قالت صحيفة “واشنطن بوست” في افتتاحيتها، التي جاءت تحت عنوان “الدروس المهملة من جريمة مقتل جمال خاشقجي”، إن قرار مجلس الشيوخ رفض سياسة الرئيس دونالد ترامب تجاه السعودية هذا الشهر كان نابعا من الاشمئزاز من طريقة مقتل جمال خاشقجي، ورفض ترامب الاعتراف بالمسؤولية الواقعة على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وتستدرك الافتتاحية، التي ترجمتها “عربي21″، بأن “التصويت يكشف أيضا عن أن أعضاء مجلس الشيوخ توصلوا إلى نتائجهم الخاصة، التي تذهب أبعد من مجرد القبول بالمسؤولية عن جريمة القتل المدبرة وتقطيع جثة صحافي بارز”.
وتشير الصحيفة إلى أن “هذه القضية غيرت الفهم الذي يحدد العدالة مع السعودية، ويؤكد المخاطر التي تشكلها هذه الأنظمة، التي تقوم ودون اعتبار للقانون بملاحقة نقادها خارج الحدود، وعلاوة على هذا كله فإن تصويت مجلس الشيوخ هو رفض تام للقومية الفجة التي يؤمن بها ترامب، التي تقوم على تسامح الولايات المتحدة مع جرائم مثل جريمة مقتل خاشقجي، طالما اشترت السلاح الأمريكي، أو قدمت عروضا تجارية محبذة للأمريكيين”.
وتلفت الافتتاحية إلى أن ترامب، الذي كان ناقدا حادا للسعودية، قاد حملة للدفاع عنها بصفتها “حليفا جيدا” يسهم في إحلال الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والحفاظ على استقرار السوق النفطية العالمية، والمساعدة على احتواء إيران، مشيرة إلى أن ترامب أكد بشكل مستمر أن أي رد على جريمة مقتل خاشقجي يجب ألا يعرض للخطر 450 مليار دولار من المشتريات والاستثمارات التي يزعم أن السعوديين وعدوا بها، بما في ذلك 110 مليارات دولار على شكل صفقات أسلحة.
وتعلق الصحيفة قائلة إنه “على خلاف ما وثقته (واشنطن بوست) وعدد من الباحثين في المعلومات، فإن أرقام المبيعات التي قدمها ترامب مبالغ فيها، ومن المستبعد أن يتم تنفيذها، وانشغاله في الصفقات يطرح أسئلة إن كان يفكر في مصالح تجارية، خاصة أن السعوديين ومنذ انتخابه كانوا من الرعاة الكبار لفنادقه”.
وتعتقد الافتتاحية أن “الحقيقة الكبرى هي أن محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة أصبح تهمة للولايات المتحدة، فقد أحدث ولي العهد حالة من عدم الاستقرار في المنطقة نتيجة لمغامراته المتهورة، بما في ذلك اختطاف رئيس وزراء لبنان الموالي للولايات المتحدة، وفرض حصار على قطر، التي تستقبل أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، وعزز تدخله الكارثي في اليمن قوة إيران، وأدى إلى ما وصفته الأمم المتحدة بأكبر كارثة إنسانية في العالم، بالإضافة إلى أن تفاخره لمستشار الرئيس جارد كوشنر بتقديم مساعدته لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وإنشاء (ناتو عربي) ثبت أنه وعود فارغة”.
وتقول الصحيفة إن “السعوديين عندما دفعوا هذا الشهر باتجاه رفع أسعار النفط، في خرق واضح للضغوط التي مارسها ترامب عليهم، كان هذا تذكيرا بأنهم سيواصلون مصالحهم الخاصة في إنتاج وتسويق النفط لا مصالح الرئيس الأمريكي”.
وتفيد الافتتاحية بأنه “علاوة على هذا، فإن رؤية ترامب المعتادة عن السعودية، التي تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، تناقضها الحقائق في عام 2018، وهي أن الولايات المتحدة، التي تعد أكبر منتج للنفط الخام في العالم، لم تعد تعتمد على النفط من الشرق الأوسط، وفشلت السعودية في تحريك سعر النفط، ولا يمكنها تهديد الولايات المتحدة”.
وتلفت الصحيفة إلى أن “مقتل جمال خاشقجي حصل في القنصلية السعودية في اسطنبول، وأضاف في هذه الحالة زخما للتهديد الجديد والعاجل، وهو أن الأنظمة باتت تمارس قمعها عالميا، فقامت كل من روسيا والصين بابتكار طرق رائدة في اختطاف المعارضين المحليين وقتلهم عندما يبحثون عن ملجأ في الخارج”.
وتنوه الافتتاحية إلى أن “تقارير ديفيد إغناطيوس كشفت عن أن محمد بن سلمان حاول تبني هذه الأساليب الخطيرة، وتم اختطاف عدد من المعارضين الذي فروا إلى الخارج، وإعادتهم إلى السعودية، وسجنهم في سجون سرية، وذلك قبل مقتل خاشقجي”.
وتجد الصحيفة أن “الغرب رد حتى هذا الوقت بطريقة ضعيفة، وفي حال إفلات الأنظمة من العقاب فلن يكون أي معارض في مأمن، ولن تكون أي عاصمة غربية محصنة من فرق الموت، ولهذا السبب فالحاجة لتحميل محمد بن سلمان تداعيات ما عمله أهم من صفقات السلاح، فلن تزدهر الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية في عالم خارج على القانون سيقوم بخلقه”.
وتبين الافتتاحية أن “ترامب في تجاهله لهذه المخاوف فإنه يحاول تقديم نفسه على أنه واقعي، وأشار ذات مرة إلى أن الولايات المتحدة مذنبة مثل روسيا في قتل الصحافيين، كما لاحظ عدد من أعضاء مجلس الشيوخ فإن هذه كانت كذبة خطيرة وتافهة، وفي الحقيقة فإن الرؤساء قبل ترامب دعموا حكم القانون والحقوق الإنسانية الأساسية، وحتى عندما دعمت الولايات المتحدة الأنظمة الديكتاتورية فإنها حاولت الحد من إفراطها وتجاوزاتها، وكما كشفت تجربة الشاه في إيران وحسني مبارك في مصر فإنها تخلت عن عدد ممن لا يستمعون إليها”.
وتختم “واشنطن بوست” افتتاحيتها بالقول: “يريد ترامب ولايات متحدة لا مكان فيها للقيم، فلا حادث صارخا -حتى تقطيع جثة صحافي في مؤسسة دبلوماسية- سيكون مهما طالما ظلت الدولارات تتدفق إلى الأسواق الأمريكية، وفي النهاية كان مجلس الشيوخ محقا في رفض تلك العقيدة المسممة والمهزومة ذاتيا، وعليه الآن الإصرار على إعادة تشكيل العلاقات الأمريكية السعودية لتعكس تقييما جديدا واقعيا، وهو أن الولايات المتحدة ليست بحاجة ولا يجب أن تدعم علاقة مع ديكتاتور متهور يحكمها”.