قبل تسجيل دخوله عبر برنامج “سكايب” للإشراف على قتل وتقطيع الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، كان سعود القحطاني، المستشار الأول لولي عهد المملكة، محمد بن سلمان، يشتهر بإدارة وسائل التواصل الاجتماعي للديوان الملكي، وتولي ملف الدعاية لأعمال بن سلمان.
وبحسب تحقيق نشره موقع “بيلينج كات” البريطاني المتخصص في الاستقصاء الإلكتروني، فقد شمل توصيف القحطاني الوظيفي، القرصنة ومراقبة منتقدي النظام السعودي وبن سلمان، وأشار التحقيق إلى أنه في عامي 2012 و2015 حاول شخص -يعرّف نفسه باسم القحطاني- شراء أدوات المراقبة من شركة برامج تجسس إيطالية مثيرة للجدل.
وفي 5 يوليو/ تموز 2015، تم الكشف عن هذه المراسلات بشكل غير معروف من قبل أحد القراصنة الرقميين من خلال اسم مستعار فينس فيشر، الذي سرق ونشر حوالي 400 “جيجا بايت” من المستندات الداخلية والشفرات والرسائل البريدية من “هاكينج تيم” -وهي شركة تقنية معلومات إيطالية تبيع وسائل مراقبة واختراق هجومي للحكومات- ورمز المصدر ورسائل البريد الإلكتروني.
أنشطة مشبوهة
يبدو أن تواصل القحطاني مع بائع برامج التجسس لم يلاحظه أحد في السنوات الماضية، ولكن في 29 أغسطس/ آب 2017، تم إنشاء حساب على “تويتر” باللغة العربية وبدأ في نشر مقتطفات من رسائل القحطاني الإلكترونية إلى فريق “هاكينج تيم”.
قام الحساب الذي يستخدم المعرف التالي:HIAHY@، الذي سمى نفسه “تاريخ وذكريات”، بالإشارة إلى ربط عناوين البريد الإلكتروني المستخدمة من قبل القحطاني بعدة حسابات عبر الإنترنت. وأشارHIAHY إلى أن عنوان البريد الإلكتروني الذي يستخدمه القحطاني للتواصل مع هاكينج تيم هو: [email protected].
وقد استخدم أيضًا لتسجيل حساب تحت اسم nokia2mon2 على موقع منتديات “هاك فورمز” الشهير، الذي اختُرق في يونيو/ حزيران 2011 من قبل مجموعة من القراصنة يسمون أنفسهم LulzSec.
كشفت تقارير إضافية من قبل Motherboard في أغسطس/ آب 2018 أن مراسلات فريق القرصنة المسربة تضمنت عنواني بريد إلكترونيين آخرين يستخدمهما القحطاني: [email protected] و[email protected].
ولم يستطعHIAHY أو Motherboard إثبات أن القحطاني يمتلك عناوين البريد الإلكتروني التي تم تسريبها، رغم أن كلاهما قدم أدلة ظرفية مقنعة على أن القحطاني كان بالفعل وراء رسائل البريد الإلكتروني لفريق “هاكينج تيم”، وأنه كان مالك ملف تعريف nokia2mon2 على “هاك فورمز”.
وتناول تقرير الموقع البريطاني ما توصل إليه HIAHY@ وMotherboard:
ملكية سعود القحطاني لعناوين البريد الإلكترونية التالية [email protected] و [email protected] و [email protected] بالإضافة إلى رقم الهاتف المحمول +966 55 548 9750 يؤكد تواصل القحطاني مع “هاكينج تيم” لشراء أدوات التجسس الخاصة بهم في عامي 2012 و 2015.
يمكن ربط عنواني البريد الإلكترونية التالية: ([email protected] و [email protected]) ورقم هاتف (+966 55 548 9750) بشكل نهائي مع القحطاني من خلال تسرب المعلومات من صفحات استعادة كلمة المرور الخاصة بـ “جوجل” و “تويتر”.
جزم التقرير بأن [email protected] هو عنوان البريد الإلكتروني الرسمي للقحطاني، والدليل ذلك أنه في رسائل إلى ممثل “هاكينج تيم” في يونيو/ حزيران 2015 تضمن الاستخدام المتكرر لـ [email protected] وعنوان البريد الإلكتروني [email protected]، الذي أظهر مالكًا مشتركًا للحسابات.
سجل القحطاني 22 نِطاق (دومين domains) على الأقل منذ عام 2009، تم استخدام بعضها كخوادم تحكّم ومراقبة للبرامج الضارة. أظهر القحطاني ضعفًا في الأمن التشغيلي بشكل استثنائي عند تسجيل جميع هذه المجالات تقريبًا. وتضمنت سجلات Whois جميعها باستثناء ثلاثة (saudq.com و saudqq.com و jasmn.info) إما عنوان بريده الإلكتروني الشخصي ([email protected]) أو رقم الهاتف المحمول (+966 55 548 9750) أو أشكال مختلفة من اسمه الحقيقي. اثنان فقط من تلك النطاقات بقي نشطًا إلى الآن وهما: saudq.com و jasmn.info.
تعرض منشورات القحطاني على منتديات “هاك فورمز” أدوات وخدمات القرصنة التي اشتراها واستخدمها ومنصات الوسائط الاجتماعية وتطبيقات الجوال التي استهدفها بالتفصيل. لقد نشر أيضًا ثلاث مرات على الأقل وهو في حالة سكر، باعترافه الشخصي، وركز على مواضيع لا علاقة لها بالقرصنة مثل دور الدين في السياسة والسياسة تجاه إيران.
باستخدام معلومات الاتصال التي يملكها القحطاني، كان من الممكن تحديد معلومات اتصال إضافية له وتحديد عدة حسابات مرتبطة بعناوين البريد الإلكتروني ورقم هاتفه. لديه حساب “لينكدن بريميوم” تحت اسم “saud a” (اسمه الثلاثي سعود عبدالله القحطاني)، حيث يصف نفسه بأنه “موظِّف headhunter” مقره في المملكة العربية السعودية. لقد أنشأ ملفًا شخصيًا على فيسبوك تحت اسم “مواطن مصري مؤيد لمبارك في نهاية حياته”. وللقحطاني حسابات على “سناب شات” و”واتساب” و”سيجنال”.
من شاعر إلى أمير الذباب
انتقل التقرير من ما توصل إليه من خلال حسابات القحطاني، إلى سيرته الذاتية، مفيدا أنه ولد في 7 يوليو/ حزيران 1978 في الرياض، وحصل على شهادة البكالوريوس في القانون من جامعة الملك سعود قبل التحاقه بدورة تدريب ضباط القوات الجوية الملكية السعودية. ترقّى القحطاني في نهاية المطاف إلى رتبة نقيب، ثم التحق بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، حيث حصل على درجة الماجستير في العدالة الجنائية.
بدأ القحطاني مسيرته في تمجيد وتطبيل للعائلة المالكة على أعمدة الصحف السعودية ونشر قصائد قومية تحت الاسم المستعار “ضاري”. وفي أوائل عام 2000، تم تعيينه من قبل رئيس الديوان الملكي السعودي السابق خالد التويجري، لإدارة جيش إعلامي إلكتروني مكلف بحماية صورة المملكة العربية السعودية، وفقًا لتقرير نشرته وكالة الأنباء “رويترز”.
استمر القحطاني في تولي العديد من الأدوار البارزة في الحكومة، بما في ذلك المستشار القانوني لسكرتير ولي العهد عبدالله بن عبدالعزيز في عام 2003 ثم المدير الإعلامي التابع لسكرتير ولي العهد في عام 2004.
شغل القحطاني عدة مناصب رفيعة المستوى في مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في الديوان الملكي خلال هذه الفترة، وأصبح في نهاية المطاف مديراً له في عام 2016. استخدم القحطاني المركز، الذي كان يعمل بدون إشراف من قبل الوزارات الأخرى، كقاعدة لعملياته لمساعدة الملك سلمان وابنه محمد على توطيد سلطتهما والسيطرة على أعضاء آخرين من العائلة المالكة.
وتراوحت هذه الجهود من عمليات التأثير النوعية، مثل التعاقد مع جماعات الضغط المميزة، وشركات العلاقات العامة، بما في ذلك “بي جي آر جروب” و”اس جي آر”و “سكوير باتون بوجز”، إلى حملة قمع وترهيب شاملة تنطوي على عمليات خطف وتعذيب وقتل. وفي ربيع عام 2017، عمل القحطاني والمركز مع “فرقة نمر” أو “مجموعة التدخل السريع” المنشأة حديثًا من عملاء المخابرات السعودية لتنظيم عمليات خطف المنشقِّين والنقاد داخل المملكة وخارجها ولاحتجازهم سراً في معتقلات سرية.
شاركت “مجموعة النمر” في ما لا يقل عن 12 عملية، بما في ذلك قتل الصحفي خاشقجي. وتكلَّف القحطاني بقيادة استجواب رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي اعتُقل في الرياض، وأُهين لفظيًا وتعرض للضرب وأجبر على الاستقالة.
جرائم مستشار الأمير
استمرت حملة القمع السعودية حتى عام 2018، عندما اعتُقل وعُذّب نشطاء حقوق المرأة البارزين الذين كانوا يقومون بحملات من أجل حق المرأة السعودية في القيادة. أخبرت الناشطة لجين الهذلول، شقيقها أنها عُذّبت بالإغراق وتعرضت للصعق بالكهرباء في قبو أحد السجون بالقرب من جدة. كان الرجل الذي أشرف على تعذيبها هو القحطاني، وفقًا لشقيق لجين الهذلول: “إن أكبر مساعدي بن سلمان حضر شخصيا التعذيب، وكان يضحك أثناء تهديدها باغتصابها وقتلها”.
سخّر القحطاني، بحسب الموقع الاستقصائي البريطاني، وسائل الإعلام الاجتماعية لإسكات المعارضين وتحديد منتقدي النظام وشن حملات على الإنترنت ضد خصوم السعودية، مثل إيران وقطر.
وفي تغريدة في أغسطس/ آب 2017، ناشد أكثر من مليون من أتباعه على تويتر استخدام وسم “#القائمة_السوداء” لكشف أسماء وهويات المنشقّين والناشطين الذين يعربون عن تعاطفهم مع قطر خلال الأزمة الدبلوماسية الخليجية؛ “أي شخص يضاف إلى القائمة السوداء ستتم متابعته”، وفقًا للقحطاني.
استخدم مستشار الأمير، أيضًا وسائل التواصل الاجتماعي لمضايقة النقاد على الإنترنت، ومن هنا اكتسب لقب “أمير الذباب” “الذباب الإلكتروني” هو المصطلح الذي استخدمه النقاد لوصف موظفي القحطاني وأتباعه.
تصفية الحساب مع خاشقجي
حدثت المواجهة الأولى بين القحطاني وخاشقجي في أواخر عام 2016، عندما كان الأخير يعمل كاتبًا في جريدة “الحياة” في لندن. اتصل مستشار الأمير بالصحفي لإبلاغه بأنه “ممنوع من التغريد والكتابة والحديث”، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية: “لا يمكنك فعل أي شيء بعد الآن لقد انتهيت”
بعد سقوط أمر القحطاني على آذان صماء، غيّر طريقته وحاول أن يجذب خاشقجي إلى المملكة، مؤكداً للصحفي أن انتقاداته غُفرت له.
في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، كان مستشار الأمير يتابع عبر سكايب الإشراف على مقتل وتقطيع خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. وبعد تبادل الإهانات مع خاشقجي، أمر أعضاء “فريق النمر” الذي احتجزوا خاشقجي بقتله قائلا: “أحضروا لي رأس الكلب”. وقدمت وكالة المخابرات المركزية تقييمًا بأن بن سلمان أمر بقتل خاشقجي، مستشهدين بـ11 رسالة نصية بين ولي العهد والقحطاني قبل القتل وبعده.
وأشار تحقيق الموقع البريطاني إلى أن حساب القحطاني الموثق على تويتر،saudq1978 مرتبط بـ +966 55 548 9750 و [email protected]، وفقًا لتسرب المعلومات من خاصية “نسيت كلمة المرور” على تويتر: