ما زال الاسرائيليون مصابين بحالة من الإحباط من تبعات الاتفاق الدبلوماسي بين السعودية وإيران، لاسيما تأثيره حول مستقبل التطبيع مع المملكة، وإمكانية أن يؤثر سلباً على الجهود لتحقيق التطبيع مع باقي الدول العربية.
صحيح أن جذور العداء بين السعودية وإيران تكمن في الخلافات الدينية والعرقية، ولن تختفي مع الاتفاق، لكن الاحتلال على قناعة بأنه الآن بعد هذا الاتفاق أمام تهديد حقيقي، لأن فرص تطبيعه مع السعودية تتضاءل، والسعوديون ينظرون لهذه الخطوة بأنها توزيع للمخاطر وخطوة موازنة تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل؛ ما يستدعي بحثهما عن الحاجة الملحة لتأمين موقفهما في المنطقة.
البروفيسور عوزي رابي رئيس مركز موشيه ديان للشرق الأوسط وإفريقيا بجامعة تل أبيب، قال إنه “لا ينبغي أن يتفاجأ الإسرائيليون كثيرا من الاتفاق السعودي الإيراني، صحيح أنه لن يخمد اتهامات العداء بينهما، لكنه سيخلق واقعًا أكثر راحة لكليهما في هذا الوقت، مع أننا أمام لعبة كبيرة توجد فيها الصين المستفيدة من الفراغ الأمريكي، مع أن هذا ليس بالضرورة ضد المصلحة الأمريكية، رغم أن الصين تتقدم على الولايات المتحدة في هذه المنطقة، وهي بذلك تتخذ خطوة ذات أهمية جيو-سياسية”.
وأضاف في مقابلة نشرتها صحيفة “معاريف”، وترجمتها “عربي21” أن “تأثير الاتفاق الإيراني السعودي على التطبيع يرتبط بالتزام الأمريكيين باتفاقات التطبيع، ليس لأنهم موقعون عليها، ولكن لأنهم كثيرًا ما يحتاجون لتوسيع صفوفهم لتعزيز هذا الواقع الذي يساعدهم في تخفيض قواتهم في المنطقة، ولهذا السبب فنحن في معادلة مثيرة جدًا، وإذا أردت المراهنة فإن هذا الاتفاق لن يضر باحتمالية دخول السعودية جزئيًا على الأقل للتطبيع مع إسرائيل، رغم أنه يمكن اعتباره نوعًا من الصعوبة، أو ورقة ضغط على الولايات المتحدة من جانب المملكة”.
وأشار إلى أن “السعودية ستعقد اتفاقية مع إسرائيل، فقط إذا وفرت الولايات المتحدة مظلة أمنية، وثغرة لحيازة مشروع نووي مدني. الأمريكيون بحاجة للسعوديين في إطار اتفاقيات التطبيع لأنها حاجة أمريكية في الشرق الأوسط، وهو ما يريده السعوديون أيضا”.
مائير بن شبات الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي أكد أن “التحدي الكبير لإسرائيل من اتفاق إيران والسعودية هو الحفاظ على اتفاقات التطبيع، لأن ذوبان الجليد في العلاقات بينهما يضعنا في موقف إشكالي، خاصة أن الصين تدخل على حساب الولايات المتحدة، والاختبارات التي تنتظر إسرائيل ستصبح أكثر تعقيدًا، لأنه لا يمكن للسعودية أن تثق بالولايات المتحدة في ما يتعلق بأمنها، وهذه رسالتها بتجديد علاقاتها مع طهران”.
وأضاف في مقال نشرته صحيفة “إسرائيل اليوم”، وترجمته “عربي21” أن “القراءة الإسرائيلية للاتفاق الإيراني السعودي مفادها أن الرياض تسعى لحيازة بوليصة تأمين بديلة تحت رعاية بكين، في نفس الوقت الذي تقوم فيه بتوثيق علاقاتها مع موسكو، ويشير هذا التطور لمرحلة أخرى من إضعاف الولايات المتحدة في المنطقة، وتقوية المحور المضاد الذي أقيم ضدها بقيادة الصين، وبدعم جزئي من روسيا”.
ولم يتردد المسئول الإسرائيلي بالقول إن “تل أبيب وواشنطن مطالبتان للرد على الاتفاق السعودي الإيراني بدعم مصر، وإتمام الاتفاقات مع السودان، والاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وتسخير الدول الأخرى لعملية التطبيع، لأن الدرس المستفاد من هذا التطور الخير واضح، وهو أنه لا يوجد فراغ سياسي، فعندما لا تكون الولايات المتحدة حاضرة بشكل فعال، فإنها تتخلى عن مكانها”.
الخلاصة الإسرائيلية من الاتفاق الإيراني السعودي أن الصين أدركت الفرصة لملء الفراغ الناجم عن تقلص البصمة الأمريكية في المنطقة، وتمهيد الطريق لتجديد العلاقات بينهما، ما دفعهما لاستقبال هذا الاتفاق بارتياح، واعتبار إسرائيل والولايات المتحدة أكبر الخاسرين من الخطوة، والصين هي الفائز الأكبر، التي ستصبح الآن قادرة على الانفتاح على الدول العربية والعالم الإسلامي عبر بوابات السعودية وإيران، وهذه تنبؤات مقلقة لإسرائيل لا ينبغي تجاهلها، ولا اعتبارها رؤية غيبية.
في المقابل، أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” نقلا عن شخص مطلع، بأن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، يلعب دورا مباشرا في المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة لإبرام اتفاق سلام بين السعودية و”إسرائيل”.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن الشخصية السعودية الأكثر نشاطا في تلك المفاوضات هي سفيرة المملكة لدى واشنطن، الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان.
كما قال شخصان مطلعان على الأمر إن المفاوضات الأمريكية يقودها منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك، وكبير مساعدي بايدن لقضايا الطاقة العالمية، أموس هوشستين.
وفي وقت سابق، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن السعودية تسعى للحصول على تعهدات أمنية ومساعدة نووية من الولايات المتحدة مقابل التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
ونقلت الصحيفة عن أشخاص مطلعين على المناقشات بين البلدين، القول إن الرياض طلبت من واشنطن تقديم ضمانات أمنية والمساعدة في تطوير برنامجها النووي المدني، بالتزامن مع سعي الولايات المتحدة التوسط لإقامة علاقات دبلوماسية بين المملكة وإسرائيل.
وأضافت الصحيفة أن التوصل إلى اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية أصبح أولوية بالنسبة للرئيس الأميركي، جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في ظل مواجهة محتملة مع إيران.
وانقسم المسؤولون والخبراء في الولايات المتحدة والشرق الأوسط حول مدى جدية التعامل مع الطلبات السعودية بالنظر إلى العلاقات الفاترة بين بايدن ومحمد بن سلمان.
وتشير “نيويورك تايمز” إلى أن هناك عدة تحديات تقف في طريق صفقة سلام سعودية إسرائيلية محتملة والتي ستكون ضمن إطار معاهدة إبراهيم التي توسطت فيها إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، وأسفرت عن علاقات دبلوماسية كاملة بين إسرائيل و4 دول عربية منها الإمارات والبحرين.
ويبرز تصاعد العنف بين إسرائيل والفلسطينيين في ظل الحكومة اليمينية الجديدة في البلاد خلال الأسابيع الأخيرة أبرز تلك التحديات.
وأصدرت الحكومة السعودية إدانات علنية متكررة للإجراءات الإسرائيلية، مما يقلل من احتمالية التوصل إلى صفقة على المدى القريب، بحسب الصحيفة.
ويقول محللون إن تصعيدا كبيرا مثل انتفاضة فلسطينية جديدة سيجعل التوصل إلى اتفاق مستحيلا.
وقال مسؤولون سعوديون إنهم لا يستطيعون إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع إسرائيل قبل إقامة دولة فلسطينية.
لكن بعض الأشخاص المطلعين على المناقشات قالوا إنهم يعتقدون أن السعوديين، الذين يبنون علاقات غير رسمية أوثق مع إسرائيل، سيقبلون بأقل من ذلك، وفقا لـ “نيويورك تايمز”.