كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، عن وجود خلافات متفاقمة بين الحليفين الخليجيين السعودية والإمارات بسبب تباين مصالح الدولتين في ملفات النفط والاستثمارات الخارجية والحرب في اليمن.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين خليجيين قولهم إن الرئيس الإماراتي محمد بن زايد وولي العهد السعودي أصبحا يتجنبان عن عمد حضور أي مناسبات أو أحداث تكون برعاية أحدهما.

واستشهدت الصحيفة بعدم حضور كبار زعماء الإمارات البارزين قمة صينية عربية رفيعة المستوى في الرياض، وغياب محمد بن سلمان قمة لقادة الشرق الأوسط في أبوظبي.

وأوضحت الصحيفة أن الخلافات بشأن 3 ملفات هي التنافس على الاستثمار الأجنبي والنفوذ في أسواق النفط العالمية ومسار الحرب في اليمن، كانت حبيسة الغرف المغلقة لكنها بدأت تتسرب بشكل متزايد للعلن، ما يهدد.

ولفتت إلى أن هذا الخلافات المتفاقمة بين الرياض وأبوظبي تهدد بإعادة ترتيب التحالفات في الخليج العربي الغني بالطاقة في وقت تحاول فيه إيران ممارسة المزيد من النفوذ عبر المنطقة، كما تسببت الحرب الروسية في أوكرانيا بارتفاع أسعار النفط الخام وخلط الأوراق في عملية صنع القرار في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).

وكشفت مصادر مطلعة تحدثت إلى الصحيفة عن فشل مساعي مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، وهو المقرّب من بن سلمان لاحتواء الخلافات المتفاقمة بين الرياض وأبوظبي.

ووفق المصادر المذكورة زار الشيخ طحنون بن زايد السعودية عدة مرات من أجل لقاء ولي العهد السعودي لمناقشة الملفات الخلافية، إحداها كانت بعد قمة أبوظبي في يناير؛ لكنه لم يتمكّن من تأمين مقابلة مع ولي العهد السعودي.

ولفتت الصحيفة إلى أنّ بن زايد (61 عاما) وبن سلمان (37 عاما)، اللذين كانت تجمعهما علاقة وطيدة، وكان من المعروف أن الأول هو مرشد الثاني، وقبل سنوات جمعتهما رحلة تخييم ليلية في الصحراء السعودية الشاسعة، برفقة صقور مدربة وحاشية صغيرة، بدءا بالتباعد تدريجيًّا مع اختلاف وجهات النظر حول القيادة، ومع تجنّب بن زايد حقيقة وقوع بن سلمان تحت “تدقيق” مستمر على الصعيد الدولي.

وقالت دينا اسفندياري، كبيرة مستشاري الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية: حتى سنوات قليلة مضت، لم يكن هذا النوع من الانقسام (بين بن زايد وبن سلمان)

وأضافت “كان السعي الصريح لتحقيق أهداف تتعارض مع ما يسعى إليه الجانبين أمرًا غير مسموع.. لكن الآن الأمر أصبح طبيعيًا بشكل متزايد.”

في تغريدة في فبراير/شباط، أعاد أنور قرقاش، مستشار السياسة الخارجية الإماراتي للشيخ محمد بن زايد، التأكيد على وحدة الإمارات مع السعودية.

وقال قرقاش إن التقارير حول التحولات في التحالفات الخليجية خاطئة وتخلق انقسامات في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى التضامن.

 

الخلاف في اليمن

بحسب الصحيفة، فإن الخلاف الأكثر حدة بين الجانبين يتجسد في تباين وجهات النظر بين بن سلمان وبن زايد حول مسار الحرب في اليمن.

وذكرت أن الإمارات والسعودية تشكلان ما تبقي من “التحالف العربي” لإعادة الشرعية في اليمن والذي تشكّل بعد انقلاب الحوثيين في صنعاء في 2015.

وتنقل الصحيفة عن مسؤولين خليجيين أنّ الإمارات، التي سحبت قوّاتها البرية عام 2019، لا تزال تخشى التهميش في القرارات المتعلقة بمستقبل الصراع هناك، بينما تجري السعودية محادثات مباشرة مع الحوثيين بشأن إنهاء الحرب.

وبحسب مصادر تحدثت للصحيفة، فإن غاية الإمارات هي الإبقاء على موطئ قدم لها في الساحل الجنوبي للبلاد، وتوجيه موارد القوة إلى البحر الأحمر من أجل تأمين الممرات البحرية بين موانئها والعالم.

ووفق ما كشفه مسؤولون خليجيون فإنّ الإمارات وقّعت اتفاقية أمنية مع الحكومة المدعومة من السعودية تتيح لقواتها التدخل في حالة وجود “تهديد وشيك”، وتدريب “قوات يمنية” في الإمارات، وتعميق التعاون الأمني، وكذلك بناء قاعدة عسكرية ومدرج في جزيرة قرب باب المندب، عند الحافة الجنوبية للبحر الأحمر.

وبحسب المصادر ذاتها، فإنّ المسؤولين السعوديين اعترضوا سرًّا على الاتفاق الأمني والخطط الخاصة ببناء قاعدة عسكرية، واعتبروا أن الإمارات بذلك تعمل ضد أهداف السعودية في اليمن، المتمثّلة أساسًا في تأمين حدودها ووقف الهجمات الحوثية بالطائرات المسيّرة والصواريخ.

وردًّا على ذلك، نشرت السعودية قوات سودانية من التحالف في مناطق قريبة من مواقع العمليات الإماراتية، وهو ما اعتبره مسؤولون إماراتيون “تكتيكات ترهيب”، وفق مسؤولين خليجيين.

في ديسمبر/ كانون أول، عندما لم يحضر الشيخ محمد قمة الصين في الرياض، قال المسؤولون السعوديون إنهم فسروا ذلك على أنه علامة على استياء الإماراتيين من المنافسة المتزايدة في اليمن.

وبدلاً من الشيخ محمد بن زايد، حضر حاكم الفجيرة (إمارة صغيرة) القمة التي ضمت الزعيم الصيني شي جين بينج.

 

خلاف أوبك

وقالت الصحيفة إن الخلاف بين الرياض وأبوظبي امتد إلي منظمة “أوبك” التي تقودها السعودية، حيث ما زالت الإمارات مضطرة لأن تضخ في السوق أقل بكثير من مدى استطاعتها، وهو ما يضرّ بعائداتها من النفط.

ونقلت الصحيفة عن مندوبين في “أوبك” قولهم إن الإمارات تضغط منذ فترة للسماح لها بضخ المزيد من النفط، لكن السعوديين يمانعون. وبموازاة ذلك يلمح مسولون إماراتيون، تحدّثت إليهم الصحيفة، إلى أنّ أبوظبي تجري مناقشة داخلية الآن حول مغادرة “أوبك” بالكامل، مؤكدين أن الخلافات الأخيرة مع السعودية أعادت إحياء الفكرة المنظمة النفطية.

واصطدم الإماراتيون مع السعوديين في أكتوبر/ تشرين أول الماضي عندما قرر تحالف “أوبك +” وهي مجموعة تضم 13 دولة تضم أوبك و 10 دول أخرى)، بما في ذلك روسيا – خفض إنتاج النفط بشكل كبير لدعم أسعار الخام.

في العلن، أبدت الإمارات دعم خفض الإنتاج. لكن المسؤولين الأمريكيين قالوا إن الإماراتيين أخبروهم سرا أنهم يريدون ضخ المزيد تماشيا مع رغبات واشنطن، لكنهم (الإماراتيون) واجهوا مقاومة من السعودية.

 

الاستثمارات الأجنبية

وقالت إسفندياري إن الإماراتيين “قلقون بشأن عمل السعوديين ضد مصالحهم.. بينما السعوديين قلقون من أن يشكل الإماراتيين تهديدا للهيمنة السعودية في الخليج.

ووفق محللين، فإن الخلاف بين الرياض وأبوظبي ليس بنفس خطورة الخلافات الخليجية القطرية والتي اندلعت في منتصف 2017 إلي مطلع 2021، إذ يواصل السعوديون والإماراتيون المشاركة في التدريبات العسكرية المشتركة، ولكن هذا يعد ذروة تحالفهم

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إماراتيين قولهم إن الخلاف بين أبوظبي والرياض بدأ في 2018 عندما قتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي على يد فرقة قتل سعودية، الأمر الذي دفع المسؤولين في أبوظبي لإعادة النظر في مدى القرب من بن سلمان.

ولاحقًا، في عام 2019، شعر السعوديون بأنّ شركاءهم الإماراتيين تخلّوا عنهم حينما أعلنوا سحب قواتهم العاملة على الأرض في اليمن.

وبحسب مسؤولين دبلوماسيين سابقين، فإنّ مصالحة السعودية مع قطر مطلع عام 2021، بعد أن ضغطت الأولى لإتمام هذا الملف سريعًا، أزعجت أبوظبي، التي كانت المبادر إلى الدفع نحو مقاطعة قطر وحصارها.

ومما عمّق الخلاف خلال كل تلك السنوات الماضية، هو أنّ الإماراتيين بدأوا ينظرون بارتياب إلى مساعي السعودية لاستقطاب الشركات الأجنبية واستضافة مقارها في المملكة، إذ من شأن ذلك أن يمثّل تحدّيًا لمكانة دبي، الإمارة التي تعدّ مركز الأعمال الدولي في الشرق الأوسط.