تزامن، خلال الأيام القليلة الماضية، خبران بعيدان جغرافيًا ولكنهما مترابطان سياسيًا.
الأول كان قيام السلطات الأمنية النمساوية الاثنين الماضي بمجموعة واسعة من المداهمات في الخامسة فجرا شارك فيها قرابة 1000 ضابط وجندي من الشرطة والاستخبارات الداخلية مستهدفة جمعيات وأفراد «يشتبه» في علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وطالت 60 شقة ومنزلا ومقار جمعيات في 4 ولايات واعتقلت 30 شخصا.
الثاني كان إعلان هيئة كبار العلماء في السعودية، في بيان موقع من رئيسها و16 من أعضائها أن الإخوان المسلمين «جماعة منحرفة قائمة على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام» وأن «غايتها الوصول إلى الحكم» وأنه قد خرج من رحمها «جماعات إرهابية عاثت في البلاد والعباد فسادا» في استتباع لبيان آخر صدر عام 2017 يعتبر منهج الجماعة «قائما على الخروج على الدولة».
وبذلك يقوم إعلان الهيئة، عمليا، باستكمال شرعيّ لقرار سابق لوزارة الداخلية السعودية عام 2014 صنف الجماعة ضمن التنظيمات الإرهابية، ولوصف ولي العهد محمد بن سلمان عام 2018 للجماعة بأنها «حاضنة للإرهابيين» وتعهده في مقابلة مع قناة أمريكية باجتثاثها.
كيف اجتمع طرفان، واحدهما بلد عربي مستبدّ، يعتبر اعتقاد حزب بحق الجمهور بالوصول إلى الحكم إرهابا ومنازعة لولاة الأمر، وثانيهما دولة أوروبية، يقود حكومتها حزب وصل إلى رئاسة الوزراء بطريقة ديمقراطية، على العداء للإخوان وربطهما بالإرهاب؟
إذا أخذنا في الاعتبار أن جماعة الإخوان لم تتغير وأن علاقتها بالسعودية ودول الخليج، كانت جيدة لعقود طويلة، وأن الآلاف من أنصارها وجدوا مكان عيش ورزق وازدهار في تلك البلدان سابقا، ولم تكن سلطات تلك الدول تعتبر الجماعة «منحرفة» أو أنها بالتأكيد تنازع «ولاة الأمر» فيها..
فما الذي غيّر الحال وصارت مطاردتها على قائمة أجندات السعودية والإمارات ومصر، في الوقت الذي تعلم فيه سلطات هذه البلدان أن فكر الجماعة وتنظيماتها هي جزء أساسيّ من السياق والنظم السياسية في العديد من بلدان المنطقة العربية، وأنها تحارب هي أيضا، من مواقع المسؤولية، أشكال التطرّف والجهادية المسلحة والإرهاب؟
جاء الإجراء النمساوي بعد عملية لشاب نمساوي ـ مقدوني (من أصل ألباني) أدت لمقتل 4 أشخاص وإصابة 20 آخرين، والشخص المذكور سبقت إدانته بمحاولة الانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» وتم إطلاق سراحه في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وهو ما يمكن وضعه ضمن توصيف «الذئاب الفرديّة» التي تتحرّك فجأة وتقوم بعملية إرهابية.
وهو أمر لا يمكن أبدا مقارنته بإنشاء جمعيات خيرية أو ربطه بشكل عشوائي بالإخوان أو بالإسلام والمسلمين، لكن الذي حصل عمليا، أن الجهات الحاكمة في النمسا استسهلت الانتقال من خانة إرهاب شاب صغير مسلم إلى تجريم الإخوان وحماس، كما تفعل النظم الدكتاتورية العربية.
ما يحصل عمليا هو أن نخب الطغيان العربية، المنهمكة بالحفاظ على آليات القمع والفساد والإجرام المنظم، تحاول وأد فكرة التغيير وقبر الحراكات الشعبية التي لم تتوقف خلال العشر سنوات الماضية، وقد رأت في دخول الغرب على خط «مكافحة الإرهاب» خصوصا بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر الأمريكية، ورقتها الرابحة وصيغتها الجاهزة للاستخدام دائما في إرهاب أي تحرّك بربطه مباشرة بالإخوان (كما رأينا أمس باتهام رجل حرق نفسه في ساحة التحرير في مصر) وبالإسلام السياسي.
وهو أمر وجد سياقه العريض في أمريكا وأوروبا، وخصوصا لاستعماله ضد اللاجئين والمهاجرين والأقليات، وبذلك يتشكّل حلف مشؤوم بين الطغيان العربي والإسلاموفوبيا الغربية، وبذلك يلتقي الهدفان، وتضرب أوروبا بسيوف بن سلمان والسيسي وبن زايد.