خاص: من البدهي أن كل دولة تنفق الكثير من أجل أن تقدم نفسها بأبهى حلة، وتحاول جاهدة أن تسوق مبادئها وتفتخر بماضيها حتى ولو كان عن طريق تزوير التاريخ، ومن هنا نفهم حرص الأمم على كتابة تاريخها السياسي والاجتماعي والعسكري بأنصع صورة، وإبراز البطولات والاحتفاء بالأبطال.

ومن يستعرض أفلام الإنتاج الضخم يكتشف بسهولة أن الدول تقف خلفها من كثرة الكومبارس ووفرة العتاد العسكري المستخدم، وسيطلع على الكثير من الأفلام التاريخية والوثائقية التي تخدم منتجيها؛ فهناك أفلام أمريكية وصينية وكورية ويابانية وروسية وإيرانية وتركية تروي تاريخها حسب رؤيتها وتمجد أبطالها.

ومع الاحتفاء الشديد بباكورة الإنتاج السينمائي السعودي والترويج له، خاصة وأن اسمه متميز، فعندما تسمع اسم العاصوف سيتبادر إلى ذهنك أنه من المؤكد سيطرح سيرة أحد الأبطال الفاتحين، أو سيحكي انتشار فكرة، ومن يفهم عقلية الدولة السعودية التقليدي سيتوقع أن الحديث لن يخرج عن أربع شخصيات محتملة: ثلاثة سياسية عسكرية، والرابعة فكرية وهي محمد بن سعود أو تركي بن عبدالله أو عبدالعزيز بن عبدالرحمن أو محمد بن عبدالوهاب، وأنه سيكون فيلمًا دعائيًا مباشرًا.

ولكن الحقيقة أنه فيلم دعائي ولكنه يهدف إلى تسويق فكرة أساسية أن مجتمعنا مجتمع متناقض، يعشش فيه الفساد الأخلاقي بأحط الصور والأمثلة، وأن مظاهر الالتزام قشرة خادعة سببها الضغط المجتمعي وأنظمة الدولة المطبقة بتأثير من أجهزة الدولة التابعة للتيار الديني، مثل هيئة الإفتاء والدعوة والإرشاد وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووزارة الشئون الإسلامية.

ومن أجل إثبات صحة طرح العاصوف فقد أطلق عاصوف الحزم بحملة إعلامية على كل ثوابت الدين والمجتمع، برز فيها الصحفي محمد آل الشيخ، وحملة أخرى رياضية ترفيهية برعاية رسمية مباشرة يتصدر فيها المستشار تركي آل الشيخ، وأما ثالثة الأثافي فحملة على منابر الدعوة والخير اختير لها أيضاً واحد من آل الشيخ هو الخبير الأمني عبداللطيف آل الشيخ الذي أطلق على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأعادها إلى المكاتب ومنعها من العمل الفعلي في الميدان، فاختفت من الساحة، وفتح المجال لكل مظاهر التسيب والفوضى الأخلاقية، وكل هذا بقرارات تعسفية متلاحقة.

ولم ينته الأمر عند هذا بل أطلق هذا العاصوف لتحطيم كيان آخر وهو وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد التي أنشئت حديثًا لأهداف ظاهرها الرعاية وباطنها التحكم بمناشط الدعوة، ولذا تولاها أناس تدرجوا من داعية نشط إلى طالب علم فيه خير، وكلهم قريبون من الدولة.

ولكن العاصوف الأخير الذي اختير بعناية لهدف اجتثاث الحواجز التي تقف أمام نجاح المسارين الإعلامي والترفيهي العبثي فهو أتى بخلفية أمنية حاقدة مندفعة، استغل التيار الجامي المصنوع  واستعمله كرأس حربة في تخريب النشاطات الدعوية للمجتمع وللجاليات، ولكن حربه الرئيسة كانت ضد صرح أراد الله له التوسع والانتشار بفضل من الله، بجهود فردية تحولت إلى جماعية خيرية، وهي جمعيات تحفيظ القرآن التي انتشرت في كافة الأرجاء، وكثرة حفاظ كتاب الله بصورة أغاظت كل كاره ومحارب لهذا الدين، وأصبحت هدفاً لسهامهم.

وانبرى طابورهم الخامس من الجامية لمهاجمة التحفيظ بدعوى أنه نشاط إخواني، ولكن انتشاره وتشعبه فضح كيدهم، فهو نشاط مجتمعي كان شاملا في كافة أنحاء العالم الإسلامي، حورب في فترة الاستعمار، وقد تم إحياؤه وبدأ يأخذ مكانه من جديد بعد طول غياب.

ولما كان أكبر الحواجز الموجودة ضد مخطط تدمير الهوية وتطويع المجتمع للاستعمار من جديد ولحساسية الموضوع انبروا للتضييق عليه بأساليب متنوعة بدأها خالد الفيصل أمير مكة بدعوى سعودة حلقات التحفيظ لجس النبض، وكانت بداية غير موفقة؛ لأن العذر واهٍ وغير منطقي، وتعرض لنقد شديد خاصة مع حادثة وفاة معالي الشيخ محمد عبده يماني بأزمة قلبية بعد حوار مع الأمير حول موضوع الهجوم الأول على التحفيظ، وهو تجفيف العاملين، مع العلم أن الدولة لا تدفع رواتبهم الهزيلة أساساً.

ونحن بعد سنوات من الهجوم الأول يعود الهجوم أقوى وأشرس وأعم وبصورة يتضح فيها التخطيط والتدرج السريع، فالوقت ضيق وتبعية جمعيات التحفيظ للعاصوف غير نظامية، فمرجعها النظامي هو الشئون الاجتماعية لأنها جمعيات أهلية خيرية وليست مؤسسات حكومية، وتبعيتها لوزارة الشئون الإسلامية مؤقته، ولذا فهذا الخبيث يريد إيصالها إلى حالة ميئوس منها عند انتقالها، ولذا تتابعت التعميمات التي كلها تهديد ووعيد للمسئولين عند عدم الانقياد والتطبيق الحرفي لما يقول.

والأوامر الصارمة التي تركز على تجفيف كل المنابع وحرب القرآن كثيرة ومخيفة، ولكن المجتمع واع ولن يقبل. وإن غدًا لناظره قريب.