حصل صندوق الثروة السيادي في السعودية، على حصص في الشركات الأمريكية الكبرى وغيرها من الكيانات المدرجة في الولايات المتحدة خلال فورة إنفاق بمليارات الدولارات أوائل عام 2020.
وحدثت هذه الاستثمارات في بداية أزمة اقتصادية متعددة الأوجه في المملكة، ووسط توترات حادة في العلاقة مع الولايات المتحدة.
ويكشف ذلك عن استمرار مسؤولي الصناديق السعودية في النظر إلى الأصول الأمريكية على أنها استثمارات جديرة بالاهتمام؛ ما يعني إدراكا لأهمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
علاوة على ذلك، يشير الاتجاه الواسع لاستثمارات الصندوق إلى الفرص التجارية للشركات الأمريكية المهتمة بالسوق السعودي.
وزاد صندوق الاستثمار السعودي العام ممتلكاته من الأسهم المدرجة في الولايات المتحدة إلى 10 مليارات دولار في الأشهر الأولى من عام 2020، ارتفاعا من نحو 2 مليار دولار في بداية العام.
وكشفت ملفات لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، أن جزءا كبيرا من هذه الاستثمارات عبارة عن حصص في الشركات الأمريكية الكبرى، مثل “بوينج” و”فيسبوك” و”سيتي جروب” و”بنك أمريكا” و”ستار بكس” و”ديزني” و”لايف نيشن” للترفيه و”ماريوت” وموقع حجز الفنادق “بوكينج”، وغيرها.
وفي عام 2019، أعلن مسؤولو صندوق الاستثمار العام عن خطط لتوسيع الوجود المادي للصندوق في الولايات المتحدة من خلال فتح مكاتب جديدة في نيويورك وسان فرانسيسكو.
وتشير الاستثمارات الأخيرة التي قام بها الصندوق إلى خروج طفيف عن مسار قرارات الاستثمار السابقة، التي تضمنت حصصا بمليارات الدولارات في الشركات، وحتى تعهدات استثمارية أكبر في صناديق استثمار تكنولوجية منفصلة.
وحصلت “أوبر” على 3.5 مليار دولار من صندوق الاستثمار العام السعودي في عام 2016، في حين تلقت “تسلا” نحو 2 مليار دولار في 2018.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016، خصص الصندوق أيضا 45 مليار دولار لصندوق رؤية “سوفت بنك” وقيمة 100 مليار دولار، والذي أفاد عن خسائر بقيمة 18 مليار دولار بعد تدوين تقييمات العديد من أصوله.
أما في 16 مايو/أيار، نفى الصندوق السعودي تقارير تفيد بأنه كان يسعى للحصول على قرض هامشي بقيمة 10 مليار دولار مدعوم بأصوله في الصندوق الياباني.
وخلال الربع الأول من عام 2020، عكست استثمارات الصندوق حصصا أصغر تبلغ نحو 800 مليون دولار أو أقل، عبر مجموعة من الأصول التي يُنظر إليها على أنها أقل من قيمتها الحقيقية.
ومن غير المرجح أن تحقق العديد من الأصول الأمريكية التي استثمر فيها الصندوق السعودي عائدا كبيرا على المدى القصير.
وأدى توقيت مثل هذه الاستثمارات في بداية الانكماش الاقتصادي إلى انتقادات بشأن فعالية توجيه الموارد المالية السعودية إلى الشركات العالمية المنكوبة.
وتصبح الاستراتيجية المقصودة وراء هذه الاستثمارات الأخيرة أكثر وضوحا عند النظر إليها من خلال عدسة طويلة المدى، إلى جانب أولويات التنمية الوطنية للحكومة السعودية.
وفي الواقع، يعتبر مسؤولو صندوق الاستثمار العام الصندوق “مستثمرا صبورا ذا أفق طويل المدى”. وفي حين أن المكاسب الاقتصادية هي هدف أساسي لأنشطة الصندوق، إلا أن الأجندات السياسية تعد عاملا مهما آخر يؤثر في الاستثمار.
ويوضح مسار صناعة الترفيه والسفر والضيافة والصناعات التكنولوجية العلاقة بين الاستثمارات السعودية الداخلية والخارجية.
ويشكل توسيع فرص الترفيه المحلية المتاحة للسعوديين هدفا رئيسيا لـ “رؤية 2030” في المملكة. وقد ساعدت الإصلاحات الاجتماعية التي قدمها ولي العهد “محمد بن سلمان” في تعزيز الدعم المحلي له، خاصة بين الشباب السعودي.
كما أن إعادة تدوير رأس المال محليا، بدلا من ترك السكان المحليين مع خيارات قليلة لإنفاق أموالهم في المنامة أو دبي أو لندن، يعتبر أيضا أمرا مهما وراء مشاريع التطوير الرئيسية التي يشرف عليها صندوق الاستثمار العام.
وفي هذا السياق، يمكن فهم الروابط المؤسسية القوية مع شركة “والت ديزني” وشركة “لايف نيشن الترفيهية”.
ويتماشى تعزيز الشراكات التجارية مع شركات السفر والضيافة متعددة الجنسيات، مثل “ماريوت”، مع خطط تطوير السياحة في المملكة.
ويتمثل الهدف الأساسي لصندوق الثروة السيادي في تقديم أشكال جديدة من مناطق الجذب السياحي ودفع المملكة إلى خريطة السياحة الدولية.
وتعد قطاعات السياحة في المملكة بمراحل تنموية مختلفة، مثل السياحة الدينية الراسخة، والسياحة المحلية والإقليمية الناشئة، والطموحات لتصبح مركزا عالميا للسياحة.
ووقعت “ماريوت” الدولية اتفاقية في يناير/كانون الثاني لبناء أول “فيرفيلد” لها بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مكة. وكانت شركة فنادق “حياة” تتوقع مضاعفة عدد فنادقها بحلول عام 2023 قبل تفشي الفيروس التاجي.
وبدلا من المقامرة التي تقدر بمليارات الدولارات على التطبيقات العصرية أو شركات السيارات الكهربائية، ركزت القائمة الأخيرة للاستثمارات الموجهة نحو التكنولوجيا على الشركات التي توفر الأدوات اللازمة لعمليات التحول الرقمي.
وتتعامل “سيسكو سيستمز” و”كوالكوم” في معدات الاتصالات وأشباه الموصلات وغيرها من خدمات التكنولوجيا الفائقة.
وتقدم شركتان أخريتان استثمر فيهما الصندوق بمبالغ متواضعة، وهما “أي بي إم” و”إيه دي بي”، مجموعة من المنتجات والخدمات للشركات العالمية والحكومات التي تسعى إلى تطوير اقتصاديات تعتمد على التكنولوجيا.
ولم تقتصر الاستثمارات الأخيرة للصندوق في أوائل عام 2020 على الشركات الأمريكية. وشملت شركات مثل شركة البترول البريطانية وشركة “رويال داتش شل” وشركة الموارد الطبيعية الكندية و”برودكوم” و”كرنفال”.
كما يسعى صندوق الثروة السيادي السعودي إلى الاستحواذ المثير للجدل على “نيوكاسل يونايتد”، وهو ناد إنجليزي محترف لكرة القدم.
وتم إدراج عدد من هذه الشركات في أسواق الأوراق المالية الأمريكية، أو يوجد مقر لها في المدن الأمريكية. لذلك، لا يتم فصل الحالة الاقتصادية لهذه الشركات، ودور صندوق الاستثمار العام السعودي في مواردها المالية، بشكل كامل عن صحة الاقتصاد الأمريكي.
ويوجد منطق لفورة الإنفاق الأخيرة للصندوق. ولكن حتى مع الظروف المتعلقة بالفيروس التاجي، فإن التحول الاقتصادي الذي تصورته الحكومة السعودية لن يكون رخيصا أبدا.
ومن المحتمل أن يمتد جزء من هذا الإنفاق والاستثمار إلى الشركات الأمريكية، ما يخلق تجمعات مد تجارية، حيث يمكن لارتفاع المد الاقتصادي أن يرفع القوارب السعودية والأمريكية معا. ومع ذلك، فإن تحقيق عوائد قوية على هذه الاستثمارات ليس مضمونا على الإطلاق.