يبدو أن التقارب بين “تل أبيب” والرياض شجع مواطناً إسرائيلياً على الطلب من ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، زيارة مسقط رأسه في مدينة نجران جنوبي السعودية.

والسبت 1 فبراير 2020، انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه إسرائيليٌّ عرَّف نفسه بأنه داود بن يوسف شكر، زاعماً أنه من مواليد مدينة نجران السعودية عام 1944، وقال: “أتمنى أن أدخل السعودية، وأزور نجران التي عاش فيها اليهود، وأصلّي عند قبور أجدادي في المدينة”.

ووجَّه الرجل الإسرائيلي خطابه إلى محمد بن سلمان، طالباً منه السماح له بزيارة المملكة، وتحقيق رغبته.

وجاء طلب “شكر”، بعد أسبوع من توقيع وزير داخلية الاحتلال الإسرائيلي، أرييه درعي، على قرار يسمح للإسرائيليين بزيارة السعودية، وفق بيان للوزارة.

وأيضاً جاء طلب الإسرائيلي “شكر”، بعد أن شهدت العلاقات بين السعودية و”إسرائيل” تقارباً كبيراً، فعلى الرغم من عدم إفصاح المملكة عن هذا التقارب، فإن السكوت عن تطبيع تبنّاه ناشطون وإعلاميون سعوديون يشير إلى الدفع الرسمي الخفي في هذا الاتجاه.

ويُعتبر محمد سعود، الناشط السعودي، الذي زار “إسرائيل” أكثر من مرة، أبرز الأدلة التي تفصح عن العلاقة الوثيقة بين الرياض و”تل أبيب”.

وكان سعود التقى بنيامين نتنياهو وعدداً من كبار الشخصيات الإسرائيلية، واستقبل في منزله بالسعودية شخصيات إسرائيلية، فضلاً عن منح نتنياهو له لقب ممثل حزب الليكود في السعودية.

 

توقعات صحفي سعودي

ومنذ 2018، بدأت تحركات السعودية باتجاه التطبيع تظهر للعلن، فقد كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن سعود القحطاني، الوزير السابق بالديوان الملكي والمقرب من ولي العهد محمد بن سلمان، كان من بين المسؤولين عن تطبيع العلاقات بين الطرفين.

وأشارت الصحيفة الأمريكية حينها إلى أنه “كان قد أعطى توجيهات لوسائل الإعلام ومُحرِّكي الرأي العام السعودي؛ لتهيئة الأجواء بين المواطنين السعوديين لعملية التطبيع مع إسرائيل”.

وكشفت الصحيفة ذاتها أيضاً، أن اللواء أحمد عسيري، نائب رئيس الاستخبارات السعودية السابق، زار “إسرائيل” عدة مرات وفي مناسبات مختلفة، قبل إقالته من منصبه عقب جريمة قتل خاشقجي.

لكن توقعات صحفي سعودي تبدو في طريق التحقق بعد عامين من طرحه إياها؛ حيث زعم الكاتب والصحفي عبد الحميد الغبين، أن “إسرائيل لا تشكل خطراً وجودياً على السعودية”، متوقعاً أن تطبع بلاده العلاقات معها في غضون عامين.

وقال الغبين، المعروف بهجومه على الفلسطينيين ودعمه التطبيع، في مقابلة له مع قناة “i24 NEWS” العبرية، في ديسمبر 2018: إن “الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل سيؤدي إلى السلام في المنطقة”.

وأضاف: “ليس مهمّاً من يدير الأماكن المقدسة في القدس المحتلة، طالما كان بإمكان أي مسلمٍ زيارتها”، لافتاً إلى أن “القضية الفلسطينية لم تعد مهمة”، على حد زعمه.

 

دعم بن سلمان

وعودة إلى الإسرائيلي داود بن يوسف شكر، الذي ناشد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، السماح له بزيارة نجران التي يزعم أن فيها تاريخ أجداده، فإن هذا الرجل لا بد أنه اطلع على ترحيب بن سلمان باليهود في بلاده، وتغيير العلاقات السابقة المبنية على عدم اعتراف الرياض بـ”إسرائيل” بتطبيع وانفتاح بين الجانبين، وهو ما شجعه على مخاطبة بن سلمان، متوقعاً قبول طلبه.

وكان محمد بن سلمان أدلى بتصريحات لمجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية، في 2 أبريل 2018، أكّد من خلالها “أحقيَّة” اليهود بأرض فلسطين، التي يعتبرونها امتداداً لموطن أجدادهم الذين هُجِّروا من الجزيرة العربية قسراً، منذ بزوغ فجر الرسالة الإسلامية وانتشار دعوة النبي محمد عليه السلام، بحسب ما تذكره وتروّجه الصحافة العبرية منذ عقود.

وقال بن سلمان للمجلة: إن “الشعب اليهودي له الحق في العيش بدولة قومية، أو في جزء من موطن أجداده على الأقل. ولكل شعبٍ الحق في العيش بسلام”، مشيراً إلى أن إسرائيل “دولة ذات اقتصاد كبير مقارنة بحجمها”، وأن بلاده “ليست لديها مشكلة مع اليهود”.

وسوَّغ ذلك بأن “نبيَّنا محمد تزوّج امرأة يهودية، وأن جيرانه كانوا يهوداً، وهناك كثير من اليهود في السعودية قادمين من أمريكا وأوروبا”.

تصريحات بن سلمان وسياسته تلك، بالإضافة إلى العلاقات الحميمية والسرية بين دول عربية ودولة الاحتلال، تدعم بشكل كبير، ادعاء “إسرائيل” أن بلداناً عربية ظلمت “يهوداً” هاجروا إلى فلسطين قبل عقود، وتطالب بتعويضهم أو استرجاع ممتلكاتهم.

أيضاً ساعدت سياسة بعض البلدان العربية دولة الاحتلال الإسرائيلي في سعيها إلى تشريع قوانين جديدة في الأمم المتحدة أو حتى لدى حكومات دولة الاحتلال؛ تطالب بمنح نحو مليون يهودي تعويضات خيالية؛ لفقدانهم ممتلكاتٍ وأراضي في العالَمين العربي والإسلامي تقدّر بتريليونات الدولارات، منذ دخول المسلمين إلى حصن خيبر وإلى الآن.

 

تعويضات العصور الماضية

وبحسب ما يراه أحمد أبو حلبية، القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والنائب بالمجلس التشريعي الفلسطيني، الذي تحدث لـ”الخليج أونلاين” في وقت سابق، فإن “أطماع إسرائيل ستتخطى الحدود والمعقول”.

وذكر أبو حلبية أن “دولة الاحتلال تسعى الآن، من خلال علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، إلى إعادة بعض اليهود للسكن مجدداً في الأراضي الحجازية بعد أن خرجوا منها في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم”.

وأضاف: “علِمنا أن وفداً يهودياً قد دخل السعودية خلال الفترة الماضية، ويحاول الآن تجهيز الظروف المناسبة لإعادة العيش بالأماكن التي تركوها، وتحديداً في المدينة المنورة”.

وأوضح القيادي في حركة “حماس”، أن بعض اليهود من نسل “خيبر وبني قينقاع” مقتنعون تماماً بأن العودة إلى الأماكن التي خرجوا منها في عهد الرسول ضرورية، ويسعون من خلال جهودهم وتحركاتهم السرية إلى تحقيق هذا الحلم، في ظل التقارب الكبير الحاصل بين السعودية ودولة الاحتلال.

وزاد: “اليهود يحاولون إعادة العيش والاستقرار من جديد داخل أراضي المملكة السعودية، مستغلين ما يدور من تطور جوهري وكبير في علاقات دولتهم مع الرياض”، معتبراً ذلك “مؤشراً خطيراً وتجاوزاً لجميع القيم وضوابط التعامل مع الكيان الإسرائيلي”.

ولفت أبو حلبية، النظر إلى أن اليهود “لم ولن يتوقفوا عند هذا الحد؛ بل سيطالبون الأنظمة العربية، وعلى رأسها النظام السعودي، بتعويضات مالية كبيرة عما جرى لهم في العصور الماضية”.

 

أحقية اليهود في السعودية

داود بن يوسف شكر، الذي وجَّه رسالة إلى محمد بن سلمان، مِثل غيره من اليهود في “إسرائيل”، لا بد من أنه اطلع على كتب وتقارير ومقالات لـ”إسرائيليين”، يدَّعون فيها أحقية “اليهود” في بلدان عديدة من العالم، لكونهم سبق أن سكنوها.

ويثير موقع “Aish”، وهو أحد المواقع المتخصّص في الشؤون التاريخية لليهود، في تقرير سابق له، عديداً من التساؤلات حول أحقّية اليهود في أراضٍ سعودية أكثر من أمريكا.

ويقول إن مدينتي “خيبر” و”يثرب”، التي تُعرف حالياً بالمدينة المنورة، شمالي شبه جزيرة العرب، كانتا سابقاً تمثّلان بيئة لأكبر مجتمع يهودي مزدهر بالعالم، أي قبل نشأة اليهود في أمريكا بقرون.

وينقل الموقع عن هاغاي مازوز، مستشرق متخصص باللغة العربية والثقافة الإسلامية، قوله: إن “الجالية اليهودية في شمالي شبه الجزيرة العربية كانت واحدة من أكبر المجتمعات اليهودية القديمة في تاريخ الشعب اليهودي”.

وأوضح أنهم “كانوا أقوياء وأثرياء، وقد تم احترامهم من قِبل القبائل العربية المحلية، واحترام دينهم وثقافتهم، واستيعابهم ومحو أمّيتهم. وقد بنوا القلاع على قمم الجبال وطوّروا المزارع المنتِجة. كانت لديهم براعة عسكرية، والخيول، والأسلحة المتقدمة. وكانوا تقريباً قد أُبيدوا في فترة قصيرة من بضع سنوات”، كما يقول.

ويدعو الموقع العبري إلى توحيد جهود الجاليات اليهودية وصفوفها في عموم العالم، والتهيُّؤ لاسترداد “تاريخ أجدادهم” في شبه جزيرة العرب.

وتنتقد بعض الصحف العبرية حالة الفوضى التي يمر بها اليهود؛ نتيجة التخلي عن تاريخهم، وتقول: إن “الذين لا يتعلمون من التاريخ أُدينوا بتكرار أحداثه. وعلى ما يبدو، لم يتعلّم اليهود من تاريخهم المأساوي في الجزيرة العربية (..) كم مجزرة يمكن أن تمرَّ على اليهود حتى يتذكّروا تاريخهم ومجازرهم؟”، بحسب صحيفة التايمز العبرية.

ويدعو الموقع إلى التصدي لرموز المسلمين، في المجالات الدينية والفنية والاقتصادية والعلمية كافة، “ولا بد من تعلُّم دروس التاريخ، والعودة إلى ديارنا المسلوبة في جزيرة العرب، بعد الوحدة اليهودية”.

ويقول: إن “المسلمين استغلوا الخلافات بين القبائل اليهودية وحاصروهم، ثم نفوهم إلى مدينة خيبر، ثم أجهزوا على المدينة واحتلوها (..)”.

وأضاف أن النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، “سمح لليهود بالعيش كمواطنين من الدرجة الثانية رسمياً، وعليهم دفع ضرائب عالية”.

أما سبب السماح لليهود بالعيش مع المسلمين وفقاً للموقع، فهو لكون “المسلمين لا يعرفون الزراعة في ذلك الوقت”.

وذكر أن المسلمين بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، عمدوا إلى نفي اليهود من خيبر، “لأنه لا يُسمح لغير دين الإسلام بأن يُمارَس في الجزيرة العربية (..)”.

وشدد قائلاً: “لا بد من أن يكون اليهود في هذا الوقت أكثر ذكاءً من ذي قبل لاستعادة تاريخهم وأمجادهم في جزيرة العرب”.