تعد موافقة السعودية على شراء منظومة “إس-400” الصاروخية الروسية المضادة للطائرات بمثابة ضربة كبرى للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
وتأتي الصفقة بعد اتفاق تركيا بشراء نفس المنظومة بـ2.5 مليار دولار، وتجري مفاوضات روسية مع مصر لبيعها الـ”إس-400″، وتمتلك مصر بالفعل نظام “S-300VM” الروسي، الذي يمكنه تشغيل صواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى، وصواريخ كروز، والذخائر الموجهة بدقة، وكذلك طائرات الإنذار المبكر والحرب الإلكترونية.
ويعتبر نظام “إس-400” صورة مطورة بشكل كبير من نظام “إس-300”.
ومن بين الدول الأخرى التي لديها نظام “إس-300” هي اليونان، وهي حليف لـ”الناتو”، وحصلت عليه من قبرص، عندما هدد الأتراك قبرص بالحرب ما لم تتخل الدولة عن صواريخها، وهكذا، تم إعطاؤها لليونان لنزع فتيل الأزمة مع تركيا.
ويوجد مستخدمون آخرون لهذه الأنظمة، هناك الصين، بالطبع، وهناك أيضا الهند وأوكرانيا وفنزويلا، على سبيل المثال لا الحصر.
لكن منظومة “إس-400” تعد هي مغير اللعبة الحقيقي، والسبب في ذلك هو صواريخ الاعتراض المتعددة التي يمكن للنظام إطلاقها.
ويدعم “إس-400” إطلاق 4 صواريخ مختلفة، سلسلة “40N6E” طويلة المدى، التي يصل مداها 400 كم، وصواريخ “48N6″ طويلة المدى التي يصل مداها 250 كم، و”9M96e2” التي يصل مداها 120 كم، وصواريخ المدى القصير “9m96e” التي يصل مداها 40 كم.
وبالمقارنة، فإن نظام “باتريوت” الأمريكي يدعم إطلاق صاروخ اعتراض واحد فقط بمدى 96 كم.
ولكن هناك ما هو أكثر، فـ “9M96E2” تعد واحدة من جواهر نظام “إس-400”. حيث يطير هذا الصاروخ بسرعة 15 ماخ (الماخ = سرعة الصوت)، أي نحو 5 آلاف متر في الثانية، أو 18 ألفا و500 كم في الساعة، ويمكنه استهداف أهداف منخفضة تصل إلى 5 أمتار من الأرض، ويمكنه المناورة خلال سحب ما يصل إلى 20 جراما، وهو مصمم لضرب الطائرات والصواريخ المخترقة التي تطير من السفن أو فوق الأرض، ويمكنه تحييد صواريخ كروز.
ويقول “كارلو كوب”، أحد كبار خبراء الفضاء في العالم، إن منظومة “إس-400” لديها رادارات اقتناء اختيارية مصممة لهزيمة الطائرات الشبح الحديثة، مثل “إف-22″ و”إف-35”. وتعمل تلك الرادارات خلال نطاقات تردد متعددة، بما في ذلك نطاقات “VHF” و”L”، التي يمكنها من خلالها رؤية مقاتلات الجيل الخامس المحمية بتقنيات التسلل.
وصُممت تقنيات التسلل للتخفي عن أجهزة الكشف منخفضة النطاق بواسطة رادارات “X-band”، وهي أكثر الرادارات العسكرية والمدنية شيوعا.
وتتمتع الطائرة “إف-35” بتقنيات تخفي عالية بشكل أساسي في مقدمة الطائرة، ما يعني أنه عندما تتحول للعودة فإنها تكون عرضة للخطر.
وبمرور الوقت، سيصبح نظام الدفاع الجوي للولايات المتحدة وحلفائها، وكلهم يعتمدون بشكل أساسي على التخفي عن رادارات “النطاق X”، قد عفا عليها الزمن، مع تحرك الصين وروسيا نحو الطائرات والصواريخ القادرة على استهداف طائرات الشبح.
وإلى جانب التحسينات الرادارية، التي قد يتم تسليمها أو لا يتم تسليمها للعملاء الأجانب، فلدى روسيا نظام دفاع جوي متكامل هائل، على الرغم من أن حجم أسطول الطائرات الحديث لديها صغير جدا مقارنة بالولايات المتحدة وحلف الناتو.
وخسرت روسيا عقدا من سباق التسلح عندما لم يكن لديها أموال لتطوير وبناء طائرات جديدة، ويكاد اقتصادها اليوم يدعم شراء أعداد محدودة من المعدات الجديدة.
وفي الواقع، يعد أحد الأسباب التي دفعت روسيا لتطوير دفاعاتها الجوية، إلى جانب الرغبة في مواجهة طائرات الشبح الأمريكية وصواريخ كروز، هو أنها لا تستطيع تحمل تكوين أسطول كبير من الطائرات المقاتلة الحديثة.
وينبغي على الإدارة الأمريكية والكونجرس إيلاء اهتمام وثيق للقدرات الهجومية المحدودة لروسيا.
ويمكن استخدام صاروخ واحد بعيد المدى في منظومة “إس-400” ضد أنظمة المواجهة، بما في ذلك مواقع القيادة الطائرة والطائرات مثل “AWACS”.
وتصبح هذه الطائرات، التي تستخدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف “الناتو”، مع سرب متمركز في اليابان في “كادينا إيه إف بي”، والإمارات العربية المتحدة في الظفرة، معرضة للاعتراض من صواريخ “إس-400” وتفتقد للحماية في نطاق المواجهة.
وربما نكون بذلك قد وصلنا إلى نهاية قدرات “AWACS” الفائقة، التي تم تصميمها في الأصل في الستينات.
وتتمتع منظومة “إس-400” أيضا بقدرة ضد الصواريخ الباليستية، وهي ميزة جذبت اهتمام السعودية بالتأكيد، لكن لا أحد يعرف بالتأكيد مدى جودتها ضد الصواريخ الباليستية.
وربما كان القرار السعودي بشراء “إس-400” مرتبطا بشراء مصر سابقا لمنظومة “إس-300 في إم”، ورغبتها في الحصول على “إس-400″، وربما تكون السعودية ودول الخليج الأخرى هي من دفع ثمن تلك المنظومة.
لقد حقق الروس بالتأكيد طفرة في مبيعات الأسلحة لبعض دول “الناتو” التي تجد مستقبلها غامضا في الكتلة، مثل اليونان وتركيا. وكذلك لدول قوية قريبة للغاية من الولايات المتحدة الأمريكية، مثل المملكة العربية السعودية، ودول خليجية أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة.
وفي أحدث مثال على ذلك، تقول روسيا إن الإمارات لا تبعد سوى أشهر عن شراء طائرة مقاتلة متعددة المهام من طراز “سو-35″، ملكة أسطول الطائرات الروسية المقاتلة الحالية.
ويعد هذا الصعود الروسي منطقيا من الناحية التكنولوجية، فالولايات المتحدة لا تملك منافسا حقيقيا لنظام “إس-400″، ولا تحرص في الأساس على تطوير هذه الأنظمة، وهذا أمر سيئ للغاية.