موجة غضب واسعة أثارها إعلان مستشار الديوان الملكي رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، منع أي فعالية يجرى فيها ارتداء اللباس الشعبي في منطقة الحجاز، المعروف باسم “الغبانة”.
آل الشيخ انتقد على حسابه في تويتر، أحد المتنافسين في مرحلة “تجارب الأداء” من برنامج “سعودي آيدول” بسبب ارتدائه الغبانة، قائلا: “هالعمة ما هي عمتنا ولا عمة أهل الحجاز.. هذا لبس دخيل علينا”.
وأضاف: “أهل الحجاز على العين والرأس، لكن هذا تشويه لتاريخنا، ولن نقبل، وغير مسموح بمشاركة أي فرقة أو نشاط في الترفيه بهذه العمة.. وحتى لما أتت فرقة ينبع الغالية في موسم الرياض كانوا لابسين عمة من شماغ أو عمة أهل الحجاز الأصلية”.
واستنكر ناشطون على تويتر عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسمي #الغبانه_الحجازيه #هويه_الحجاز، موقف رئيس هيئة الترفيه، وعدائه للغبانة الحجازية، وعنصريته ضد أهل الحجاز وحقده عليهم، وإثارة فتنة بين أفراد الشعب السعودي.
واتهموا آل الشيخ بتنفيذ توجيهات ولي العهد محمد بن سلمان، بالعمل على طمس هوية الحجاز وسلخ أهلها من هويتهم العربية والإسلامية، معربين عن غضبهم من تورط مسؤول حكومي في تأجيج المشاعر وإشعال الخلافات والعبث بالتراث وإقصاء أهل الحجاز.
وأشار ناشطون إلى أن ما قاله آل الشيخ يأتي استمرارا لتاريخ طويل من تشويه وإقصاء الزي التراثي العربي السعودي في الحجاز والعبث بالتاريخ وليس العكس كما يزعم رئيس هيئة الترفيه، مؤكدين أن الغبانة هي من التراث الحجازي الأصيل.
دلائل وبراهين
وقدم ناشطون دلائل وبراهين تثبت أن الغبانة حجازية وموروث ثقافي متعارف عليه، وذلك بعرض مقتبسات لما ذكر في الإعلام السعودي، بالإضافة إلى الاستدلال بمواقف سابقة لحكام المملكة يثنون فيها على اللباس الحجازي.
وقال سلطان العامر، إن كتاب “الحياة الاجتماعية بمكة المكرمة في عهد الملك عبدالعزيز” للدكتورة إيمان كيفي الحاصلة على المركز الأول بجائزة الملك عبدالعزيز للكتاب ومنشور من كرسي الملك سلمان لدراسة تاريخ مكة في جامعة أم القرى يقول كلاما مخالفا لكلام شبه الأمي عن الغبانة وكونها جزءا من ثقافة مكة.
وعرض الصحفي تركي الشلهوب، تقريرا صحفيا في صحيفة مكة السعودية، بعنوان “يا زين لبس أهل مكة” يروي فيه الدكتور سمير برقة أحد أعيان مكة المكرمة، أن الملك سلمان قال له لدي وصوله قصر الصفا “هؤلاء هم أهل مكة.. يا زين لبسهم”، في إشارة إلى الغبانة التي كان يرتديها حينها.
وأشارت الصحيفة السعودية إلى أن “الغبانة” جزء أصيل في الموروث الحجازي وهوية تغرف بصاحبها من خلال نوع نسيجها وتصاميمها وطريقة لفها فوق الرأس.
وعلق الشلهوب قائلا: “سلمان بن عبدالعزيز يقول: يا زين لبس أهل مكة، وتوتو وناسة يقول الغبانة والعمة ليست من تراثنا”.
ورصد حساب “قبل وبعد”، افتراء تركي آل الشيخ على الغبانة الحجازية، إذ نشر تقرير لقناة الإخبارية عن الغبانة الحجازية وكيف تعد تراثا ثقافيا لحواري مكة المكرمة القديمة، وقارنها بإعلان آل الشيخ أنه لن يسمح لأي فرقة ارتداء الغبانة بحجة أنها دخيلة على الموروث الثقافي للحجاز.
وأوضح مغرد آخر، أن الملك الأسبق فيصل بن عبدالعزيز ارتدى قماش الغبانة ومعه بعض الحكام العرب وحصل هذا قبل وصول الشماغ للجزيرة العربية وانتشاره، قائلا: “يمكن فرض رأي معين على الناس لكن لا يمكن تغيير التاريخ”.
مجون الشيخ
وصب ناشطون غضبهم على تركي آل الشيخ ووصفوه باليد القذرة لابن سلمان، مستنكرين مُهاجمته للتراث الحجازي وإثارته العنصرية، وحقده على أهل الحجاز بدعوى الدفاع عن التراث.
وذكروا بأن آل الشيخ يعمل على تغريب المجتمع وتغير هويته وذلك من خلال حفلات المدل بيست والفرق الأجنبية المثيرة للجدل والاحتفال بالهالوين ورأس السنة الميلادية وغيرها، متحدثين عن الأهداف الحقيقية من وراء هجومه على الزي الحجازي.
وسخر عمر الزهراني، من إصرار آل الشيخ على عدم السماح لمن يرتدي الغبانة بالمشاركة في فعاليات الترفيه، قائلا: “اعتبرها بندانة”.
وقال الباحث في شؤون الخليج السياسية فهد الغفيلي، إن آخر من يحق له أن يتكلم عن تشويه التاريخ والتراث والتقاليد هو تركي آل الشيخ، واصفا ما فعله من استضافة الراقصات وإقامة الحفلات ونشر المجون بأنه “أكبر عملية تشويه للمملكة وهويتها وتاريخها”.
وأوضح سلطان العبدلي: “من كان يظن أن تركي ولد شيخ مستخزر الدرعية يقدح من رأسه البالي حينما تجرأ على الهوية الحجازية فهو ساذج وواهم؛ لأن هذا مشروع خزر الدرعية منذ احتلوا الحجاز، وهم شغَّالين هدما وتدميرا وتهميشا والحمدلله أنْ أخرج أضغانهم في زمن ثورة وسائل التواصل الاجتماعي.”
وكتب صاحب حساب ابن مجتهد: “رئيس هيئة المجون والخلاعة والتغريب يقول العمة ليست من ثقافتنا، يريد أن يفرق بين الشعب واستهدف هوية الحجاز، هو عنصري، وأول عنصري هو إبليس عندما قال: أنا أفضل منه.. وتركي أثبت بأنه قولا وفعلا من أتباع الشيطان”.
ورأى عز شرف، أن الهجوم على الغبانة ومنع من يلبسها من المشاركة في الفعاليات هو من باب الهجوم على تراث توارثته أجيال رصينة مشهود لها في النهوض بهذا الكيان الشامخ خصوصاً في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، ومحاولة لطمس هذا التاريخ المشرف واستبداله بتقاليد دخيلة.
تورط مسؤول
وأعرب ناشطون عن غضبهم من تورط مسؤول حكومي يفترض منه الوقوف على الحياد بين الأطراف كافة في جدل الهويات والنقاش حوله، وإثارة الفتنة والتحريض وإعلام كراهيته لشريحة معينة من المجتمع وتأجيج عنصرية مناطقية بغيضة.
وقال الباحث مهنا الحبيل، إن العنصرية مرض خطير وفتاك وأشرسه حين يتورط فيه المسؤول الرسمي، مضيفا أن “الحجاز كان ولا يزال بين حاضرة وبادية”.
وتابع: “قبائله الكريمة في محيطه معروفة وأسر حواضره منذ الزمن البعيد كان يتشكل بعضها من هجرات هي أقدم من الدول المعاصرة ذاتها، نعتهم بالتحقير واستبعادهم من أي شراكة وطنية جريمة تاريخية”.
وأكد المغرد كامل، أن العنصرية ضد أهل الحجاز والجنوب وغيرهم لم يأت بها تركي آل الشيخ، بل جاء بها آل سعود وهم من جعلوها ثقافة متجذرة تمارسها كل شرائح الشعب على بعضها البعض ومصطلحات مثل (طرش بحر)، (صفر سبعة) لا تخفى على أحد.
ورأى أن لا حل لإنهاء العنصرية إلا تحرير البلد من آل سعود، وفق وصفه.
وأشار أحد المغردين، إلى أنه في العادة يكون افتعال المشاكل وإثارة النعرات العنصرية بين مكونات المجتمع، على يد سفهائه لا على يد مستشاري الدولة، قائلا: “لا أدري أي سفاهة هذه التي تجعلهم يتبنون خطابا كهذا في بلد من المفترض أن يفتخر بتنوعه”.
ونشر محمد أحمدالمنشي، صورة لزي عمامة أهل الحجاز، موضحا أن هناك فرقا بينها وبين العمامة الهندية والفارسية.
وحث على وجوب الحذر في عدد لفات وزاوية عقدة العمامة الحجازية؛ وشكل طرفها على الرقبة قبل الانتقاد حتى التيقن من الأمر.
دور ابن سلمان
فيما خصص ناشطون تغريداتهم لمهاجمة ولي العهد السعودي والتشكيك في توجهاته وسوء نيته بعد إثارة قضية الهوية والزي الحجازي في الوقت الراهن.
وتساءلت نورة الحربي: “لماذا يخطط مبس حتى جنّد حثالته لإلهاء المواطنين بلبس الحجاز وغيره؟ هل هناك إعدامات جديدة؟ أو انتهاكات أسوأ مما سبق؟ لأن الكل يعرف أن تركي ال الشيخ لا يهمه الموروث والقيم”.
واستنكر حساب “وعي العرب”، تشهير نظام ابن سلمان بالهوية الحجازية ووصفه بأنه عادة دخيلة على المجتمع ومنع كل من يرتديه من دخول حفلات الترفيه، في حين روّجت قطر للزي العربي (البشت) وتفاخرت به كموروث شعبي لها.
ورأى صاحب حساب “رجل دولة” الذي يصف نفسه بأنه “خدم لسنوات في منصب استشاري في بلده السعودية”، أن جنون العظمة أوصل ابن سلمان إلى درجة أنه يريد إلغاء تراث وفرض تراثٍ آخر، يحذف ما يشاء ويضيف ما يشاء، ولم يصل جنون العظمى عند حاكمٍ إلى هذا الحد إلا وسقط.
وبعد تعيينه وليا للعهد، في 21 يونيو/حزيران 2017، همش ابن سلمان “هيئة الأمر بالمعروف”، ثم أنشأ على النقيض منها، “الهيئة العامة للترفيه”.
وهذه الأخيرة تنظم وتشرف على إقامة حفلات غنائية وترفيهية، وتتولى نهج الانفتاح الاجتماعي، بدءا من افتتاح دور سينما والسماح للنساء بدخول الملاعب الرياضية والاختلاط في الأماكن العامة.
وكان أبرز معالم التغيرات الجذرية في المجتمع السعودي، الانتقال السريع من نمطية محافظة وملتزمة دينيا طيلة نحو ثلاثة قرون، إلى مجتمع “منفتح” قفز بقرارات من ولي العهد على “محرمات” دينية ومجتمعية وصلت إلى حد الانحلال الأخلاقي.