وقعت دوله الست (قطر، والكويت، وعُمان، والبحرين، والسعودية، والإمارات) على نظام سياسي هدفه تطوير التعاون فيما بينهم وتنمية العلاقات، وتوثيق الروابط والصلات القائمة بين شعوبها، هكذا انطلق مجلس التعاون الخليجي عند تأسيسه، في 25 مايو 1981، قبل 33 عاماً.

لم تستمر تلك الأهداف المرسومة من قبل المؤسسين على حالها، بعد نقض كل من الرياض وأبوظبي والمنامة لذلك النظام والبدء بشرخه؛ من خلال حصار دولة قطر في 2017، وشن حملات إعلامية مضللة عليها، ومحاولة شيطنتها خليجياً وعربياً ودولياً.

تسببت خطوة دول الحصار الثلاث بتحطيم أحلام الأسس التي بني عليها مجلس التعاون الخليجي؛ فلا وجود للمشاريع المشتركة، وبات هناك تهديد للأنظمة الواحدة في الميادين الاقتصادية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والتشريعية.

ويعود الفضل في ولادة وتأسيس مجلس التعاون الخليجي للشيخ جابر الأحمد الصباح، أمير الكويت السابق، بعدما اقترح عليه رئيس دولة الإمارات آنذاك، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، إنشاءه لسد النقص الذي خلّفه خروج المملكة المتحدة من المنطقة.

فكرة زايد باتت مهددة بالانهيار بفعل خطوات أولاده المتهورة، الذين تدور الشكوك حولهم في تسببهم بمرض ابنه من بعده، رئيس الدولة الحالي، وفي ظل كثرة التشكيك في أنه تحت الإقامة الجبرية، إضافة إلى تدخلات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الفجة في قضايا دول الخليج الأخرى.

ولا تزال الأزمة الخليجية التي بدأت في شهر يونيو 2017 تفتك بجسد الشعوب الخليجية، إذ أكد الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس وزراء قطر السابق: إن “الخلاف الخليجي يراد له في الوقت الحاضر البقاء دون تصعيد ودون حل”.

وشدد في تصريحات صحفية تزامناً مع الذكرى الأولى لبدء الأزمة عام 2018، على أن “الكيان الخليجي هُدم، وإعادة الثقة تحتاج سنوات عديدة”، موضحاً أن “هناك افتعالاً لقضايا وخلط أوراق لأن الأزمة لا أساس لها، ومن افتعلها لا يفقه في السياسة”.

كما ذكر بن جاسم أن “القرارات الخليجية لا تأخذ بالاعتبار المواطن الخليجي ومصلحة الوطن”، مشيراً إلى أن الأزمة جعلت العداء قبلياً تاريخياً، “كما أن الأحلام الخليجية انهارت. ولي العهد السعودي كان يستحق أن يكون لديه مستشارون عند مستوى عالٍ، ينبهونه إلى خطورة القرارات التي اتخذها”.

 

أزمة ثقة

رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة، الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، أكد أن أزمة حصار قطر ضربت المنظومة الخليجية في عمقها، وهددت أمن الدول الخليجية وقدرتها على التأثير في محيطها.

وشدد الشيخ حمد بن ثامر، في كلمة خلال أعمال منتدى الجزيرة الـ13 الذي أقيم في العاصمة القطرية الدوحة، نهاية أبريل الماضي، على أن المواطن الخليجي كان يطمح إلى توحيد العملة وجواز السفر الموحد، ليجد نفسه أمام أكبر أزمة ثقة يمر بها مجلس التعاون منذ تأسيسه.

وأضاف الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني أنه رغم الأزمات المتعددة التي مرت بها المنطقة فإن هذه الأزمة تعد الأعمق في تاريخ دول الخليج، معتبراً أن نزول الأزمة إلى مستوى الشعوب جعل من الصعوبة القضاء على تبعاتها في المستقبل، بحسب ما ذكرت “الجزيرة نت”.

وأوضح أن هناك حالة من الخوف لدى دول المنطقة من تكرار أزمة الحصار معها مستقبلاً، وهو ما يشير إلى أزمة ثقة كبيرة، مشدداً على أن دول الحصار لم تحقق أهدافها، بل خسر الجميع من هذه الأزمة التي شلت فعالية مجلس التعاون، بعد أن كان من أكثر منظمات العمل العربي المشترك تماسكاً وانسجاماً.

 

تداعيات كبيرة

بدوره أكد رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، خالد المشري، أن مجلس التعاون الخليجي كان ينظر إليه جميع العرب على أنه نواة لمشاريع إقليمية كبرى، خاصة في ظل توافق خليجي قد لا يوجد بالنسبة نفسها مع تكتلات عربية أخرى.

وقال المشري خلال كلمته في منتدى الجزيرة: إن “الواقع الاقتصادي والقرب الاجتماعي والالتصاق الجغرافي عوامل كانت تبشّر بأن المجلس سيحقق نجاحات كبيرة في المستقبل”.

وأوضح المسؤول الليبي أن الحالة التي وصل إليها مجلس التعاون حالياً ترجع إلى محاولة بعض الدول ابتلاع دول أخرى لا تتوافق معها في سياستها، فبات التكتل تكتلين، محدثاً تداعيات كبيرة ليس على منطقة الخليج فحسب بل في العالم أجمع.

ولفت إلى أن بعض دول الخليج لجأت، من أجل إلى ضمان أمنها الخاص، إلى دول خارج المنطقة بسبب انعدام الثقة في جاراتها.

وبيّن أن هذه الأزمة أثرت أيضاً في دول الربيع العربي، فالدول الخليجية التي حاولت السيطرة على قطر تحاول أيضاً إنهاء التجربة الديمقراطية في ليبيا وبقية الدول العربية، وتقف إلى جانب الثورات المضادة بشكل علني، بل وتؤجج الحروب بدعم طرف بالأسلحة والعتاد حتى يقضي على الطرف الآخر.

وأشار المشري إلى أن قوات اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، ما كانت لتشن حرباً على العاصمة طرابلس لولا الدعم الذي تلقاه من عدد من الدول الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي زارها حفتر قبل ثلاثة أيام من هجومه، قائلاً إن الإمارات انتهكت أيضاً قرارات الأمم المتحدة بشأن التسليح في ليبيا بتزويد قوات حفتر بالعتاد والطائرات والمدرعات.

من جهته وصف النائب في البرلمان التركي ونائب رئيس حزب العدالة والتنمية السابق، مهدي آكار، الحالة التي وصلت إليها دول الخليج بالمعقدة، في ظل تلك الأزمة التي قوّضت أمن المنطقة واستقرارها، لافتاً إلى أن بلاده تطالب منذ اندلاع الأزمة بضرورة اللجوء إلى الحوار للتوافق؛ نظراً لأن استقرار المنطقة هو استقرار لتركيا.

وأضاف آكار أن التجارب التاريخية تُظهر أن السياسات المرتبطة بالعزل الاقتصادي والتهديد العسكري تمهد الطريق لتوترات سياسية عظمى وسباق تسلح، مطالباً بضرورة هجر السياسات الطائفية التي تخلّف استقطاباً وحروباً بالوكالة؛ مثلما يحدث في اليمن.

وتأتي ذكرى تأسيس المجلس في وقت تعيش فيه العلاقات الخليجية أزمة حادة، بدأت منذ يونيو 2017؛ حين فرضت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً على قطر، إذ يتهم الرباعي الدوحة بدعم الإرهاب، وهو ما تنفيه الأخيرة وتقول إن الحصار محاولة للسيطرة على قرارها السيادي.