“تعرضتُ لعدة محاولات اغتيال؛ إحداها في روما عندما هاجمتني مجموعة كوماندوز مؤلفة من ثلاثة أشخاص بقيادة سعودي لقتلي، لكنهم فشلوا؛ لأنني محترف ومتيقظ وأتخفى جيداً”، هذا ما قاله بول باريل، الضابط الفرنسي المحترف الذي عمل مرتزقاً وأقلق أمن العديد من الدول، كانت منطقة الخليج العربي في فترة من فترات عمله إحدى ساحاته.
لكن لماذا حاولت السعودية قتله؟ الجواب لأنه الصندوق الأسود الذي يحتفظ بأسرار خطيرة تدين حكومة الرياض، من بين أبرزها محاولة الإطاحة بأمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في عملية مسلحة كان من المتوقع أن يذهب ضحيتها نحو ألف شخص، بحسب تقديرات باريل.
هذا جزء مما كشفه الضابط الفرنسي، الذي أحاله كبر سنه إلى الاختفاء عن ساحة العمل الدموي، في حديث مع الإعلامي تامر مسحال، في البرنامج الشهير “ما خفي أعظم” الذي يبث من على شاشة قناة الجزيرة.
ففي 1996 كُلف بول باريل بمهاجمة قطر والإطاحة بحكومتها، وكشف أن العملية هذه كانت بتكليف وتمويل مباشر من حاكم الإمارات الراحل الشيخ زايد آل نهيان، والمخابرات السعودية، والبحرين، من خلال تجنيد عدة مقاتلين لتنفيذ المهمة.
وأكد باريل أنه جلب ثلاثة آلاف عسكري مرتزق من تشاد، للسيطرة على الدوحة عبر إنزال جوي مفاجئ على أحد الطرق الرئيسية في قطر.
وقال: “تم منحنا جوازات سفر إماراتية صالحة لخمس سنوات من قبل الشيخ زايد، وأجريت عملية استطلاع سرية داخل قطر خلال البحر، وتمكنت من الوصول للدوحة”.
باريل كشف عن دور أساسي للبحرين قبل الهجوم، حيث كانت غرفة عمليات للاتصالات والتنسيق؛ وذلك لقربها من الدوحة، إضافة إلى مساعدة السلطات هناك في مهام الاستطلاع.
وأضاف باريل: “ركّبنا في البحرين معدات خاصة للتنصت على اتصالات قطر، وبالنسبة لنا كانت هذه الدولة نقطة انطلاق للهجوم”، مبيناً أن قرابة 3 آلاف رجل شاركوا في الإعداد لعملية الهجوم.
وتابع: “التُقطت بكاميرا سرية العديد من الصور للفنادق وأماكن عامة ووزارات ومواقع عسكرية بالدوحة، من خلال تجنيد جواسيس في قطر، حيث كانوا يمدوننا بالمعلومات”.
وعن خطة الهجوم، كشف أن الطائرات كانت ستهبط على الطريق السريع في قطر، محملة بالمقاتلين من دولة تشاد، والقوارب سترسو في الميناء، وسيارات الدفع الرباعي المحملة بالسعوديين ستعبر الحدود.
وبيّن أن جميع المقاتلين كانوا سيتمركزون قرب قصر الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وبمبنى التلفزيون، بالشراكة مع عناصر من الداخل.
مهمة الفريق، بحسب ما أكد باريل، كانت اعتقال الشيخ حمد بن خليفة والقضاء على الشيخ حمد بن جاسم بن جبر.
ومضى بالقول: “قصدنا مصر للحصول على الأسلحة، وتم شراء 30 طناً من الأسلحة والذخيرة، ونقلناها مباشرة إلى أبوظبي”.
واستطرد: “سألني الشيخ خليفة بن حمد عن عدد الضحايا المتوقع للعملية فأجبته 1000 قتيل، فقال: أوقف العملية فوراً”.
العملية المعدة لغزو قطر كلفت 100 مليون دولار تقريباً، وكانت تستهدف إنهاء حكم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وفقاً للضابط المرتزق.
باريل وفي سياق حديثه لفت النظر إلى أنه تلقى اتصالاً من الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وطلب منه الامتناع عن القيام بأي أمر متهور.
وأوضح أن الدول التي أمرته وفِرْقته بتنفيذ الهجوم على قطر، وهي الإمارات والبحرين ومصر، انقلبت عليهم، وتحولت إلى أعداء لهم.
– صندوق الأسرار الأسود
وبعد شهر من وقف الهجوم، تعرض باريل لمحاولة اغتيال، وهو يؤكد أن السعودية تقف خلف هذه المحاولة. فبحسب تامر مسحال، الذي أجرى معه حواراً مطولاً، فإن هذا الضابط “صندوق من الأسرار”.
سبب سعي السعودية لاغتياله- يقول باريل- أنه “رجل أسبب حرجاً للسعودية؛ لأنني كنت على تواصل مع سلطات هذه الدول، وأعرف الكثير من القصص، أعرف كل صغيرة وكبيرة”.
باريل كشف لمسحال أسراراً أخرى؛ فالأخير يقول في تقريره، الذي بُث الأحد (16 ديسمبر الجاري)، أن هذه المحاولة لم تكن الوحيدة لاغتيال باريل، فقد نجا الرجل من عدة محاولات اغتيال.
مسحال وصف باريل بأنه “يمتلك صندوقاً أسود من الأسرار”، مبيناً أن هذا الصندوق يحتوى على “الكثير من العمليات المثيرة للجدل في مناطق كثيرة من العالم”.
– باريل في الحرم المكي
باريل لم يكن تعاونه في عام 1996 الأول مع السعودية؛ فسبق أن شارك في واحدة من أبشع الأحداث التي شهدتها المملكة.
كان ذلك في عام 1979، عندما استعانت السعودية بالسلطات الفرنسية، بعد أن سُفكت الدماء في باحة المسجد الحرام بمكة المكرمة، حينما احتله عشراتُ المسلحين، على رأسهم جهيمان العتيبي ومحمد عبد الله القحطاني، الذي ادَّعى أنه “المهدي المنتظر”.
وهنا أرسلت باريس ثلاثة ضباط من نخبة القوات الخاصة التابعة للدرك الفرنسي (غينيغ) بقيادة النقيب باريل.
بول باريل في حينها درب القوات السعودية على استعمال الغاز وحماية أنفسهم، لتنتهي العملية مثلما خطط لها باريل، في حين وصل عدد القتلى بين الطرفين إلى 170 على الأقل، وتسببت المواجهات في دمار كبير للحرم.
ويزعم باريل أنه “اعتقل 115 شخصاً من الحرم، وشارك في إجبار 61 مسلحاً على الاستسلام، وتحييد 17 مسلحاً دون استخدام الأسلحة، وإطلاق سراح أكثر من 450 رهينة”.
حتى هنا تعتبر المعلومات مقبولة لإخماد فتنة وعمل مسلح داخل أقدس بقعة عند المسلمين، لكن “كنز الأسرار” على ما يبدو يخفي الكثير، وهو ما دعا السعودية تسعى للتخلص منه.