سلط تقرير لوكالة “فرانس برس” الضوء على ما قالت إنه تفجر للغضب على وسائل التواصل الاجتماعي بالسعودية بسبب تصاعد عمليات هدم للبيوت تنفذها السلطات في مدينة جدة الساحلية، غربي المملكة، بدعاوى توسيع وتطوير ضمن مخطط يقوده ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”.

ويتكلف المشروع 75 مليار ريال (20 مليار دولار) يتضمن عمليات هدم وبناء تؤثر على نحو نصف مليون شخص في ثاني أكبر مدن السعودية.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي يرأسه “بن سلمان”، عن خططه لبناء “وسط جدة”، وهو مشروعٌ يهدف إلى إنشاء “وجهةٍ عالمية مُطلَّة على البحر الأحمر” في شمال المدينة.

واتهم عدد من السكان الحكومة بتدمير أحياء طبقة عاملة تشمل سكانا من عشرات الجنسيات في مدينة تعتبر منفتحة إلى حد بعيد في البلد المحافظ.

ونقل تقرير الوكالة الفرنسية عن طبيب سعودي يدعى “عبدالله”، وهو أب يبلغ 45 عاما، قوله: “صرنا غرباء في مدينتنا. نشعر بمعاناة ومرارة”.

وأشار التقرير إلى أن الطبيب السعودي، سدد قرضا شخصيا حصل عليه لبناء منزل على أرض يمتلكها، رغم أن جرافات أزالت بيت أحلامه في جدة، ويقول إن حياته تحولت إلى “جحيم”.

وكان “عبدالله”، الذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفا من ملاحقة السلطات، حصل في 2007 على قرض شخصي مصرفي لمدة 30 عاما مقابل رهن أرض يمتلكها واستخدم المال لبناء منزل في حي النزلة (جنوب) على أن يسدد نحو 1500 ريال (400 دولار) شهريا لثلاثين عاما.

ويضيف “عبدالله”، الذي اضطر لاستئجار منزل “ما حدث هو أكبر صدمة في حياتي. الوضع مأساوي كالجحيم ولا يمكن وصفه”.

وقال التقرير إن عشرات الأحياء التي تتم إزالتها تضم مزيجا من السعوديين والأجانب من دول عربية أخرى وآسيويين.

وشهد حي “غليل” في جنوب جدة أولى الإزالات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويروي مواطن سعودي يدعى “فهد” للوكالة أن قوات الأمن صادرت الهواتف المحمولة للسكان لتجنب تصوير عملية الإخلاء التي تمت ليلا.

ويقول: “هُجّرنا من منازلنا فجأة بين يوم وليلة ودون سابق إنذار”.

ولفت التقرير إلى أن سعوديين دشنوا حملة على “تويتر”، تحت وسم (#هدد_جدة)، معربين عن سخطهم.

وقاد الناشط السعودي، “علي الأحمد”، حملة إلكترونية لعرض مظالم السكان المتضررين جراء الهدم الذي وصفه بأسلوب “الصدمة والضربة” القاسية.

وأوضحت “فرانس برس”، نقلا عن سكان، أن عمليات الهدم ونزوح السكان تسببت في ارتفاع أسعار إيجارات المنازل عموما في جدة وكذلك خدمات النقل، ما فاقم من معاناة المتضررين وغير المتضررين على حد سواء.

وفي أحد الأحياء التي يشملها المشروع، قال التقرير إن بعض المباني هدم تماما، فيما كتبت بالأحمر كلمة “إخلاء” على جدران العديد من المباني التي كانت لا تزال قائمة.

ووضعت السلطات لوحة تطالب السكان بإخلاء عقاراتهم وأخذ أغراضهم الشخصية، وتحميل وثائق الملكية على موقع إلكتروني للحصول على تعويضات.

وقال 3 متضررين أنهم لم يتلقوا تعويضات، وأشاروا لعدم “وجود آلية واضحة لتقييم قيمة” بيوتهم، بينما يؤكد “فهد” أن “أشهرا مرت، ولم أحصل على تعويض عن منزلي. وتحولت من مالك منزل لمستأجر يجاهد لدفع إيجاره”.

رغم الشكاوى، يقول المسؤولون إن المشروع سيطور المدينة مع تشييد 17 ألف وحدة سكنية عصرية في موازاة الحفاظ على هوية جدة.

وقال مسؤول محافظة جدة مؤخرا إن عمليات الهدم تستهدف أحياء لا تحتوي على مرافق بنية تحتية، وكان يتعذر على مركبات الإسعاف والمطافئ الوصول إليها، واصفا بعضها بأنها كانت “وكرا للجريمة”.

لكن العديد من السكان يرفضون ما يعتبرونه “تشويها” لصورة أحيائهم، ومنهم سعودي، يدعى “تركي”، الذي عاشت عائلته لعقود في بيت واحد في حي “الحرازات” شرقي جدة.

ويقول لـ”فرانس برس”: “نسكن وعائلتي في بيت جدي. والدي ولد به وكذلك أبنائي. هو بمثابة حياة وليس مجرد بيت”.

وعاد “تركي”، الأب لأربعة أطفال، أخيرا لمنزله ليجده ركاما، ويقول: “صوت الهدم في كل مكان. الركام في كل مكان. تشعر أنه يوم القيامة”.

وقبل يومين، أظهر استطلاع للرأي أجرته منظمة “القسط” لحقوق الإنسان، أن الحكومة السعودية لم تعلم عددا كبيرا من السكان مسبقا بعمليات الهدم، كما لك يتم تعويضهم.

ودعت منظمة “القسط” السلطات السعودية إلى “احترام حقوق المواطنين في مسكنٍ لائق، وفتح تحقيقٍ عاجل وشفاف في عمليات الإخلاء الجماعية التي حدثت”.

وتسبب برنامج الهدم واسع النطاق والنزوح الناجم عنه في أزمة إسكان، وارتفاع جنوني بأسعار الإيجارات في المدينة، لدرجة أن إيجارات بعض الوحدات السكانية تضاعفت في غضون أيام، بحسب السكان الذين عجز العديد منهم عن تحمُّل الأسعار الجديدة.

وآنذاك، قال بعض السكان إنهم اضطروا إلى وضع أثاثهم في العراء، مُحتمين أسفل الجسور وفقاً لشهود عيان، فيما قال أحد السكان إن بعض الأسر اضطرت إلى النوم داخل السيارات.

وتُعَدُّ جدة ثاني أكبر مدن المملكة العربية السعودية، ويقطنها 4.5 مليون نسمة. وتُعتبر مركزاً اقتصادياً مهماً، وبوابةً لملايين المتجهين إلى مكة سنوياً من أجل أداء فريضة الحج.

وتقع المناطق التي جرى هدمها حتى الآن في جنوب جدة، وهو الجزء الذي يرى كثيرون أنه قلب وروح المدينة الواقعة على شاطئ البحر الأحمر.