أكد محللون أمريكيون أن انكشاف التعهد الأمريكي للسعودية باستخدام القوة لتأمين تدفق النفط من الخليج، الذي يعود إلى الرئيس الأسبق “جيمي كارتر” عام 1980، أجبر ولي عهد المملكة وحاكمها الفعلي “محمد بن سلمان” على الملاينة مع أعدائه بالمنطقة، عبر التفاوض مع الحوثيين وتخفيف الحصار عن قطر وفتح قنوات وساطة مع إيران.
وأفاد المحللون بأن انكشاف ما عرف تاريخيا بـ”عقيدة كارتر”، بعد الثورة الإسلامية في إيران والغزو السوفييتي لأفغانستان، جرى بعد الهجمات التي تعرضت لها منشآت شركة النفط السعودية العملاقة (أرامكو)، شرقي المملكة، وفتور رد فعل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إزائه، رغم تأكيده على أن إيران تقف وراءه، وفقا لما أوردته صحيفة نيويورك تايمز.
وكان رؤساء الولايات المتحدة، من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء، قد دأبوا على الالتزام بهذه العقيدة، حيث نظروا إلى السعودية كمصدر مهم للنفط العالمي والمصالح الأمريكية.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن “ديفيد روبرتس”، الباحث في يونيفرستي كوليج بجامعة لندن، قوله: “أعتقد أننا سننظر لهجمات 14 سبتمبر/أيلول كنقطة محورية في تاريخ الخليج (..).فالسعوديون اكتشفوا أن عليهم البحث عن طرق للتقارب في ظل انهيار فكرة دفاع الولايات المتحدة عنهم”.
وأضاف: “يظل التحول بالنسبة للولايات المتحدة تناقضا ظاهريا غير مريح؛ فلطالما ضغطت إدارة ترامب والكونجرس على السعوديين لوقف الحرب في اليمن وإنهاء حصار قطر دون نتيجة. ويبدو أن الغارات الإيرانية فعلت لدعم هذين الهدفين أكثر من الضغوط الأمريكية”.
فحرب السعودية مع الحوثيين تحولت إلى حالة من الجمود بات فيها الانتصار مستحيلا، أما قطر فقد استخدمت ثروتها وعلاقاتها الدولية لتجاوز آثار الحصار، ثم جاء الهجوم على منشآت النفط والذي كشف عن ضعف الصناعة النفطية السعودية، التي تعتبر جوهرة المملكة، وهي الأحداث التي دفعت الرياض إلى “إعادة نظر من نوع ما” لسياستها الخارجية، حسبما يرى “روبرت مالي”، المسؤول السابق في إدارة الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما”.
وأضاف أن “التحول المفاجئ للدبلوماسية السعودية مع قطر واليمن يعكس رغبة سعودية لتقوية موقفها الإقليمي في وقت من عدم اليقين وحالة ضعف”.
وفي السياق، يرى “ستيفن كوك”، من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أن “ما لم يفهمه السعوديون هو أن ترامب قريب من رؤية باراك أوباما أكثر مما يعرفون”، في إشارة إلى أن استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي الحالي تدور حول “الخروج من الشرق الأوسط” كسلفه.
وأضاف أن سمعة السعوديين التي تدهورت في الكونجرس بسبب حرب اليمن وحصار قطر ثم قتل الصحفي “جمال خاشقجي” في إسطنبول العام الماضي مثلت عامل ضغط على “ترامب” الذي ظل داعما للسعودية رغم الغضب النيابي، لكن مع قرب الانتخابات الأمريكية العام المقبل، اكتشف السعوديون أن الرئيس الجمهوري قد يجد موقفه الداعم لهم كتهمة أمام الناخبين الأمريكيين، وأن رئيسا جديدا، إن لم ينتخب “ترامب” مرة ثانية، سيأخذ موقفا مختلفا منهم.
ويشير “إيميل هوكاييم”، من المعهد الدولي للدراسات الدولية والاستراتيجية، إلى عامل آخر أجبر “بن سلمان” على الملاينة، وهو تراجع دعم حلفائه بدولة الإمارات.
فالعلاقة بين الحليفين انكشفت بعدما قررت الإمارات سحب قواتها من اليمن في يونيو/حزيران الماضي، وعقدت لقاء مع المسؤولين الإيرانيين حول الأمن البحري بالخليج في يوليو/تموز.
وتؤكد “راضية المتوكل”، من منظمة مواطنة الحقوقية اليمنية، أن السعوديين لم يكونوا ليختاروا تخفيف التوتر لو كانت الحرب تسير في صالحهم وقت هجمات أرامكو.
ورغم ذلك، تشير “نيويورك تايمز” إلى أن تحول السياسة السعودية إقليميا لم يسفر عن نتيجة ملموسة حتى الآن، إذ لم يتم تطبيع العلاقات مع قطر رغم إرسالة السعودية فريقها لكرة القدم للمشاركة في مباريات كأس دول الخليج التي عقدت بالدوحة، ولقاء وزير الخارجية القطري مع مسؤولين سعوديين.
ولم يتم التوصل إلى اتفاق شامل مع الحوثيين رغم تبادل السجناء معهم كبادرة حسن نية.
وعلى جانب إيران فالتقدم ليس واضحا، وبعد سنوات من العداء والرهانات العالية بين البلدين دخلت دول مثل باكستان والعراق على الخط لبناء قنوات وساطة بين الطرفين.