على الرغم من الحملة التي شنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على التيار الديني الموالي للسلطة برموزه وهيئاته، من أجل تحجيمه والتي كانت أبرزها هيئة الأمر بالمعروف، إلا أنه لم يتمكن من الاستغناء عن دور التيار، في تقديم الدعم له، خاصة بعد أزمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي.
ولجأ ولي العهد السعودي للاستعانة بالعديد من رموز هذا التيار، رغم إبعادهم عن المشهد وتصدير مشهد الانفتاح، عبر الحفلات الغنائية والمهرجانات ودور السينما، من أجل إصباغ المشروعية عليه والدفاع عنه في وجه الأصابع التي تتهمه، بالوقوف وراء قتل خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.
وأبرز الإعلام السعودي في افتتاح مجلس الشورى الشهر الماضي، صور جلوس مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، بجانب ولي العهد محمد بن سلمان إضافة للقطات أحاديث جانبية بينهما خلال الجلسة.
واستخدم منبر الحرم المكي مرار من قبل إمامه عبد الله بن عبد الرحمن السديس، للدفاع عن ولي العهد، ووصفه بأنه “ملهم ومحدث” ولنفي التهم عنه بارتكاب جريمة قتل خاشقجي.
وخلال الأسابيع الماضية نشط إمام مسجد قباء في المدينة المنورة، الشيخ صالح المغامسي في الدفاع عن ولي العهد السعودي والحديث عن”فضائله ومناقبه”على شاشات الفضائيات وفي موقع تويتر، وأنه كان يعطي الأموال سرا لتوزع على الفقراء، فضلا عن الإشارة لوجود سر بينه وبين الله، أفشل الهجمة عليه بعد مقتل خاشقجي.
خطوة للوراء
وتثار تساؤلات بشأن ما إذا كان ولي العهد السعودي لا يزال بحاجة التيار الديني التقليدي في السعودية، رغم محاولات إبعاده عن المشهد، وتقديم المملكة بصورة أكثر انفتاحا على العالم، بعيدا عن الصورة التي كانت تحملها منذ تأسيسها.
الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة، الدكتور جمال عبد الستار قال: إن “تصدير مشهد دعاة يدافعون عن ولي العهد السعودي، في ظل الانفتاح الجاري ومحاولة تغيير الصورة النمطية المعروفة عن السعودية خطوة تعودها المملكة للوراء”.
وأوضح عبد الستار لـ”عربي21″ أن التيار الديني في السعودية “ينتسب زورا للسلفية، وجرى استغلال منتسبيه في حقبة زمنية باعترافهم، بتوجيهات من الولايات المتحدة، لخدمة النظام وهو ما تراجعوا عنه مؤخرا، وأكده ولي العهد السعودي بنفسه”.
وأضاف: “هو قرر الاستغناء عن هذا التيار الذي يتكون أفراده من جنود بلباس ديني وعمائم، ويعملون تحت إمرة السلطة، لكن في اللحظة التي احتاج فيها لدعايتهم والشعبية التي اكتسبوها في الحقبة الماضية، أعاد إخراجهم من جديد لهدف محدود وهو الدفاع عنه”.
وشدد عبد الستار على أن “استعادة هذه الشخصيات وتوزيعها على الفضائيات للدفاع عن ابن سلمان، ضد الاتهامات الموجهة إليه، خطة لن تنجح في ظل سقوطهم من أعين الناس” وفق وصفه.
وأكد أن “تسويق الشخصيات هذه الأيام عبر البوابة الدينية والحديث عن الفضائل والمناقب وصدقات السر، وصفة لا يمكن أن تنجح” مضيفا “الشعوب مرت بها أحداث فاصلة ومستوى الوعي ارتفع، ولا يمكن خداع شعب أو السيطرة عليه، باسم مؤسسة دينية هناك وهناك”.
ورأى عبد الستار أن المملكة “أضاعت بممارسات ابن سلمان فرصة ذهبية، لقيادة العالم الإسلامي، لما كانت تتمتع به من مكانه دينية على امتداد الأمة الإسلامية” مشيرا إلى أنها “قادت عملية انتحار، فقدت فيها رصيدها لصالح منظومة عبثية، تتجه للانفتاح على النقيض من تاريخها بلا مستقبل ولا حاضر”.
إعادة تدوير
من جانبه وصف المتحدث السابق باسم وزارة الأوقاف المصرية الداعية الدكتور سلامة عبد القوي، إبراز بعض الشخصيات الدينية للدفاع عن ابن سلمان بـ”إعادة التدوير”.
وقال عبد القوي لـ”عربي21″ إن “أي مستبد لديه أزمة حقيقية مع العلماء الرافضين للمداهنة، بسبب مصداقيتهم وشعبيتهم، يلجأ لمشايخ يستر عورته بهم ولو أعاد تدويرهم بطريقة أو بأخرى، رغم رفضه لهم وسعيه للتخلص منهم”.
وأشار إلى استعانة بعض الأنظمة بشخصيات دينية من أجل تسويق نفسها رغم محاربتها لهذا التيار بالعموم ومنها “الاستعانة بشيخ الأزهر أحمد الطيب لشرعنة الانقلاب، رغم دعوات السيسي لتجديد الخطاب الديني، وتضييقه على الأزهر، بالإضافة للإشكالات التي تجري مع مفتي سوريا أحمد الحسون، رغم شرعنته لأفعال الأسد خلال السنوات الماضية”.
ولفت عبد القوي إلى أن تصديرهذه الشخصيات “لن يكون على العموم كما كان يحصل في السابق، بحيث تفرد لهم الساحات لكن سيكون على نطاق ضيق، وفق ما تقتضيه الحاجة، من أجل التسبيح للحاكم”.
وقال إن الهيئات المتعلقة بهذا التيار “ستبقى على حالها لكنها، لن تمارس عملها السابق وستوجه نحو مسارات محددة، تخدم ما يريده الحاكم، مثلما حصل مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمشايخ الذين غيروا فتاوى الحرام إلى حلال بأوامر من القصر”.
ورأى عبد القوي أن الشخصيات التي صدرها ابن سلمان، في الآونة الأخيرة “انقلبت على ما تعتقد به، وكانت تروج له منذ زمن” وأضاف: “بات بعضهم الآن يتحدث عن الأسرار والكرامات وهي مسائل كانت الصوفية تعتقد بها ويحاربها بضراوة سلفيو السعودية، لكن طالما تناسب موضع الدفاع عن الرجل فلا بأس باستخدامها، مثلما حصل مع الشيخ المغامسي”.