لطالما اعتبرت معارض الكتب التي تنظمها وزارة الثقافة السعودية في عين الناقدين مجرد فعاليات شكلية ينقصها الكثير من المضامين “المحظورة” من وجهة النظر الرسمية كـ”حرية الرأي والتعبير” مثلاً؛ إلا أن معرض الرياض لهذا الموسم حمل عناوينَ “منفتحة” من نوعٍ آخر.
ويقول مراقبون إنه لوحظ عرض كتب لطالما كانت محظورة البيع أو العرض على أرفف المكتبات الخاصة والعامة في المملكة، كمضامين “العلاقات الحميمية والجنس والإلحاد…”، إلا أن هذه العناوين كانت من النوع “الرخيص فكريًا” ولا يحمل مضامين حرية الكلمة والتعبير والرأي والمشاركة السياسية والدعوة إلى الديمقراطية والانتخابات.
ويقول النقاد إن عرض تلك العناوين “الرخيصة فكريًا” اعتبرت ضمن محاولات المملكة لنزع فكرة “الانغلاق” التي وُصمت بها على المستوى الثقافي، في الوقت الذي عمد منظمو ذات المعرض في نسخة 2014 إلى إغلاق جناح “دار الشبكة العربية للأبحاث والنشر”، وتحفظت على جميع الكتب التي طالما أثارت الجدل في كل مشاركة للدار على مدار السنوات الماضية،
كما منعت مشاركتها في معرض الرياض للكتاب في جميع النسخ القادمة، وآذاك وصف الناشر نواف القديمي مالك الدار تصرف إدارة المعرض بإغلاق الجناح بأنه تصرف غير مناسب ولا يليق.
وأكد القديمي في ذلك العام أن إدارة المعرض منعته من المشاركة في معرض الكتاب إلى الأبد بعد أن صادرت الجناح بالكامل بدون أي مبررات على حد قوله، كون الدار لم تخالف أي تعليمات ولم تكسر القوانين الرقابية.
يُذكر أنه في نسخة ذات المعرض لعام 2014، صادرت السلطات مؤلفات عزمي بشارة، مستشار أمير قطر ورواية “مجاعة” لكاتبها جابر مدخلي، وكتاب “الثورة” للناشط المصري وائل غنيم، و”تاريخ الحجاب” و”الأنوثة الإسلامية”.
وسجّل زوار المعرض الذي انتهت فعالياته هذا الشهر في العاصمة السعودية الذي شاركت فيه نحو ألف دار نشرٍ من 28 دولة حول العالم، ملاحظاتهم حول عناوين مثل العلاقات الحميمية والعلمانية والسحر، والتي كان يستحيل رؤيتها في السابق على تلك الأرفف.
وكان القائمون على معرض الكتاب أكدوا أن “كل كتاب يخالف الثوابت الوطنية وكل ما قد يخلّ بالأمن، ستتم مصادرته”.
ويرى مراقبون أن السماح ببيع وعرض عناوين مماثلة في معرض الرياض الدولي جاء ضمن مساعي المملكة لتحديث صورتها الشديدة التحفظ، إلا أن نشطاء ومثقفين رأوا أن عناوين أخرى كانت غائبة على الإطلاق، وهو ما لن تسمح الحكومة بعرضها باعتبارها “مناوئة ومعارضة” للنظام.
لكن على الرغم من عرض تلك العناوين التي رفضتها السلطات السعودية لفترة طويلة باعتبارها “غير إسلامية”، قال بعض الناشرين إنهم يواصلون ممارسة شكل من أشكال الرقابة الذاتية، بينما لا تزال “الحرية” الجديدة غير واضحة المعالم.
يُذكر أنه منذ تعيين محمد بن سلمان وليًا للعهد في عام 2017، خضعت المملكة لإصلاحات اقتصادية ودينية واجتماعية، وشملت التغييرات السماح للمرأة بقيادة السيارة، وإعادة فتح دور السينما والحفلات الموسيقية المختلطة بين الجنسين.
لكن تلك الإصلاحات ترافقت مع حملة قمع موسعة للمعارضة، والتي شهدت اعتقال نشطاء في مجال حقوق المرأة ورجال دين وصحفيين.
في المقابل، لا يزال العديد من المحافظين في المملكة يخشون من أن التخلي عن التقاليد القديمة سوف يؤجج “الفجور العام”.
وقال محمود القدومي، وهو أردني مقيم في الرياض منذ فترة طويلة في حديثٍ مع وكالة الأنباء الفرنسية إن الاختيار في معرض الكتاب الذي استمر 10 أيام، والذي انتهى في وقت سابق من هذا الأسبوع، كان “جريئًا وغير مسبوق”.
وقال: “هناك كتب عن الصوفية والإلحاد، وهذا مخالف لما كان عليه الحال منذ سنوات عديدة”.
وأشار إلى كتاب علمي اشتراه عن أصول تشكّل الكون ولم يشر إلى الخلق الإلهي.
واستذكر عضو الجمعية السعودية لكتاب الرأي السنوات الماضية عندما كانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر “تقتحم الأحداث الثقافية لوقفها ومنع مشاركة المرأة”.
يذكر أنه في عام 2014، أكدت إحدى الصحف المحلية في المملكة قالت إن منظمي معرض الكتاب في ذلك العام صادروا أكثر من 10 آلاف نسخة من 420 كتابًا.
وقال الزائر السعودي عبد العزيز التركي إنه وجد بعض الكتب في معرض هذا العام “صادمة” لأنها “لا تتناسب مع التراث الثقافي للبلاد”.
كما كان هناك بعض ردود الفعل السلبية على الإنترنت، حيث غرد أحد السعوديين على تويتر بأنه كان هناك “محتوى مخجل” في المعرض، وهو تأكيد أوضحه بكتب بعنوان “أصدقائي كلاب” و”حلقت لحيتي”.
من جهته، قال وزير الإعلام بالإنابة ماجد القصبي إن الكتب “تقع في صميم” حملة الحكومة الإصلاحية.
ومن بينها أعمال الروائيين الروس، عُرضت كتب “ليو تولستوي” و”فيودور دوستويفسكي”، و”مزرعة الحيوانات” للكاتب الإنجليزي “جورج أورويل”.
وقال ناشر آخر من لبنان، إنه لا تزال هناك بعض الرقابة الذاتية، حيث يشعر العارضون بالقلق من المبالغة في ذلك.
وقال الرجل الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته “نحن الآن نأتي بمزيد من الكتب المنفتحة لكن ضمن حدود لأننا نراقب أنفسنا، فلا أحد يريد أن يخاطر بخسارة مالية ضخمة إذا تمت مصادرة شحنته”.