خاص: ارتبط اسماهما باعتبارهما وجهين شابين وصلا إلى سدة الحكم في بلادهما وسط حالة من الركود السياسي والاجتماعي في المنطقة برمتها، وكان يتوقع لهما أن يكونا حجر أساس للتغيير في المنطقة.
ولكن اختار الشبيهان أو كما يطلق عليهما الناشطون عبر مواقع التواصل كاختصار لهما “مبس”، و”مبز”، أن يكون التغيير في الاتجاه الذي يريده المتربصون للمنطقة، وتشابهت عقولهم في ذلك، فارتكبا أخطاء فادحة صبت في خانة الأعداء، وصارا اسمهما مرتبطا بكم هائل من الجرائم المقترفة في حق شعوب المنطقة.
فمن مصر، لليمن، لليبيا، لسوريا، وقف الشبيهان ضد إرادة الشعوب، متوهمين أن ذلك يحمي عرشيهما من الاضطرابات السياسية التي عصفت بالمنطقة بعد ما يعرف بـ”الربيع العربي”.
ولكن لكل شيء نهاية، ويبدو أن نهاية التوافق بينهما قد لاحت في الأفق، ففي النهاية لابد أن يكون هناك قائد واحد للمنطقة، وكل منهما يطمع أن يكون هذا القائد.
ضربة البداية:
جاء كشف الناشط السعودي “مجتهد” عبر موقع التدوين المصغر “تويتر”، عن حالة من الغضب العارم تكتنف ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بسبب الإهانات المتعمدة التي ارتكبها ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، اتجاهه، كصافرة إنذار تعلن بدء توتر العلاقات بين الشبيهين.
وقال “مجتهد”، المشهور بتسريباته من داخل أروقة القصور الملكية بالمملكة ودولة الإمارات: “بدأ ابن سلمان يشعر بما يشبه الإهانة المقصودة من ابن زايد له في قضايا كبيرة وحساسة”.
وأوضح “مجتهد” أن أبرز القضايا التي يشعر فيها “ابن سلمان” بالإهانة، العلاقة مع تركيا، وسحب وديعة باكستان، وتفجير عدن في اليمن.
وأشار الحساب إلى أن “ابن سلمان” تحمس لمقاطعة تركيا إرضاءً لـ”ابن زايد”، واستخدم أمن الدولة، وعددًا من الوزارات، إلى جانب الذباب الإلكتروني لمنع التبادل التجاري مع تركيا، أما الأخير فقد انفتح على تركيا اقتصاديًا، وسياحيًا، وافتتح هناك عددًا من المجمعات التجارية، وسلاسل المطاعم.
وعن الوديعة الباكستانية، قال “مجتهد” إن “ابن سلمان” تحمس لمشاريع “ابن زايد” التطبيعية، وضغط على باكستان لإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني، وعندما رفضت طلب وديعة بـ 2 مليار دولار، ليكتشف لاحقًا أن “ابن زايد” يتفاوض مع الباكستانيين لتعويض الوديعة.
أما الأمر الذي قال إنه “دمر نفسية ابن سلمان” فهو تفجير عدن في اليمن، الذي ثبت أن للإمارات يدًا فيه، رغم تحميل المسؤولية للحوثيين.
ونقل عن مقربين من ولي العهد السعودي، أنه “مُمسك بكل تفاصيل قوة ابن سلمان ونفوذه، بما في ذلك أمنه الشخصي، وأسراره الخطيرة، وعلاقاته الحساسة”.
هجوم إعلامي:
وكان لتلك الحالة التي يمر بها الشبيهان أثرها على التوجه الإعلامي بين الدولتين، فقد بدأت الأذرع الإعلامية التابعة للإمارات عقب توقيع البيان الختامي لقمة الخليج الأخيرة في العلا بالسعودية، والتي أعلن فيها انتهاء الحصار على قطر، وتطبيع العلاقات معها، بشن هجوم على السياسات السعودية، مستهدفًا “ابن سلمان” شخصيًا.
فسخرت صحيفة “العرب” اللندنية، الممولة من الإمارات، من باكورة مشاريع “ابن سلمان”، والتي أعلن عن بدء تنفيذها بنفسه، وهي مدينة “ذا لاين” الذكية.
ونشرت الصحيفة تقريرًا ساخرًا، تحت عنوان “إنشاء المدن الذكية لا يعني أن المجتمعات ذكية”، مرفقة صورة للعاصمة الرياض مع تقريرها اللاذع للمملكة وحاكمها الفعلي محمد بن سلمان.
كذلك هاجمت صحيفة العرب السعودية مؤخرًا، ووصفتها بأنها “دولة فاشلة وعاجزة عن امتلاك أي استراتيجية سياسية”.
وذكرت الصحيفة اللندنية، التي تدار من قبل المخابرات الإماراتية: “تبدو عبارة طي صفحة الخلاف أكثر إرهاقًا للسياسيين أنفسهم من وسائل الإعلام السعودية”.
وأشارت الصحيفة في مقال لمدير تحرير الصحيفة، كرم نعمة، حمل عنوان “لا المقاطعة استمرت ولا قطر انتصرت!”، إلا أن وسائل إعلام السعودية احتفت بالمصالحة الخليجية، متهمة المملكة بالفشل في كل الأزمات التي مرت بها.
وتساءلت الصحيفة: “متى نجحت السعودية من قبل من الخليج إلى العراق واليمن وتركيا وإيران، إن لم تكن ثمة قوة خارجية مساعدة تعتمد عليها!”.
اختلاف السياسات:
فرغم حالة العداء التي اكتنفت طبيعة العلاقات بين كلاً من السعودية – وتركيا مؤخرًا؛ بسبب موقف الأخيرة من قضية مقتل “جمال خاشقجي”، والتي وصلت لحد مقاطعة المنتجات التركية في المملكة بدعم غير مباشر من الديوان الملكي السعودي.
فاجأت الإمارات المملكة بتصريحات خرجت عقب توقيع اتفاق المصالحة مع قطر من وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، والتي أكد فيها أنه لا يوجد أي سبب للاختلاف مع تركيا!
وقال “قرقاش” في حديث له إلى برنامج «مع جيزيل» على فضائية “سكاي نيوز عربية”: “لا يوجد لدينا أي سبب للاختلاف مع تركيا. لا توجد بيننا مشكلة حدود، ولا يوجد أي مشاكل أخرى. وأعتقد أن المؤشرات التركية الأخيرة بالانفتاح مع أوروبا مشجعة تؤكد أنه لا يوجد أي سبب وجيه للخلاف مع تركيا”.
من جانبها، تعاملت تركيا مع تلك التصريحات الإماراتية بنوع من الحذر، حيث وصفتها بأنها خطوة “إيجابية”، مع الاعتقاد بأنه لا إشارة على تقارب وشيك في سياسات البلدين، بحسب ما نقل موقع “ميدل إيست آي” عن مسؤول تركي رفيع المستوى.
وأشار المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: “كما قلنا دائمًا، كانت الإمارات العربية المتحدة هي التي حاولت تخريب حكومتنا في المنطقة.. لم نبذل جهودًا مماثلة ضدهم”.
وقال المسؤول التركي إن الإمارات، اتخذت مؤخرًا بعض الخطوات الإيجابية الأخرى، التي لم يتم الكشف عنها أو مناقشتها علنًا.
وأضاف المسؤول: “لقد اعتادوا وضع الكثير من الصعوبات أمام رجال أعمالنا وقد تغير ذلك.. وأصبحوا الآن موضع ترحيب، لقد أعلنوا أيضا عن بعض القيود على سفر رجال الأعمال لدينا، لكنهم لم يطبقوا ذلك”.
وأضاف أن أبو ظبي عارضت أيضًا إعادة فتح الرحلات الجوية بين إسطنبول والإمارات، لكن ذلك تغير أيضًا. “عادت الرحلات الجوية بين الدولتين إلى طبيعتها”.
وأعلن كل من طيران الاتحاد وطيران الإمارات الشهر الماضي عن استئناف رحلاتهما إلى تركيا.
ويعتقد المسؤولون الأتراك أن هناك سببين وراء دافع الإمارات لذوبان الجليد في العلاقات. الأول هو الاتفاق الأخير الذي أنهى الحظر المفروض على قطر.
وقال علي باكير، المحلل المختص في شؤون الخليج: “تخشى الإمارات أن تُترك وحيدة ومعزولة إقليميا”.
وقال: “منذ بعض الوقت، تستخدم أبو ظبي السعودية كدرع في مغامراتها الإقليمية. وحرصت على وقوف الرياض إلى جانبها وضد خصومها وأعدائها. ولم يعد هذا صحيحًا بعد المصالحة”.
تضارب المصالح الاقتصادية:
فالمال هو عماد السياسة، وعند هذه النقطة يختلف الأشقاء، فبعد مطالبة الإمارات الالتزام بتخفيض إمدادات النفط في اجتماع وزراء “أوبك”، ديسمبر الماضي، سادت حالة من الإحباط أوساط المسؤولين السعوديين في “أوبك”، وتسببت تلك الخطوة في تأجيل البت في إستراتيجية “أوبك” وحلفائها (أوبك+) يومين إضافيين.
وأغضب الموقف الإماراتي الرياض إلى الحد الذي دفع وزير الطاقة السعودي إلى عرض التنحي عن منصب نائب رئيس لجنة المراقبة الوزارية المشتركة لـ”أوبك+”.
وينظر مراقبون إلى التشبث الإماراتي بتلك المطالب باعتباره خروجا من أبو ظبي من تحت جناح النفوذ السعودي ذي الثقل في “أوبك”؛ إذ تمسكت بتحسين الالتزام بتخفيضات إمدادات النفط، ما تسبب فعليا في تأجيل البت في استراتيجية أوبك وحلفائها ليومين.
وتمثل تلك الخطوة، التي تضمنت خلاف غير معتاد بين الرياض وأبو ظبي، الضوء على تنامي دور الإمارات داخل “أوبك”، بينما تسعى لزيادة الإنتاج في السنوات المقبلة لرفع حصتها السوقية.
وتطمح أبو ظبي إلى إظهار استقلاليتها السياسية المتنامية عن الرياض، التي تجلت هذا العام عندما باتت الإمارات أول دولة في منطقة الخليج تطبع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
وفي النهاية يمكن لنا أن نقول إن لحظة الانفصام بين الشبيهين أوشكت على الوقوع، وأن الفراق في السياسات سيكون هو السائد فيما يبدو خلال الفترة القادمة بين السعودية والإمارات، رغم التصريحات الرسمية التي تشدد على أن العلاقات مستمرة وبكفاءة بين الطرفين، وهو ما يؤكد على عمق الأزمة بين الطرفين.