شهدت العلاقات السعودية السورية خلال الأيام الماضية، تطورا نحو تحقيق المصالحة بعد خصام بين البلدين دام نحو 11 عاما.
والثلاثاء زار وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان العاصمة السورية دمشق، وعقد لقاء مع بشار الأسد.
لكن وعلى خلاف ما كان متوقعا، لم يشهد اجتماع جدة العربي التشاوري الذي عقد قبل أيام، توافقا بخصوص عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، إلى عدم وجود إجماع عربي على التطبيع مع النظام السوري دون شروط.
وعكَس غياب أي قرار بخصوص مشاركة النظام السوري في قمة الرياض، حجم الخلافات بين الأطراف (دول مجلس التعاون لدول الخليج، والأردن، ومصر، والعراق)، بخصوص عودة النظام السوري إلى الحضن العربي.
وفيما يخص الملف السوري، أكد البيان الختامي على ضرورة إنهاء أزمة اللاجئين، حيث اتفق الوزراء على أهمية حل الأزمة الإنسانية، وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية.
ودعا البيان إلى إنهاء وجود الميليشيات المسلحة والتدخلات الخارجية، وأكدت وفود الدول المشاركة في الاجتماع على أهمية مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته، ومكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وأهمية قيام مؤسسات الدولة بالحفاظ على سيادة سوريا على أراضيها لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري.
وأخيراً، شدد البيان على التمسك بالحل السياسي للأزمة السورية، وضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية لأنه السبيل الوحيد لحل الأزمة، والذي من شأنه أن ينهي كافة تداعياتها ويحافظ على وحدة سوريا، وأمنها واستقرارها، وهويتها العربية، ويعيدها إلى محيطها العربي، مشيراً إلى “أهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، ووضع الآليات اللازمة لهذا الدور، وتكثيف التشاور بين الدول العربية بما يكفل نجاح هذه الجهود”.
التشاور لا زال قائماً
من جانبه، يرى الخبير والمحلل السياسي السعودي الدكتور محمد صالح الحربي، أن الاجتماع كان تشاورياً قبل قمة الرياض في أيار/مايو القادم، والاجتماع عُقد في ظل وجود تحفظ من أطراف عربية على إعادة سوريا إلى الحضن العربي.
ويضيف أن بعض الدول تطالب بوجود ضمانات من الحكومة السورية تخص اللاجئين والنازحين السوريين، وقال: “الرياض ناقشت هذه الملفات خلال زيارة وزير خارجية سوريا فيصل المقداد إلى جدة”.
وبذلك يؤكد الحربي أن المشاورات لا زالت قائمة بخصوص الملف السوري، حتى انعقاد القمة العربية، والكل يريد حلاً استراتيجياً.
وبعد الاجتماع دعت دولة الكويت النظام السوري إلى اتخاذ خطوات حقيقية وملموسة لبناء الثقة، لإنهاء الأزمة السورية، تشمل إطلاق سراح المعتقلين، وقال وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم عبد الله الجابر الصباح، السبت، إن “دولة الكويت لن تخرج عن الإجماع والتوافق العربي في هذا الشأن”.
أما وزارة الخارجية القطرية فقالت إنه “تم التشاور وتبادل وجهات النظر حول الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، يضع حدا لمعاناة الشعب السوري الشقيق، ويعالج كافة تداعياتها، ويحافظ على وحدة التراب السوري”.
وزارة الخارجية الأردنية، أكدت أنها استعرضت خلال الاجتماع المبادرة الأردنية القائمة على انخراط عربي سوري مباشر، للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، يحفظ وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها، ويعيد لها أمنها واستقرارها ودورها، ويهيئ ظروف العودة الطوعية للاجئين، ويخلصها من الإرهاب.
وتابعت أن “مبادرة المملكة التقت مع الطروحات التي قدمتها المملكة العربية السعودية والدول العربية المشاركة، والتي عكست توافقا على ضرورة التوصل لحل سياسي للأزمة، وتفعيل الدور العربي القيادي في جهود التوصل لهذا الحل”.
غياب الاستراتيجية الموحدة
ويقرأ الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة، في نتائج الاجتماع والتصريحات المختلفة بعده عدم وجود استراتيجية عربية وخطة سلام للقضية السورية.
ويضيف أن الاجتماع لم يخرج عن إطار المشاورات وبحث أفكار وطروحات تقدمت بها بعض الدول، الأردن على سبيل المثال، وشجعتها دول ورفضتها أخرى.
ويمكن بحسب خليفة، الاستنتاج بأن الدول الساعية لإعادة النظام إلى مقعد سوريا في الجامعة العربية، تحاول جاهدة لعب دور في أي تسوية سياسية قادمة، لكن بالمقابل يجب أن تأخذ هذه الحكومات أن الدخول من البوابة الإنسانية لإعادة تعويم النظام يتطلب حلا سياسيا شاملا، ومن المعلوم أن المساعدات الإنسانية باتت ضمن استراتيجية “القوة الناعمة” لسياسات الدول الخارجية.
اتفاقات الحد الأدنى
أما الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي فيرى أن “الخلاف ليس على عودة النظام إلى الجامعة العربية وحضور قمة الرياض، إنما حول المطلوب من النظام قبل ذلك”.
ويوضح أن محوراً عربياً لا يعارض عودة النظام السوري إلى الحضن العربي دون شروط، مقابل آخر يطالب النظام بالتزامات على صعيد ملفات اللاجئين والملفات الإنسانية.
وبذلك، يبدو لعلاوي أن هناك حدا أدنى من التوافق العربي على عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، مقابل خلافات على شروط وطريقة العودة، ويقول: “لا زال من المبكر الحكم على قبول عربي بعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية قبل قمة الرياض، والواضح أن هناك جولة أخرى بين الدول العربية لتقريب وجهات النظر بهذا الخصوص”.