إلام تؤشر كواليس زيارة نائب وزير الدفاع السعودي، شقيق ولي العهد، الأمير “خالد بن سلمان” لواشنطن، الأسبوع الماضي، في ظل تأرجح العلاقات الأمريكية السعودية بين مد وجزر؟ وما هو التأثير المتوقع للزيارة؟.
دارت أغلب نقاشات مراقبي الشأن السعودي حول إجابة هذين السؤالين خلال الأيام الماضية، وجاءت تلك النقاشات متأثرة بحقيقة أن الزيارة كانت مفاجئة، إذ لم يعلن عنها قبل حدوثها يوم الثلاثاء الماضي، كما بدا واضحا أن إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” حرصت على حجب الأضواء عنها قدر الإمكان.
جدول أعمال الزيارة “سربته” وزارة الخارجية، وأشارت إليه بصورة خاطفة، الأربعاء الماضي، مكتفية بالإشارة إلى أن الأمير السعودي “سيناقش مع المسؤولين في الإدارة قضايا هامة للعلاقات الثنائية”، من دون تفاصيل ولا أسماء.
فالولايات المتحدة تبدو في “علاقة محرجة” مع السعودية، إذ تشير تطورات أوضاع المنطقة، خاصة في اليمن، أن العلاقة لا غنى لها عنها، لكن إدارة “بايدن” لا تحتمل المخاطرة باحتضان المملكة علنيا كما كان الحال في عهد “ترامب”.
البحث عن موازنة
كما جاءت زيارة الأمير “خالد” في وقت يتحرك فيه البنتاجون لسحب العديد من أنظمة الدفاع الجوي من السعودية خلال الأشهر الأخيرة، ما يؤشر إلى صيغة موازنة أمريكية بين التخفف من أعباء الشرق الأوسط من جانب، وضرورة الحفاظ على المصالح الاستراتيجية مع السعودية من جانب آخر، وفقا لما أورده تحليل لمجلة “المونيتور”.
ومن هذا المنطلق يمكن قراءة زيارة الأمير “خالد”، وفق زاويتين، الأولى تتمثل في أنه أرفع مسؤول سعودي يقوم بزيارة إلى واشنطن منذ جريمة مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” على يد فرقة قتل حكومية داخل القنصلية السعودية بإسطنبول عام 2018، والثانية تتمثل في أن الساحة الرسمية الأمريكية غير معنية “حتى الآن” بلقاء على مستوى ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، المتهم بالمسؤولية عن إصدار الأمر باغتيال “خاشقجي”، بحسب تقرير للاستخبارات الأمريكية.
وبإضافة تعهد “بايدن” السابق باعتماد سياسة خارجية “تلتزم حقوق الإنسان والقيم الأمريكية”، وتلويحه أثناء حملته الانتخابية “بفرض عقوبات” على الجهة المسؤولة عن اغتيال “خاشقجي” واحتمال وقف بيع الأسلحة للسعودية “عقاباً على تصفيته”، يمكن استنتاج الموازنة الصعبة التي تسعى واشنطن لتحقيقها بين الحد الأدنى من الحفاظ على مصداقية تعهدات الرئيس والتعاطي مع ضرورات المصالح الاستراتيجية المشتركة مع الرياض.
في هذ الإطار؛ تؤكد مصادر دبلوماسية عربية في واشنطن أن زيارة شقيق ولي العهد السعودي لواشنطن جاءت تتويجا لـ”مرحلة اختبار” من إدارة “بايدن” لملفات الشرق الأوسط، خاصة تطورات الأوضاع باليمن والدور الإيراني في المنطقة وخطورة الميليشيات التابعة لها على الأمن الإقليمي وعلى مصالح الولايات المتحدة.
لكن مديرة مبادرة “مستقبل إيران” في المجلس الأطلسي “باربرا سلافين” تشير إلى أن وصول “خالد بن سلمان”، بدلا من أخيه وليه العهد، وإجرائه لقاءات مع مسؤولي الخارجية والدفاع في واشنطن “مؤشر مهم على جدية إدارة بايدن بما يخص قضية خاشقجي”، وفقا لما نقله موقع قناة “الحرة” الأمريكية.
واعتبرت “باربرا” أن “اللقاء يعني أن الولايات المتحدة، تقول إنها لا تزال تهتم بالسعودية، لكن محمد بن سلمان لا يستطيع المجيء إليها في الوقت ذاته”.
وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن المحلل بمعهد واشنطن “سايمون هندرسون”، أن إدارة “بايدن” تحاول السير في خط دقيق من خلال إبقاء “محمد بن سلمان” بعيدا، مع استئناف العمل المنتظم مع شقيقه “خالد”، أقرب المقربين إليه.
وأضاف: “حقيقة زيارته (خالد بن سلمان) لواشنطن تعكس حقيقة ساحقة ببساطة أن هناك الكثير من الأعمال التي يتعين القيام بها بين السعودية وأمريكا بشأن ما يحدث في الشرق الأوسط، لكن إرث اغتيال جمال خاشقجي سيظل سحابة مظلمة من الصعب للغاية رؤية كيف يمكن لمحمد بن سلمان الخروج من تحتها”.
زيارة في الظل
تبدو موازنة إدارة “بايدن” للعلاقات مع السعودية إذن أشبه بزجاج حساس، وهو ما عكسته كواليس زيارة الأمير “خالد”، ففي العادة، تحظى الزيارة الرسمية السعودية لواشنطن بكثير من الاهتمام العلني، ولا سيما في ظروف أمنية دقيقة، وهو ما لم يحدث مع زيارة نائب وزير الدفاع السعودي.
التقى الأمير “خالد” وزير الدفاع الأمريكي “لويد أوستن”، ورئيس هيئة الأركان، الجنرال “مارك ميلي”، ورئيس إدارة السياسات في البنتاجون “كولن كال”، ومستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي “جيك سوليفان”، ووزير الخارجية “أنتوني بلينكن”، وووكيلة الوزارة للشؤون السياسية “فيكتوريا نولاند”، وتناولت مباحثاته موضوعات أمنية، مثل مسألة وقف إطلاق النار في اليمن، وهي إحدى القضايا التي تبدو محل اتفاق بين واشنطن والرياض.
لكن شقيق ولي العهد السعودي نأى عن إجراء لقاءات بأعضاء الكونجرس الذي تسوده أجواء غير ودية مع السعودية لأسباب تراوح بين جرائم حرب اليمن واغتيال “خاشقجي”.
وفي إطار الموازنة ذاتها، بقيت المحادثات إجمالاً محاطة بتكتم شديد، ولو أنه كان من الواضح أنها تناولت مسائل أمنية عاجلة وحساسة بالدرجة الأولى، بحسب ما يشير مستوى وطبيعة اللقاءات التي جرت خلال الزيارة، وكونها اتصلت أساسا بالملفات الساخنة الراهنة في المنطقة، وبالتحديد حرب اليمن ومفاوضات فيينا بشأن برنامج إيران النووي.
وكان لافتا تصريح المتحدث باسم البنتاجون “جون كيربي”، بعد الاجتماع مع الأمير “خالد”، بأن المسؤولين الأمريكيين ناقشوا سبل العمل مع السعودية لمواجهة الطائرات المسيرة المسلحة والتي أصبحت السلاح الأكثر استخداما من قبل الجماعات المرتبطة بإيران لمهاجمة كل من الأهداف الأمريكية والسعودية في المنطقة.
على الهامش، ولحفظ ماء الوجه على ما يبدو، أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض “جين ساكي” أن موضوع “خاشقجي” كاهن حاضرا على مائدة المباحثات مع الأمير السعودي، إضافة إلى “أهمية التقدم في مجال حقوق الإنسان في المملكة”.
وفي النهاية، تظل هناك الكثير من الشكوك حول إمكانية نجاح الموازنة الدققة للإدارة الأمريكية في التعامل مع المملكة. ويرى المحللون أن أحد التوجهين سوف يطغى في النهاية، فإما أن تضطر واشنطن لتنحية قضايا حقوق الإنسان نسبيا في علاقاتها مع الرياض من أجل دفع المصالح المشتركة، أو أن تظل الإدارة متشبثة بمواقفها في هذه القضايا مع المخاطرة بعلاقات مهتزة مع الرياض. الأيام والشهور القادمة وحدها كفيلة بالجواب.