سلطت إذاعة صوت ألمانيا (DW) الضوء على اتهام إثيوبيا لحرس الحدود السعودي بقتل آلاف الإثيوبيين المهاجرين على الحدود بين المملكة العربية السعودية واليمن، مشيرة إلى أن المملكة تقلل من أهمية هذا الاتهام.
وذكر موقع الإذاعة، في تقرير ترجمه “الخليج الجديد”، أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” وجهت اتهاما مماثلا للسعودية بقتل المهاجرين الإثيوبيين بالرصاص، أو إصابتهم بجروح خطيرة بين مارس/آذار 2022 ويونيو/حزيران 2023، وقدمت توثيقا لعمليات قتل مماثلة منذ عام 2014.
لكن يبدو أن الأشهر القليلة الماضية شهدت تصاعداً في أعداد وأنواع عمليات القتل على الحدود، حسبما أورد تقرير المنظمة الحقوقية في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وقال سام دوبيرلي، رئيس مختبر التحقيقات الرقمية في هيومن رايتس ووتش”: من الواضح أن نمط الانتهاكات قد تغير من إطلاق النار بشكل عرضي إلى عمليات قتل واسعة النطاق وممنهجة”، مضيفا: “من المحتمل أنه لم يتم إطلاق النار على المئات فحسب، بل الآلاف من المهاجرين”.
ولو ثبت أن عمليات القتل واسعة النطاق والمنهجية هذه كانت أيضا جزءا من سياسة الدولة المتمثلة في القتل المتعمد لمدنيين، فإنها ستكون جريمة ضد الإنسانية، بحسب معدي التقرير الصادر عن هيومن رايتس ووتش.
“بيد أن شهود عيان أخبرونا بالتفصيل عن الزي الرسمي (الذي يرتديه مطلقو النار). وهذا يدل على حرس الحدود السعودي”، كما يقول دوبرلي، مضيفا: “كما أفاد شهود العيان عن وجود أسلحة كبيرة وشاحنات جرى استخدامها، لذلك نحن مقتنعون أن حرس الحدود السعودي هو المسؤول”.
وهذه ليست المرة الأولى التي توجه فيها مثل هذه الادعاءات ضد السعودية، ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ذكر خبراء مفوضون من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عمليات القتل واسعة النطاق على أيدي قوات الأمن السعودية في رسالة إلى الحكومة في الرياض.
وكتب الخبراء في رسالتهم عن “نمط منهجي من عمليات القتل العشوائية واسعة النطاق عبر الحدود، حيث تطلق قوات الأمن السعودية قذائف المدفعية والأسلحة الصغيرة على المهاجرين”.
ورداً على ذلك، قالت الحكومة السعودية إنها تأخذ هذه المزاعم على محمل الجد، لكنها رفضت “بشدة” رواية الأمم المتحدة بأن عمليات القتل كانت منهجية أو واسعة النطاق.
وفي أوائل يوليو/تموز الماضي، قدم مركز الهجرة المختلطة، وهو مركز توثيق مستقل، تقريرا اتهم فيه قوات الأمن السعودية بـ “قتل مئات المهاجرين عمدا”.
الهروب من الحرب والفقر
ويعيش نحو 750 ألف عامل إثيوبي مهاجر في السعودية، ووصل معظمهم عن طريق الجو بموجب اتفاقيات ثنائية، ومع ذلك فهم لا يستطيعون السفر جواً أو لا يستطيعون استيفاء الأوراق المطلوبة لدخول المملكة، ولذا يسلكون الطريق البري غير الرسمي عبر اليمن.
ولا يستخدم هذا الطريق المهاجرون من إثيوبيا فحسب، بل يستخدمه أيضًا مهاجرون من بلدان أخرى في جميع أنحاء القرن الأفريقي.
لكن حتى المهاجرين الإثيوبيين، المسجلين في السعودية، غالباً ما يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر.
وفي السياق، يقول أولف تيرليندن، رئيس مكتب مؤسسة هاينريش بول في نيروبي، والذي يراقب التنمية السياسية والاقتصادية في إثيوبيا: “تعمل النساء في الغالب في منازل خاصة، كعاملات نظافة أو في رعاية الأطفال، ويعمل الرجال في الغالب بالبناء”.
ويضطر معظم الإثيوبيين إلى مغادرة بلادهم بسبب مزيج من العوامل الاقتصادية والسياسية في بلادهم. وهو ما علق عليه تيرليندن، قائلا: “سجلت إثيوبيا ثاني أعلى معدل تضخم في أفريقيا كلها في عام 2022، بأكثر من 30%”، مشيرا إلى أن الاقتصاد راكد، وأن البلد الأفريقي يعاني نقصا كبيرا في العملات الأجنبية، وفي الائتمان، ولذا انسحب عديد المستثمرين منه.
وتابع الخبير الألماني “أضف إلى ذلك الجفاف الذي يعصف بالمنطقة وعدم الاستقرار السياسي وآثار الحرب في منطقة تيغراي”، مضيفا: “هناك العديد من الأسباب التي تجعل المزيد من الناس في إثيوبيا يشعرون بأنهم مجبرون على مغادرة منازلهم لأنهم يخشون على سلامتهم الشخصية أو لأنهم ببساطة لم يعودوا يرون أي آفاق للعيش”.
وفي المقابل، من المحتمل جدًا أن يكون معظم القتلى على الحدود اليمنية السعودية من الفقراء للغاية الذين يعتقدون أن السعودية وجهة مرتبطة بالرخاء.
العنف ضد المهاجرين
وقال شهود عيان لـهيومن رايتس ووتش إن حرس الحدود السعوديين تصرفوا ضد هؤلاء المهاجرين العزل بلا رحمة وبدرجة عالية من “العنف السادي”.
وقال العديد ممن قابلتهم المنظمة الحقوقية إن أفراد حرس الحدود سألوهم عن الأجزاء التي ينبغي عليهم إطلاق النار عليها من أجسادهم، ونقل التقرير عنهم أنهم أطلقوا النار بعد ذلك من مسافة قريبة.
كما أفاد العديد من شهود العيان أن حرس الحدود أطلقوا النار عليهم على الفور، وفي حالات أخرى، سمحوا لهم أولاً بدخول الأراضي السعودية، ثم أوقفوهم واستجوبوهم حول خططهم، ثم أطلقوا النار عليهم.
ووفقاً لمزيد من الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات، تعرض بعضهم لهجوم بقذائف الهاون وغيرها من الأسلحة المتفجرة بعد عبورهم الحدود من اليمن إلى السعودية. وذكر آخرون أن مسؤولين سعوديين ضربوهم بالحجارة والقضبان المعدنية.
ووصف إثيوبي يبلغ من العمر 17 عاما كيف أجبره حرس الحدود السعودي، هو وناجين آخرين، على اغتصاب فتاتين على قيد الحياة، وكيف أطلقوا النار على رجل آخر لأنه رفض اغتصاب الفتيات.
انتقادات دولية
وإزاء تلك الاتهامات، دعت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، الحكومة السعودية إلى التعليق على تقرير هيومن رايتس ووتش، وأكدت على ضرورة أن تستجيب الحكومة السعودية لما فيه مصلحة العلاقات بين البلدين.
كما أعربت الولايات المتحدة والأمم المتحدة عن قلقهما، وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن تقرير هيومن رايتس ووتش يثير “بعض الادعاءات الخطيرة للغاية”.
وإزاء ذلك، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر حكومي سعودي (لم تسمه) أن الاتهامات الموجهة إلى المملكة “لا أساس لها من الصحة”.
لكن أسئلة DW لوزارة الخارجية السعودية بقيت دون إجابة حتى وقت نشر التقرير، فيما أعلنت “هيومن رايتس ووتش” أيضاً أنها طلبت بياناً سعودياً رسمياً، لكنها لم تتلق أي رد.
في المقابل، فإن رد الفعل من إثيوبيا، التي تعتبر السعودية شريكًا مهمًا لها، لأسباب اقتصادية في المقام الأول، يبدو متحفظًا إلى حد ما
ونشرت وزارة الخارجية الإثيوبية بيانا أعلنت فيه “التحقيق الفوري في الحادث بالتنسيق مع السلطات السعودية”.
وكتبت الوزارة: “في هذا المنعطف الحرج، يُنصح بممارسة أقصى درجات ضبط النفس وعدم تقديم تكهنات غير ضرورية حتى اكتمال التحقيق”، مضيفة أنه “على الرغم من المأساة المؤسفة، يتمتع البلدان بعلاقات ممتازة طويلة الأمد”.