بعد مرور أكثر من شهرين ونصف على اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده بإسطنبول، وبعد أن نشر الإعلام التركي والأجنبي الكثير من الصور لقتلة خاشقجي التي قيل إنها سربت من مصادر تركيا، اختارت السلطات التركية أن تعيد نشر هذه الصور على وكالة أنبائها الرسمية “الأناضول”، مضيفة بعض التفاصيل لتحركات القتلة بعد وقبل اغتيالهم خاشقجي.
وكالة “الأناضول” قالت إن هذه الصور جاءت بعد تفريغ آلاف الساعات من مئات الكاميرات الموزعة بأكثر من 80 منطقة في إسطنبول.
برنامج “ما وراء الخبر” تساءل في حلقته بتاريخ (2018/12/19) عن دلالات الخطوة التركية، والرسائل التي أرادت أنقرة إيصالها، وفيما إذا كان الطرف الآخر في السعودية قد فهم الرسالة التركية.
ما الرسالة؟
من وجهة نظر الباحث بشؤون الشرق الأوسط علي باكير، فإن تركيا أرادت أن ترسل رسائل من نشر الصور على وكالتها الرسمية، أهمها الإبقاء على هذه القضية حية، وهو أمر ليس بالسهل خاصة بمنطقة الشرق الأوسط التي تعج يوميا بالكثير من القضايا الهامة.
واعتبر باكير أن أنقرة أرادت أن ترد أيضا على مزاعم السعودية التي قالت إن الأتراك لم يتعاونوا بالتحقيق بهذه القضية، كما أنها أرسلت من خلال تفريغ آلاف الساعات بمئات الكاميرات رسالة للسعودية بأنها تملك أدلة على كل ما لديها من معلومات بشأن جريمة قتل خاشقجي.
وتوقع باكير أن تعمد أنقرة لمواصلة سياسة التسريب بملف خاشقجي، حتى وصول الكونغرس الأميركي الجديد لمقاعده الشهر القادم، حيث من المتوقع أن يقوم بضغط كبير على الرياض لتقديم كل المتورطين بالجريمة بما فيهم الذي أمر بارتكابها والكشف عن مصير جثة خاشقجي.
صندوق أسود
واتفق محمد مختار الشنقيطي الأستاذ الأخلاق السياسية بجامعة حمد بن خليفة مع رأي باكير بأن تركيا ستواصل سياسة التسريبات، مؤكدا قناعته بأن أنقرة لن تكشف كل ما يحتويه صندوقها الأسود بجريمة خاشقجي دفعة واحدة، وأنها تنتظر بدء الكونغرس الجديد أعماله الشهر المقبل، لممارسة المزيد من الضغط على الرياض.
ورأى الشنقيطي أن التحرك التركي الأخير جاء أيضا بعد أن استشعرت أنقرة بتحسن موقعها على الصعيد الدولي، خاصة في علاقاتها مع الولايات المتحدة، ما جعلها تشعر بأنها قادرة على فرض المزيد من الضغط على الرياض دون أن تخشى غدرا أو التفافا أميركيا لصالح السعودية.
ولكن لماذا لم تعمد تركيا لغاية الآن إلى اتخاذ أي إجراء ضد قتلة خاشقجي أو حتى توجه اتهاما رسميا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بتورطه بارتكاب الجريمة؟
ردا على هذا السؤال يوضح باكير أن أنقرة لا تملك أدوات لمعاقبة السعودية، وهي لا تريد أن تقطع العلاقة نهائيا مع الرياض، وإنما تريد أن تبقي على خطوط اتصال خاصة مع الملك السعودي وأفراد بالعائلة المالكة.
وأوضح باكير أن تركيا تتحرك أيضا بالداخل الأميركي، بهدف استخدام العصا الأميركية الغليظة لمعاقبة السعودية، لأن الولايات المتحدة تملك أدوات العقاب.
وهنا أشار الشنقيطي إلى أن تركيا لم تتهم بن سلمان مباشرة بقتل خاشقجي، لكنها جعلت مجلس الشيوخ الأميركي يفعل ذلك بعد أن قدمت لهم الأدلة التي بحوزتها.
وبحسب الشنقيطي فإن تركيا تريد أن تبقي على علاقاتها بأفراد بالعائلة المالكة السعودية الذين لن يراهنوا على مستقبل البلد مقابل حماية بن سلمان، كما أنها تتحرك بالداخل الأميركي من خلال التنسيق مع الإعلام الأميركي والكونغرس بما يكفل الضغط على الرئيس دونالد ترامب ويدفعه لمعاقبة كل المتورطين السعوديين بقتل خاشقجي والكف عن توفير الحماية لهم.
وفيما يتعلق بمدى تلقي السعوديين للرسالة التركية الأخيرة، قال باكير إن ما يهم السعودية هو مدى تأثير هذه الرسالة على الداخل السعودي من جهة، وأيضا الأثر الذي ستحدثه في واشنطن.
الجزيرة