خاص: بإعلان وزير العدل التركي، بكير بوزدج، الجمعة، إن الحكومة التركية ستوصي بإغلاق المحاكمة الغيابية ضد 26 مواطنًا سعوديًا متهمين بقتل الصحفي جمال خاشقجي، وإحالة القضية إلى السعودية، رأى البعض أن قضية الصحفي الذي غدر به داخل جدران القنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر 2018 قد وصلت لمحطتها الأخيرة، وأنه لا سبيل آخر سوى الاعتراف بأنه لا سبيل لتحقيق العدالة لروح “خاشقجي” في ظل تحكم المصالح السياسية بين البلدان.
– محطة أخيرة:
أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن “خطوات مهمة” لتحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية، بحسب وسائل إعلام تركية.
وقال “أوغلو” خلال لقاء تلفزيوني سابق إن نظيره السعودي، الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، أعلن في وقت سابق أنه يعتزم زيارة تركيا، وأفاد أنه لم يتم التخطيط لهذه الزيارة بعدُ، بسبب الزخم الموجود في المشهد السياسي.
لكن “أوغلو” أشار إلى أنه التقى الأمير “فيصل” في العاصمة الباكستانية إسلام آباد في 28 آذار/ مارس الفائت، على هامش أعمال الاجتماع الثامن والأربعين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي.
من جانبه، رأى المحاضر في العلوم السياسية وفلسفة التاريخ، الدكتور سامح إسماعيل، أن غلق أنقرة الآن للقضية بسبب حاجة تركيا لتعزيز مصالحها الاقتصادية مع دول الخليج وفي مقدمتها السعودية، قائلاً: “تحولت القضية الإنسانية المزعومة إلى مجرد أداة وظيفية مؤقتة”.
وتابع: “قضية خاشقجي كذلك كانت أداة لابتزاز دول الخليج والسعودية، تحديدا في ظل المقاطعة الخليجية لقطر وتركيا”، مردفًا: “وبالتالي عندما حدث تقارب براغماتي فرضته طبيعة التحالفات الإقليمية الأخيرة ومستجداتها ومصالحها الجيوستراتيجية الجديدة أضحى ملف خاشقجي والعدم سواء”.
وكان مراقبون قد أكدوا من قبل أنه لا يمكن لتركيا أن تمضي قدمًا في متابعة قضية “خاشقجي” داخل المحاكم التركية، وذلك لأن التحقيقات كلها تؤكد ضلوع ولي العهد السعودي “ابن سلمان” في عملية القتل، ما يعني القطيعة التامة مع السعودية، وهو ما لا تريده الحكومة التركية بالطبع.
واستغرب المراقبون كيف أن الحكومة التركية قبل الشروع في إجراءات القضية بالمحاكم التركية، وكذلك بعض المحاكمة السعودية الهزلية لقتلة “خاشقجي”، خرجت لتؤكد على عدم موافقتها على تلك المحكمة، وأنها تطالب بمحاكمة شفافة وعادلة، ثم ترجع في الوقت ذاته الآن لتنقل القضية لنفس القضاء الذي انتقدته من قبل!
كذلك ذكر المراقبون أن الرئيس التركي ذاته، رجب طيب أردوغان، اعتبر حينها أن الأمر بالاغتيال جاء من “أعلى مستويات الحكومة السعودية”، لكنّه لم يُسمِّ محمد بن سلمان، فكيف يعيد الأمر برمته له!
– بداية جديدة:
كتبت خديجة جنكيز، خطيبة “خاشقجي” التركية، على تويتر، عقب جلسة عقدت الخميس، في المحكمة الرئيسية في إسطنبول “طلبت النيابة بناء على الطلب السعودي نقل الملف إلى السعودية وإغلاقه في تركيا”.
وأضافت “ستطلب المحكمة رأي وزارة العدل التركية” مرفقة تغريدتها بوسمي #خاشقجي #العدالة لجمال”.
كذلك عاودت “جنكيز” التغريد مرة أخرى بعد إعلان وزارة العدل التركية مواقتها على نقل القضية، ونشرت عبر حسابها على “تويتر” صورة لـ”خاشقجي”، وأرفقتها بعبارة: “دم جمال خاشقجي لن يضيع هدرًا بإذن الله”.
وعلّقت منظمة “مراسلون بلا حدود” بأن طلب المدعي العام كان “أخبارا مروعة”. وحضّت وزارة العدل التركية على رفضه.
وقالت “مراسلون بلا حدود” إن الدافع وراء إرجاء التحقيق في جريمة القتل يبدو أنه “سياسي”.
وأوضح ممثل المنظمة في تركيا، ايرول اوندير أوغلو، لوكالة فرانس برس أن “ملف خاشقجي يبدو هذه المرة ضحية تقارب دبلوماسي بين تركيا والمملكة (السعودية)”.
وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن السعوديين طلبوا “في 13 مارس تولي القضية”.
كما نددت منظمة العفو الدولية غير الحكومية الجمعة بعزم أنقرة على نقل ملف قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي قُتل في تركيا عام 2018، إلى السعودية.
وقالت أنييس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو، في بيان “اليوم نهار مظلم لمن أمضوا أكثر من ثلاث سنوات يناضلون من أجل العدالة لمقتل جمال خاشقجي. وبنقلها القضية… ستُرسله تركيا عن عِلم وبشكل طوعي إلى أيدي من يتحملون مسؤولية” مقتله.
كذلك ما قاله عضو الكونغرس الأمريكي عن الحزب الديمقراطي ورئيس لجنة الاستخبارات في المجلس، آدم شيف، حول أنه لا يمكن لقضية خاشقجي أن تكون في السعودية أو تحال على محاكم سعودية، حيث قال في تغريدة له: “قُتل جمال خاشقجي في عام 2018، وبعد أربع سنوات لم تتحقق العدالة بعد”، وتابع: “يحاول المدعي العام التركي الآن نقل محاكمة المتهمين بقتله إلى المملكة العربية السعودية – الدولة التي أمر زعيمها بقتل خاشقجي في المقام الأول -، هذا لا يمكن يجب أن يقف”.
في حين علقت منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي DAWN على تلك الخطوة بقولها: “طلب المدعي العام التركي نقل محاكمة خاشقجي للسعودية هو خيانة للوعد بالعدالة لجمال، ودعوة فعلية لقتلته بأن يحاكموا أنفسهم”.
وأضافت: “يمثل الطلب تخليًا مثيرًا للسخرية عن المسؤولية من قبل الحكومة التركية التي ستخضع حكم القانون لما تمليه النفعية السياسية”.
ووسط ذلك الزخم الحقوقي والإنساني الداعم للقضية، يبدو أن لم يعد هناك طريق لتحقيق العدالة إلا بتدويل القضية، ورفعها إلى المحاكم الدولية والأممية من أجل الحصول على العدالة لروح “خاشقجي”، ولكن سيحتاج هذا تقدم أحد أفراد عائلته لعريضة قانونية لأحد هيئات تلك المحاكم، وبالطبع لن تأتي تلك الخطوة من أبنائه الذين يعيشون في المملكة تحت يد “ابن سلمان”، ولكن ستكون من خطيبته “خديجة”.