بقلم: عبد الله العودة
كيف يمكن لغير المتخصصين والمهتمين جداً والمتابعين معرفة وجود “السلطة المطلقة” ومعناها؟
الجواب يمكن أن يكون بسيطاً ومختصراً. بهذه القصة القصيرة جداً.
حينما يكون هناك مواطن بسيط عادي من طبقة محرومة أو حتى متوسطة.. يحاول أن ينال لقمة عيشة ويقتات شيئاً يطعم به عياله وأهل بيته.. فيتم حرمانه بشكل فجّ عن طريق المباحث أو الجهات الأمنية أو وزارية وقطع الطريق عليه ومصادرة مصدر رزقه.. فأنت هنا أمام سلطة.. ولكنها سلطة تنفيذية تقوم بها هذه الجهة سواء مباحث أو شرطة أو وزارة أو غيرها، وتستغل وجودها بشكل تعسفي. هذا الخطأ يحدث في (كبار العوائل).
فإذا حاول هذا المواطن تقديم الشكوى لنفس هذه الجهة التنفيذية ولاحظ أن الجهة كلها تدار بنفس عقلية المسؤول الذي آذاه وقطع عليه رزقه أو الشرطية التي صادرت عربته (كما حصل في تونس مع البوعزيزي قبل عشر سنوات) فهو هنا أمام اتساع للتعسف وممارسة ممنهجة ورسمية له.
إلى الآن لم تتشكّل السلطة المطلقة بعدُ، رغم وجود هذا التعسف الممنهج.
الشيء الطبيعي أمام هذا الظلم أن يتحول هذا المواطن المحروم و المبغي عليه إلى سبيلين: الأول سبيل الجهات القضائية لأخذ حقه ومحاسبة الذين تعدوا سلطاتهم بشكل تعسفي وجائر.. فإذا لاحظ أن القضاء تسيطر عليه نفس تلك الجهة الأولى التي هي (التنفيذية) – أو الديوان الملكي ومكتب ولي العهد في السعودية – والضغط عليه والإملاء والتأثير والتسلط إلخ.. فأنت هنا أمام تغوّل لتلك السلطة المستغلة بشكل تعسفي.
السبيل الثاني الذي يمكن أن يسلكه المواطن العادي هو أن يحاول تشكيل جماعات ضغط شعبية وضغط إعلامي حر ومدني لأجل نيل حقه عبر المطالبة بسن تشريعات وأنظمة تلزم الجهة الأولى وتلك الشرطية/ الشرطي أو المباحث أو المسؤول أو الوزير أو حتى الموظف برد حق المواطن واحترامه ومساعدته على لقمة عيشه، ولن يكون ذلك إلا حينما تكون هناك جهات غير خاضعة لسيطرة الجهة الأولى ولا للشرطي والشرطية (الجهة التنفيذية) ولا للديوان الملكي ولا لمكتب ولي العهد السعودي.. جهات تقوم بدور الرقابة وجهات أخرى تقوم بدور التشريع والأنظمة لحماية حق المواطن.
حينما يرى هذا المواطن أن السبيلين الأوليين مسدودان.. وأن المسؤول والشرطي هما في الحقيقة أدوات مباشرة لنفس الشخص الذي يصوغ الأنظمة ويكتب التشريعات، وأن نفس الشخص هو من يتحكم بالقضاء ويديره بشكل مباشر ويبتز القضاة، وهو نفسه الذي يسوّر الأراضي ويجعلها محميات تابعة له، فنحن هنا فعلاً أمام “سلطة مطلقة” بل أمام نظام شمولي يأكل الأخضر واليابس.
كيف يمكن لهذا المواطن الضعيف المغلوب على أمره أن يعيش وسط هذه السلطة المطلقة المخيفة؟
لا يمكن أن يعيش ويبقى سوياً نشيطاً طيب النفس..
لذلك انفجرت ثورات عربية للشعوب وتنفجر كل مرّة إذا وجدت أسبابها.