بقلم/ عبد الله عمر
أطلق حزب التجمع الوطني الأربعاء الماضي حملة تضامنية بعنوان “أطلقوا أبناء الدويش” للتضامن مع عائلة رجل الدين الاسلامي السعودي المختفي قسريا منذ عام 2016 سليمان الدويش وأبناءه الذين تم اعتقالهم عندما حاولوا معرفة وضع والدهم وأسباب اعتقاله وتواصلهم مع الاعلام والمنظمات الدولية، وقد يتساءل البعض حول كيفية التضامن مع شخص يعتبره البعض ‘”متطرف” وهناك موقف البعض الآخر المتحفظ على التدخل في هذه القضية رغم الانتهاكات الكبيرة التي تعرض لها الدويش وأسرته.. كان الدافع الرئيسي لكتابة هذا المقال محاولة للإجابة على سؤال “لماذا تدافعون عن أسرة الدويش” ؟
في البداية، سليمان الدويش هو داعية اسلامي سعودي تم اعتقاله في أبريل 2016 بسبب نشره تغريدات يُظن أن فيها انتقاد الملك سلمان لمنحه ابنه محمد بن سلمان الذي كان نائبًا لولي العهد وقتها صلاحيات كبيرة حيث حذر الدويش في من مخاطر منح الأفراد لأبنائهم امتيازات ومسؤوليات كبيرة دون إشراف ومساءلة مناسبين ، ولا يزال مختفي قسريا منذ اعتقاله وحتى اليوم، وبحسب عدة منظمات موثوقة من بينها منظمة “القسط” ومنظمة “DAWN” تعرض الدويش للتعذيب الوحشي على يد أحد كبار المسؤولين السعوديين بعد اختفائه في 2016 في سجنٍ غير رسمي أقيم في قبو أحد القصور الملكية بالرياض ويديره أعضاء من الدائرة المقربة لولي العهد الحالي، حيث تطاول عليه أحد كبار المسؤولين بالضرب المبرح حتى غرق بالدماء وتدخل بعض الحضور للحول دون قتله، ولم تكن تلك آخر مرة يعذب فيها أثناء احتجازه بحسب منظمة القسط، وحتى هذه اللحظة لا يزال الدويش مختفي قسريا ولا توجد اي معلومات رسمية حول وضعه ، وقد حاول أبناءه عبدالوهاب وعبدالرحمن الاستفسار عن وضع والدهم بالتواصل مع النيابة العامة التابعة للديوان الملكي السعودي والذهاب للسؤال عنه فتم اعتقالهم!
وفي يوليو الماضي تم اعتقال مالك الدويش بعد تواصله مع الاعلام الدولي للحديث عن اخفاء والده قسريا واعتقال اخوته عند محاولتهم معرفة مصيره.. وقد شاهدت مقطع سجله مالك قبل اعتقاله يحكي فيه قصة معاناة أسرته ويناشد إنصافهم كما ويتوقع اعتقاله عند نشر هذه الفديوهات وهو ما حدث بالفعل لاحقا. فماهي هي تهم هؤلاء؟ أيعقل أن يسجنوا لأنهم حاولوا معرفة مصير والدهم الذي خرجت أخبار كثيرة حول وفاته وأخرى مؤكدة حول تعرضه للتعذيب. هل هذا هو الإصلاح القانوني الذي وعد به محمد بن سلمان؟
وهنا أتساءل .. في أي بلد محترم يتم اعتقال شخص وتعذيبه واخفاءه قسريا وحرمانه من أبسط حقوقه ثم اعتقال أبناءه عند محاولتهم معرفة مصير والدهم؟
هل يمكن أن يحدث مثل هذا الجنون في دولة القانون والمؤسسات التي تحمي الحقوق؟ بالطبع لا. لكنه يحدث بشدة في ممالك الموز الفاقدة لكافة أشكال الشرعية والتي تحول تعويض افتقارها للشرعية بالقمع والتنكيل.
وهنا يجب أن يفكر الناس جيدا في هذه الأسئلة ليس للبحث عن تبرئة أو إدانة للدويش بل سعيا وراء العدالة..
إذا كان النظام واثق من صحة اتهاماته فلماذا لم يتم تقديم الدويش للمحاكمة حتى الآن؟ وأيضا لماذا يتم احتجازه من الأساس واخفاءه قسريا كل هذه المدة فضلا عن تعذيبه وحرمانه من حقوقه كمعتقل وكذلك لماذا يتم اعتقال أبناءه عندما حاولوا معرفة وضع والدهم واخبار العالم عما له؟ هل انتقاد محمد بن سلمان ووالده يبرر كل هذه الفظائع؟ هل هذه ممارسات دولة تحترم شعبها أم عصابة تمارس القمع ضد كل من ينتقدها أو يخالف توجهاتها!؟
مهما كان نوع الانتقاد وشكله لا ينبغي أن يعتقل شخص بسبب رأي سلمي فكيف بمن أُخفي عن أسرته ولا يُعرف مصيره بل وتم سجن ابناءه لأنهم حاولوا البحث عن حل لوضعه.. أي نوع من الجنون والطغيان هذا !؟
عودة للسؤال الرئيسي .. لماذا ينبغي الدفاع عن عائلة الدويش؟!
قبل الإجابة على هذا السؤال أود اقتباس تغريدة كتبها الراحل جمال خاشقجي تعليقا على مقال كُتب في الواشنطن بوست يدعو لإطلاق سراح رائف بدوي حيث يقول جمال “الحرية مبدأ واحد لا يتجزأ ، ان قبلت باعتقال رائف لن تستطيع المطالبة بحرية غيره” وأقول اليوم إن قبلنا باعتقال سليمان الدويش وأبناءه لمجرد خلافنا الفكري أو السياسي معهم فضلا عن الانتهاكات الكثيرة التي تعرضوا ولا زالوا يتعرضون إليها منذ احتجاز والدهم مرورا باعتقالهم وحتى هذه اللحظة والتي توجب على كل صاحب مبدأ أن ينصفهم ويسعى لمساعدتهم. فلن تستطيع المطالبة بحرية غيره من الضحايا والمظلومين، ويجب ألا تتجزأ قيم العدالة والحقوق وتكون المطالبة بالعدالة للجميع لا لمن يشبهنا أو يتفق معنا فقط.
نعم، لم يكن الدويش ناشطا إصلاحيا أو داعية حقوق أو رمزا نضاليا لكنه بالتأكيد معتقل رأي اُعتقل بسبب رأي سلمي مهما كنا نختلف مع هذا الرأي المهم أنه لم يقم بأي أعمال عنف أو تحريض على العنف وهذا يكفي للتضامن معه ومع أسرته ضد الانتهاكات الكثيرة التي تعرضوا لها ولا يزالون وكدعاة حقوق وعدالة ينبغي أن نسعى لوقف هذه الانتهاكات بكل ما نستطيع فالقضية هنا ليست الدويش وأبناءه فقط. الجميع في خطر تحت سلطة مطلقة ومنظومة عدالة فاسدة وجهاز أمني قمعي يستطيع البطش والتنكيل دون أي مساءلة أو محاسبة ولذلك فإن المطالبة بالعدالة للدويش وأبناءه هي مطالبة -في حقيقتها- بالعدالة لجميع المعتقلين من نتفق معهم ومن نختلف.
وأنا على المستوى الشخصي على اختلاف جذري مع معظم أفكار الدويش وأبناءه وهناك الكثير ممن يتبنون اليوم هذه القضية كذلك على نفس المستوى من الاختلاف لكنهم ومن منطلق الإيمان بالحق في حرية التعبير والفكر للجميع وسعيا لتحقيق مبادئ العدالة التي نؤمن بها يتضامنون معه ويعملون لإيجاد حل لقضيته هو وأبناءه بكل ما يملكون من أدوات وإمكانيات لأن المبادئ واحدة تشمل الجميع ولا يمكن أن تتجزأ وإلا فهي ليست قضية مبادئ!
وبغض النظر عن جدل الاتفاق أو الاختلاف مع طرحه لا ينبغي أن يكون ذلك عائق يبرر قبول الظلم والانتهاكات ويسمح بتجزئة المبادئ، ولعل ما حدث في السعودية السنوات الماضية يعطي درسا واضحا حول أهمية مناصرة الضحايا دون تفرقة أو تمييز مع السعي الجاد للحد من الانتهاكات والضغط لإيقافها بكل الطرق والوسائل الممكنة، فمن صمت بالأمس عن القمع والانتهاكات ظنا أنه بمأمن من القمع والبطش والتنكيل هو اليوم معتقل ويعاني من هذه الانتهاكات وهناك الكثير من الأمثلة فلماذا لا نستفيد من هذه الدروس القاسية؟!
وبطبيعة الحال فالجميع يعلم أن نظام العدالة في السعودية مدمر تماما والقانون خاضع للسلطة بشكل يكاد يكون غير مسبوق تاريخيا والقضاء فاسد بكافة مكوناته حتى وصل الحال الى درجة تجعل بالإمكان القبض عليك وسجنك لمدة تصل لعشرات السنين دون محاكمة أو حتى معرفة لماذا يتم احتجازك وماهي تهمتك وقد تحاكم بشكل مستعجل ويغلق ملفك دون أن يعرف عنك أحد بسبب غياب العلنية والشفافية التي هي شروط أساسية لتحقيق العدالة في أي نظام قضائي محترم.. وهذا يجعل من الضروري أن يقف الجميع بحزم ضد هذه الانتهاكات بغض النظر عن أي خلافات أو اختلافات مع الضحايا اليوم لأن الصمت يشجع على ارتكاب المزيد من الجرائم ومواصلة القمع وتوسعه ليشمل الجميع فالمستبد لا يفرق بين ضحايا قمعه فالمهم عنده هو بقاء سلطته المطلقة وفساده بعيدا عن أي نقد أو مساءلة وهو لا يميز بين خصومه وناقديه كما يمز البعض بين ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان للأسف.
ولعل هذه القصة المؤلمة لأسرة الدويش فرصة للتذكير بأهمية وضرورة السعي والعمل الجاد من أجل قيام دولة القانون عبر تعزيز مبدأ سيادة القانون وإصلاح منظومة القضاء جذريا وهو أمر بالتأكيد في مصلحة الجميع بغض النظر عن أية اختلافات كما أنه خير وقاية من جائحة القمع والتنكيل السياسي التي يعاني منها الجميع اليوم.. وهنا أستذكر ما قاله البطل وليد أبوالخير قبل قرابة تسع سنوات “إن لم توحدنا المصلحة فسيوحدنا الظلم قريباً” فهل نتعظ مما مضى ونستدرك مابقي!؟
وهنا أيضا دعوة لكل أصحاب الضمير والايمان الراسخ والحقيقي بمبادئ الحقوق والعدالة إلى تبنّي هذه القضية المؤلمة والدفاع عن هؤلاء الضحايا وفضح الانتهاكات الكثيرة والكبيرة التي يعانون منها منذ أكثر من 6 سنوات.
العدالة لعائلة الدويش ولجميع المعتقلين والمعتقلات في سجون الدكتاتورية السعودية!