تقرير خاص
جاء نشر مكالمة هاتفية قصيرة للداعية السعودي البارز، والمعتقل لدى النظام ، د. سلمان العودة، ليثير قضية اتصال “معتقلي الرأي” في المملكة العربية السعودية بالعالم الخارجي؛ وخاصة ذويهم وعائلاتهم، إلى الواجهة من جديد.
فالنظام السعودي يستخدم هذا الحق كوسيلة لعقاب “معتقلي الرأي”، وكل من يعارضه، عاصفًا بكل المواثيق الإنسانية والحقوقية الدولي منها والمحلي، وتاركًا حتى حقوق السجين التي أقرتها الشريعة الإسلامية التي يدعي النظام هناك أنه يطبقها.
– حق السجين في الاتصال بالعالم الخارجي في الشريعة الإسلامية:
أكد الفقه الإسلامي على ضرورة إبقاء الصلة بين المحبوس والجهات الآخرى في المجتمع، وذلك لأن الأصل في الحبس في الإسلام هو تعويق السجين ومنعه من الخروج إلى أشغاله ومهماته فقط، وأن هذا الحبس لا يؤثر في استمرار علاقات السجين الداخلية والخارجية.
“فلقد أقرت الشريعة في مجال صلات المحبوس الخارجية القواعد والمبادئ المرشدة إلى معاملة السجين بما يشعره أنه لازال جزء من المجتمع، غير مبتور ولا مرفوض منه، بل أنها أوجبت من خلال ذلك الأخذ بيده نحو الاستقامة والصلاح”. (رسالة ماجستير “حق السجناء في المملكة” – دراسة تأصيلية – عبد الحميد بن عبدالله بن حسين – جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية – 1428هـ/ 2007م).
وأقرت الشريعة للمسجون وفقًا للدراسة السابقة، دخول الأقرباء والأصدقاء على السجين لزيارته، فقد روي عن “عمر بن عبد العزيز” أنه كتب إلى عامل له في شأن أحد الخوارج استودعه السجن، (واجعلوا أهله قريبًا منه حتى يتوب من رأي السوء).
كما أعطت الشريعة للمحبوس الحق في مراسلته وإطلاعه على وسائل الإعلام، فقد روي أن “ابن تيمية” رحمه الله، بهث من سجنه رسائل عديدة إلى والدته وإخوته وأصحابه.
وكذلك سمحت الشريعة بخروج المسجون لعيادة قريبه المريض أو حضور جنازته، وهو ما أفتى به الحنفية، وأجازته الشافعية تبعًا للمصلحة.
– حق السجين في الاتصال بالعالم الخارجي في المواثيق الدولية:
وإن كانت المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء، لم تشر صراحة لحق السجين في الاتصال بالعالم الخاجي، ولكن يستشف من المبدأ الخامس الإشارة إلى ذلك الأمر، حيث دعا إلى استثناء القيود التي من الواضح أن عملية السجن تقتضيها.
ونصت المادة على أن يحتفظ كل السجناء بحقوق الإنسان والحريات الساسية المشتملة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي من ضمنها حق الاتصال مع الآخرين.
كما نصت القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 1955 بجنيف، في المادة رقم (37) منها، بأنه “يُسمح للسجين في ظل الرقابة الضرورية، بالاتصال بأسرته وبذوي السمعة الحسنة من أصدقائه، على فترات منتظمة، بالمراسلة وبتلقي الزيارات على السواء”.
– حق السجين في الاتصال بالعالم الخارجي في القانون السعودي:
وفقًا للقانون السعودي؛ يحق للسجين مراسلة ذويه وأقاربه وزملائه، وكذا استقبال رسائلهم ما بم يكن فيها إخلال بالأمن والنظام والقانون.
كما نص القانون السعودي على إنشاء كبائن اتصال هاتفي في السجون، بحيث تركب في السجن الذي يزيد عدد المسجونين فيه عن 800 مسجون، وتركيب هاتف لمن يقل عدد المسجونين فيه عن هذا العدد.
أما بالنسبة للزيارات؛ فقد سمح القانون السعودي بالزياة العامة للمسجون وفقًا للمادة (12) من نظام السجن والتوقيف، فقد نصت الفقرة الأولى من اللائحة على “تحديد أوقات الزيارة في أربعة أيام أسبوعيًا، يومان للرجال ويومان للنساء، كما نصت الفقرة الثالثة على مدة الزيارة، أن تكون من الساعة 3 بعد الظهر إلى السادسة مساءًا، وليست بضع دقائق كما يحدث مع “معتقلي الرأي”.
كما سمح القانون السعودي بزيارة السجين لعائلته خارج السجن، بعد مضي نصف محكوميته التي لا تقل عن سنة واحدة، اجازة مدتها 24 ساعة خارج السجن لزيارة العائلة.
وكذلك نص القانون السعودي على ما يُعرف بـ”زيارة اليوم العائلي”، حيث تم إنشاء عدد من الوحدات السكنية مجهزة بكامل الخدمات المنزلية، ويستطيع فيها السجين الالتقاء فيها بعائلته، من الصباح وحتى المساء، ولكن بالطبع تلك المميزات للمحظوظين من المسجونين فقط، وليس لـ”معتقلي الرأي”، أو للتصوير والدعاية للنظام فقط.
ونص القانون السعودي على السماح للمسجون بالخروج للعزاء وحضور الزواج، ولكن النظام السعودي يستغل تلك الفقرة من القانون في استغلال أو إذلال “معتقلي الرأي”، ويمنع خروج الكثير منهم لمثل تلك المناسبات، وفي حالة الموافقة يتم وضع أساور إلكترونية في قدم المعتقل!
وبعد أن سردنا حق السجين في الاتصال بالعالم الخارجي من الناحية القانونية الدولية والسعودية، وحقه في الشريعة الإسلامية، يتأكد لنا أن ما يحدث على أرض الواقع لا يمت لا للقانون، ولا للشريعة بأي صلة.
وأن ادعاء النظام السعودي أنه يطبق القانون على “معتقلي الرأي”، هي إدعاءات باطلة وغير صحيحة، ولا قرينة لها على أرض الواقع، ويتطلب ذلك تدخلا دوليا وضغطا حقوقيا موسعا على النظام السعودي لإعطاء “معتقلي الرأي” حقوقهم الواجبة بنص الشريعة والقانون.