لا يزال الصراع في اليمن يتطور يوماً تلو الآخر منذ أكثر من خمسة أعوام، بعدما دخلت البلاد بمأزق كبير لم تستطع الخروج منه، بل زاد الأمر تعقيداً بتوسع المواجهات والمعارك عسكرياً وسياسياً؛ شمالاً مع الحوثيين، وجنوباً مع الانفصاليين المدعومين من الإمارات.

وبينما كان اليمنيون يتوقعون من السعودية أن تقاتل جنباً إلى جنب بجوار الحكومة المعترف بها دولياً، وتعمل على إعادتها إلى عدن التي يسيطر عليها أتباع الإمارات، يظهر السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، منتقداً الحكومة التي استدعت بلاده في بادئ الأمر للمشاركة في الحرب عام 2015، متجاهلاً الدور المفترض على بلاده أن تقوم به لاستعادة الشرعية اليمنية.

ويُعتقَد على نطاق واسع في اليمن، أن سفير السعودية أصبح الحاكم العسكري الفعلي بالبلاد، وسط غياب للرئيس اليمني المحاصر في قصرٍ بالرياض، والحكومة المنزوعة القرار، فيما يخشى الكثير من أن يتلقى الجيش اليمني طعنة من حليفه “التحالف العربي بقيادة السعودية”، خصوصاً مع اشتداد المعارك شرق البلاد، وتمكن الحوثيين مؤخراً من السيطرة على الجوف ومحاولتهم السيطرة على مأرب الغنية بالنفط والغاز.

 

انتقاد علني للحكومة اليمنية!

يعيش جنوب اليمن، وخصوصاً العاصمة المؤقتة عدن، توتراً أمنياً وعسكرياً كبيراً، وسط انتشار مكثف للقوات الموالية للإمارات، ومنع انعقاد اجتماع حكومي في قصر المعاشيق الرئاسي بعدن.

وبينما خرجت قيادات ميدانية لمليشيا “المجلس الانتقالي” تهدد وتتوعد أي خطوات للسعودية، على إثر منع قيادات للانتقالي من العودة للبلاد، خرج سفير السعودية لدى اليمن، في 19 مارس 2020، بتغريدة انتقد فيها قيام قوات تابعة للحكومة اليمنية المعترف بها بمناورة عسكرية في محافظة أبين، جنوباً.

وقال السفير آل جابر، عبر حسابه بموقع “تويتر”، الخميس: “ليس من المقبول أن تكون هناك قوات تابعة للشرعية تجري مناورات عسكرية في شقرة، ويتحدث قادتها العسكريون عن ساعة الصفر في ظل اتفاق الرياض”.

وتابع: “ذلك الاتفاق يهدف لعودة الحكومة إلى عدن، وتوحيد الصف، وتحقيق الأمن والتنمية، بينما تتعرض مأرب والجوف والضالع لهجوم مستمر من المليشيات الحوثية المدعومة من إيران”.

وكان لافتاً أن السفير تجاهل في تغريدة أخرى، قبلها بأيام، انتقاد قوات المجلس الانتقالي التي حشدت عشرات المدرعات والأطقم العسكرية إلى عدن، بل اعتبر أن قيادة تلك المليشيا، على وفاق مع بلاده و”تحظى بالاحترام والتقدير”.

 

هجوم واسع

وقوبل الانتقاد السعودي العلني للقوات الحكومية من قبل آل جابر بردود واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، متهمة إياه بـ”الصمت حيال تحركات ما يسمى “المجلس الانتقالي” ومليشياته المدعومة من الإمارات في مدينة عدن، في الأيام القليلة الماضية”.

وشن مسؤولون حكوميون ونشطاء على “تويتر” هجوماً على آل جابر، وكتب مستشار وزير الإعلام اليمني مختار الرحبي: “خليك من موضوع المناورة العسكرية في شقرة، ممكن تقول لنا أين وصل تنفيذ اتفاق الرياض ومن هو المعرقل للتنفيذ، بما أنك يا سعادة السفير أصبحت ناشط اجتماعي؟”.

وعبر نائب وزير الإعلام اليمني، فؤاد الحميري، عن استغرابه من تصريح السفير السعودي، قائلاً: “ليس أعجب من حديث محمد العرب عن مطار مأرب، إلا حديث محمد آل جابر عن اتفاق الرياض”.

أما الصحفي والباحث السياسي مصطفى الجبزي فقد اعتبر أن تغريدة آل جابر تثبت بأنه “الحاكم العسكري في اليمن”، مضيفاً: “مرحباً بريمر”، في إشارة للحاكم العسكري الأمريكي للعراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003.

من جانبه رأى الكاتب الصحفي محمد المياحي، أن السفير السعودي في اليمن “يتصرف كأنه الحاكم بأمر الله، ليس كحاكمٍ مدنيّ فحسب، بل وكمسؤول انتداب عسكري”.

 

 

المندوب السامي للاحتلال

رئيس مركز يمنيون للدراسات، فيصل علي، اعتبر أن آل جابر يتعامل بصفته “المندوب السامي لدولة احتلال، وهو مسنود باللجنة الخاصة، وهي اللجنة التي تشكلت في سبعينيات القرن الماضي لجعل اليمن تحت الوصاية السعودية”.

كما عبر عن أسفه “من تسابق معظم الشخصيات اليوم في السلطة لإرضاء السفير وخطب وده، وقدموا الطلبات بالتعيينات مشفوعة بعبارات الذل والخضوع، وهذا أضاف للسفير صلاحيات أكثر، مما جعله هو الحاكم والمتحكم بالشرعية والحكومة”.

ويرى، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن الحكومة اليمنية “باتت اليوم هي الطرف الأضعف في المعادلة اليمنية، وعليها الإذعان لتوجهات السفير، في المهرة هناك مخطط سعودي للاستيلاء عليها، لينتقل فيما بعد إلى حضرموت”، موضحاً: “السفير زاد من إذلال الحكومة والشرعية وهو يقايض اليوم مأرب مقابل التنازل عن المهرة بكل وضوح”.

وفيما يتعلق بمدحه للانتقالي، يقول علي: “ليس إلا لترويضه، لا طرف يمني سيكون له حق رفع الصوت، فقط يطمع هذا الفريق أو ذاك، ويغري هذا بذاك، وسيكون المصير واحداً. وحتى الحوثي هو جزء من المعادلة التي يتعامل معها السفير واللجنة الخاصة، ولديهم جناح قوي يدعمونه داخل حركة الحوثي، وهو الجناح المقيم في صنعاء، وهي الأسر الهاشمية التي مارست السلطة في الفترات السابقة أو مارستها من وراء حجاب الأحزاب بشكل عام والمؤتمر الشعبي بشكل خاص”.

ويرى في سياق حديثه أن التغريدة تعد “رسالة توجيه من أعلى إلى أسفل وليست تهديداً، التهديد يكون بين ندين، للأسف الأطراف اليمنية سلمت أمرها للسعودية بدون حساب”.

 

ليست الأولى

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يظهر فيها آل جابر بهذه الطريقة، ففي 1 أغسطس 2018، أجرى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي زيارة قصيرة إلى المهرة اليمنية (شرق)، وكان اللافت خلالها تصدُّر السفير السعودي باليمن لاستقبال الرئيس، وكأنه صاحب الشأن في المحافظة.

هذا المشهد أثار انتقادات لاذعة من قبل الناشطين اليمنيين؛ لكونه تجاوز البروتوكولات، وناقض ما أعلنه سابقاً بتنفيذ مطالب المعتصمين في تلك المحافظة الرافضين للوجود غير المبرَّر للقوات السعودية، بالنظر إلى أن وجودها مرتبط بمناطق النار وليس المناطق البعيدة عن الصراع.

وفي منتصف أبريل 2018، نشر السفير آل جابر مقطعين مصورين على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”؛ الأول وهو برفقة الرئيس هادي في سيارة، والثاني مع الرئيس ونائبه على متن طائرة عسكرية، خلال حضورهما مناورات “درع الخليج المشترك 1″، في مشهد غير مناسب بروتوكولياً بحسب ناشطين.

وفي مايو الماضي، ظهر السفير آل جابر في مقابلة تلفزيونية مع قناة “الإخبارية” السعودية، كشف من خلالها عن دوره في تهريب الفريق علي محسن الأحمر، نائب رئيس الجمهورية حالياً، عندما اجتاح الحوثيون صنعاء، في سبتمبر 2014، وكيف أنه تواصل مع طيارين من قاعدة العند، وحرّك طائرة عسكرية، في خطوة تكشف تغلغله في المؤسَّسات اليمنية.