وهو ما يؤثر سلبا على آليات صنع القرار وتنفيذه.
ودفع ذلك إلى صراع نفوذ بين جناحين: جناح القحطاني وجناح العساكر؛ إذ إنّ الذين يعملون تحت إمرة الأول لا يمكنهم العمل مع الثاني إلا إذا طلبهم ولي العهد بالاسم، بالرغم من أنّ القحطاني كان عضواً في مؤسسات محمد بن سلمان الخيرية التي يشرف عليها العساكر بنفسه.
ويشغل بدر العساكر منصب مدير المكتب الخاص لمحمد بن سلمان للشؤون الخاصة ومدير مؤسسة مسك التابعة مباشرة لولي العهد ولها سجل أسود في جرائم تجسس واغتيالات وسط سمعة ملطخة في المحافل الدولية.
من جهة القحطاني فإنه يعد من أشد المقربين من بن سلمان وتم الكشف مؤخرا عن عودته لممارسة مهامه من داخل مكتبه بالديوان الملكي بعد تواريه عن الأنظار وعمله عن بُعد لعدة شهور طويلة.
وبحسب المصادر فإن القحطاني يتهم العساكر بالمساهمة في تشويه سمعته والتحريض عليه خلال إبعاده عن عمله بعد تورطه بشكل مباشر في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في اسطنبول التركية مطلع تشرين أول/أكتوبر 2018.
وكان القحطاني، المتهم بإدارة جريمة عملية اغتيال خاشقجي أُعفي من مهامه كمستشار للديوان الملكي بعد الجريمة.
وتوارى القحطاني عن الأنظار بعد إعفائه من مهامه، لكن النيابة العامة السعودية أصدرت قرار تبرئته من عملية الاغتيال، أواخر 2019، ما جعله يحاول العودة مجددا إلى الصفوف الأمامية.
كما أن القحطاني ثبت وقوفه وراء العديد من جرائم التعذيب بحق الناشطات المعتقلات بالسجون السعودية، وتهديده إياهن بالاغتصاب، وتأسيس الجيش الإلكتروني السعودي (الذباب الإلكتروني) لممارسة حملة تشويه ممنهجة ضد معارضي النظام السعودي على شبكات التواصل الاجتماعي.
وكان العساكر من أشد المحرضين على إبعاد القحطاني نهائيا عن المشهد ودوائر صنع القرار بدعوى تحسين سمعة صورة بن سلمان.
غير أن فضيحة التجسس السعودية على حسابات معارضة ومناوئة للرياض في موقع “تويتر”، والتي كان بطلَها بدر العساكر، وموظفان في شركة “تويتر” هما اللبناني الأميركي أحمد أبو عمو والسعودي علي آل زبارة، أعادت تسليط الضوء على العساكر وضرب الصورة التي سعى لأن يرسمها لنفسه في المشهد المحلي والعالمي.
وحاول العساكر تقديم نفسه إلى الإعلام الغربي وإلى المؤسسات المدنية ومجتمع ريادة الأعمال العالمي، كرجل متعلم ومتزن داخل دهاليز أروقة الحكم السعودي، التي تميزت بالطيش واتخاذ القرارات الارتجالية على يد سعود القحطاني.
لكن تبيّن أنّ العساكر تورّط في فضيحة تجسس تعدّ الأكبر في تاريخ البلاد، وساهمت في مزيد من تشويه صورة بن سلمان، بعد مقتل خاشقجي واعتقال وتعذيب المئات من الناشطين والناشطات داخل السجون السعودية.
وبينما كان ولي العهد السعودي يتذرع بوجود “فرقة مارقة” قامت بتنفيذ عملية اغتيال خاشقجي وتقطيع جثته، فإنه يجد نفسه في وضع محرج للتبرؤ من أفعال العساكر التي تسببت بمقتل أحد المغردين وهو تركي الجاسر، صاحب حساب “كشكول” الذي كشف موظفا “تويتر” المتآمران مع النظام السعودي عن هويته.
وتعرّف العساكر على الأمير محمد بن سلمان عام 2006 أثناء اجتماع لغرفة التجارة في العاصمة السعودية الرياض، بحسب ما رواه العساكر بنفسه للإعلامي السعودي عبد الله المديفر في برنامج “الليوان”، إذ كان الأمير الشاب قد بدأ تواً في العمل بالتجارة والاستفادة من نفوذ والده الذي كان أمير الرياض حينها لمضاعفة ثروته.
وتطورت العلاقة ليصبح العساكر وكيلاً تجارياً للعائلة ومشرفاً على مؤسسات سلمان بن عبد العزيز وابنه، التي بدأت تتنامى وتكبر ابتداءً من سلسلة المدارس الخاصة التي يمتلكها الأمير والتي تعدّ الأرقى على مستوى البلاد، وانتهاءً بشركات التطوير العقاري الضخمة وأهمها شركة “رافال” التي حولت بن سلمان إلى أحد أهم رجال الأعمال في البلاد.
كما يدير العساكر أصول وثروات بن سلمان ووالده في الخارج، إذ تكرر اسمه بشكل كبير في عدد من الوثائق التي تشير إلى بذخ حياة بن سلمان في شرائه للقصور واليخوت واللوحات الفنية الغالية.
وبعد تولّي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في البلاد مطلع عام 2015، وتعيين نجله محمد كوزير للدفاع، وتوليه الملفات الاقتصادية والسياسية الكبرى، بدأ العساكر مهمته في بناء فريق إعلامي يروج لبن سلمان ويحاول تلميع صورته في الطريق لإيصاله إلى كرسي ولاية العهد ومن ثمّ إلى كرسي الحكم.
وكان ذلك يتم عبر مؤسسة “مسك” الخيرية التي استقطبت مئات الإعلاميين والمشاهير الشباب، وقامت بعقد مبادرات ضخمة، حتى وُصفت من قبل الإعلام السعودي بأنها “ذراع ناعمة” للمملكة.
لكن خلف الذراع الناعمة هذه، كانت هناك قبضة من حديد، إذ تبين أنّ مؤسسة “مسك” كانت واجهة لاستخدامات تجسسية ضد الآلاف من الحسابات المعارضة للرياض أو الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله.
إذ نجح أحمد الجبرين المطيري بتجنيد اللبناني الأميركي أحمد أبو عمو والسعودي علي آل زبارة للتجسس والوصول إلى أكثر من 6 آلاف حساب على موقع “تويتر” مقابل مكافآت مالية وهدايا قيمة، كما أثبتت تحقيقات المكتب الفيدرالي الأميركي، عقب اعتقال أبو عمو ووضع آل الزبارة والجبرين على قوائم المطلوبين.
وتسلّل الموظفان اللذان يأتمران بأمر بدر العساكر إلى حسابات عدد من المعارضين السعوديين، من أبرزهم المعارض الشاب المقيم في كندا عمر بن عبد العزيز الزهراني، والذي كان مقرباً من جمال خاشقجي. كما تسببت العملية التجسسية التي رعاها العساكر، بكشف بيانات واعتقال الكاتب تركي الجاسر والذي تقول منظمات معارضة وصحف غربية أبرزها صحيفة “مترو” البريطانية، إنّه تعرض للقتل داخل السجون السعودية بسبب إدارته لحساب وهمي معارض اسمه “كشكول”.
ونجح العساكر في بناء فريق تقني قوي، شبيه بالذباب الإلكتروني الذي قام المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني ببنائه. لكن العساكر بقي طوال الوقت حذراً وغير مندفع كما هو الحال مع القحطاني، إذ كان يخفي نشاطاته بواجهة تطوعية وخيرية كبيرة وهي مؤسسة “مسك” الخيرية.
كما أن لغة خطابه وعدم اندفاعه، وتعاونه مع كبرى المؤسسات التعليمية والأكاديمية في العالم، وإشرافه على زيارات بن سلمان لكبريات الشركات العالمية، أدت إلى بروزه بصورة المستشار الذي يمكن الاعتماد عليه والتحاور معه.
لكن الأمور لم تكن كذلك أبداً، بحسب مصدر إعلامي كان مقرباً من مؤسسة “مسك”، أشار إلى أنّ العساكر كان يملك فريقه التقني الخاص، والذي يتجسس به على المغردين ويتعامل مع جهاز أمن الدولة المرتبط أصلاً بمكتب بن سلمان الذي يديره العساكر بنفسه؛ ما يعني أنّ الأخير يساهم بشكل كبير في إدارة جهاز أمن الدولة سيئ الصيت، وتسبب بمقتل واختفاء الكثير من المعتقلين.
وقال المصدر، الذي سبق له أن عمل في جائزة الملك عبد العزيز للأدب الشعبي، وهي جائزة يشرف عليها بن سلمان أيضاً، إضافة إلى أنه كان مقرباً من العساكر بشكل شخصي حسب وصفه، إنّ الأخير “أذكى بكثير من القحطاني”.
وأضاف: “كان العساكر أقلّ اندفاعاً وأكثر جاذبية وابتسامة، ولم يكن على وفاق مع القحطاني بسبب اتباع الأول للأساليب الأمنية السعودية القديمة في الاعتقال والتجسس بدون إثارة ضجة كبرى، فيما كان القحطاني مندفعاً بشكل كبير. وهو ما جعل العساكر يتوقف عن الدفاع عن الهجمات المتكررة على القحطاني في الإعلام العالمي على الرغم من مقدرته على الحد منها بسبب علاقاته الواسعة”.
ولفت المصدر إلى أنّ العساكر كان يحاول تصوير القحطاني وتركي آل الشيخ على أنهما “اليد القذرة”، وأنه يترفع عن الإتيان بأفعالهما، لكن أي شيء من هذا لم يكن صحيحاً.