عدّد بريان كاتوليس، وهو زميل أول في “معهد الشرق الأوسط بواشنطن” (MEI)، خمسة عوامل قال إنه يجب مراقبتها بينما تواصل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن جهودها لتحقيق اختراق دبلوماسي كبير في الشرق الأوسط عبر تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، بحسب تحليل ترجمه “الخليج الجديد”.

وعلى مدار أشهر، أفادت تقارير إعلامية أمريكية وإسرائيلية بأن المملكة عرضت إمكانية تطبيع علاقتها مع إسرائيل، مقابل توقيع اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة والحصول على أسلحة متطورة ودعم أمريكي لبرنامج نووي مدني، بالإضافة إلى تنازلات إسرائيلية لصالح الشعب الفلسطيني.

ولا ترتبط السعودية بعلاقات رسمية معلنة مع إسرائيل، وترهن إقامة علاقات معها بانسحابها من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين. وتحظى المملكة بمكانة بارزة في العالمين الإسلامي والعربي وتمتلك قدرات اقتصادية ضخمة كدولة ثرية وغنية بالنفط.

والعوامل الخمس بحسب كاتوليس هي:

 

1- العلاقات الأمريكية السعودية:

اعتبر كاتوليس أن المناقشات الأمريكية السعودية لتعزيز العلاقات في مجالات، بينها التعاون الأمني والنووي المدني والطاقة والاقتصاد والتكنولوجيا، “هي علامة إيجابية على تحسن العلاقات مقارنة بالوضع في بداية إدارة بايدن (2021)”.

واستدرك: “لكن انعدام الثقة بين البلدين لا يزال كبيرا (…)، وتشير تقارير صحفية إلى أن فريق بايدن يناقش مسألتين ساخنتين، هما مبيعات الأسلحة والتعاون النووي المدني المحتمل مع السعودية، واللتين أثارتا نقاشات في الكونجرس”.

ورأى أن “التقدم نحو صفقة بوساطة أمريكية بين إسرائيل والسعودية لا يتطلب إصلاح جميع التحديات في العلاقة الأمريكية السعودية، لكنه يتطلب جهدا أوسع داخل البلدين لوضع العلاقة على أسس أكثر استقرارا”.

 

2- العلاقات الأمريكية الإسرائيلية:

“العلاقة الثنائية الأخرى التي تعاني من عجز كبير في الثقة هي العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، ويرتبط الكثير من هذا بشخصية رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو”، وفقا لكاتوليس.

وأضاف: “الكثيرون في إدارة بايدن وحزبه الديمقراطي ينظرون إلى نتنياهو على أنه غير جدير بالثقة وغير موثوق به”.

وتابع أن “حكومة نتنياهو (يمينية متطرفة) أثارت أيضا (عبر مشاريع قوانين تعديل القضاء المثيرة للجدل) توترات بشأن ديمقراطية إسرائيل ونقاشات محتدمة حول العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، حتى بين الدوائر الانتخابية الرئيسية مثل الجماعات اليهودية الأمريكية”.

وأضف إلى ذلك خطوات اتخذتها إسرائيل واعتُبرت غير متوافقة مع سياسات الولايات المتحدة، وبينها رفض تل أبيب دعم أوكرانيا بالسلاح في حربها ضد روسيا وتعزيز العلاقات مع الصين، كما تابع كاتوليس.

وأردف: “كما أدت التحركات الإسرائيلية الأخيرة في الضفة الغربية والقدس إلى إبطاء التقدم في تعميق التطبيع (بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والسودان) من خلال اتفاقيات إبراهيم لعام 2020، ما يقوض جهود إدارة بايدن للبناء على إنجاز رئيسي في عهد (سلفه دونالد) ترامب (2017-2021)”.

 

3-  قضية فلسطين:

بحسب كاتوليس فإن “قضية فلسطين غالبا ما تم دفعها إلى الهامش أو رفضها باعتبارها غير مهمة، لكن عدم إحراز تقدم فيها أفسد الجهود الدبلوماسية الأمريكية السابقة على الجبهة العربية الإسرائيلية لأكثر من 40 عاما حتى الآن”.

وشدد على أن “اتفاقيات التطبيع التي تتجاهل مركزية الفلسطينيين سيكون لها منافع محتملة محدودة للغاية”، واعتبر أن “احتمالية تحرك السعودية (نحو التطبيع مع إسرائيل) تبدو أقل من السرعة التي تحركت بها الإمارات والبحرين والمغرب”.

كاتوليس أرجع ذلك إلى أن “السعودية ارتكبت أخطاء عديدة غير مقصودة على مدى السنوات الخمس الماضية، بينها في اليمن ولبنان وقطر؛ ما يجعل السياسة الخارجية الإقليمية السعودية أكثر حذرا”.

وزاد بأنه “لا يمكن للمملكة أن تتحمل مخاطر اتخاذ خطوات دون إحراز تقدم كبير على الجبهة الفلسطينية، وهي مخاطر تشمل المعارضة من الداخل وانتقادات شديدة من الدول العربية الرائدة الأخرى وذات الأغلبية المسلمة التي تتطلع إلى الرياض كقائدة، كما أن السعودية تشعر بالقلق من حدوث رد فعل سلبي محتمل من جهات فاعلة إقليمية مثل إيران وشبكة وكلائها من الجماعات مثل حزب الله اللبناني”.

 

4-  الظروف الإقليمية والجيوسياسية الأوسع:

حاليا يمر الشرق الأوسط الكبير، وفقا لكاتوليس، بـ”مرحلة هشة، إذ يشير البعض إلى خفض التصعيد ويثير البعض الآخر مخاوف بشأن عدم الاستقرار”.

وأردف: “اتخذت السعودية ودول أخرى مثل الإمارات خطوات لتهدئة التوترات مع إيران عبر الدبلوماسية، حتى مع استمرار إيران في اتخاذ إجراءات تقوض الاستقرار الإقليمي، كما يدخل البرنامج النووي الإيراني مزيدا من عدم اليقين”.

وتتهم عواصم إقليمية وغربية، بينها الرياض وتل أبيب وواشنطن، طهران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة، والسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول طهران إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار وإن برنامجها النووي مصمم للأغراض السلمية بما فيها توليد الكهرباء.

و”لا تبدو البيئة الجيوسياسية الأوسع مفيدة لصنع السلام كما كانت عندما تم إحراز تقدم كبير في التسعينيات (من القرن العشرين)، عندما كان الكثيرون ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها لا تمتلك منافسين استراتيجيين رئيسيين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي (1991)”، بحسب كاتوليس.

واستطرد: “أما الآن، فالمشهد الاستراتيجي العالمي تم تأطيره بمنافسة متزايدة بين الصين والولايات المتحدة وروسيا وأوروبا وعدد متزايد من القوى الصاعدة الأخرى (…)؛ مما يعني أن كل خطوة دبلوماسية على الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية والسعودية يجب أن تأخذ في الحسبان الآثار المترتبة بالنسبة لأجزاء أخرى من الشرق الأوسط والسياق الجيوسياسي الأوسع”.

 

5- الانقسامات السياسية والانتخابات الأمريكية:

أما العامل الأخير، كما أضاف كاتوليس، فهو السياسة الأمريكية وانتخابات الرئاسة في 2024، إذ يعتقد البعض في فريق بايدن أن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل “قد يضعف الجهود غير المفيدة التي يبذلها القادة السياسيون في البلدين لاتخاذ قرارات يمكن أن تقوض فرص إعادة انتخاب بايدن”.

وزاد بأن “الوضع الحالي للحزب الجمهوري، فضلا عن المشهد الإعلامي والسياسي الذي يشجع الانقسامات، ربما يعني أن كل خطوة يقوم بها فريق بايدن على جبهة الشرق الأوسط المشحونة ستستخدم ضده على الأرجح من جانب قادة جمهوريين”.

و”جميع قضايا سياسة الشرق الأوسط تقريبا هي نقاش سياسي نخبوي في الولايات المتحدة اليوم، إذ إن معظم الناخبين غير مهتمين بما يحدث في المنطقة هذه الأيام بالطريقة التي كانوا عليها سابقا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول 2001) وحرب العراق في 2003″، وفقا لكاتوليس.