على نحو غير مسبوق، تزايدت التحركات السعودية في المنطقة مؤخرا، حيث مثلت بشكل ملحوظ التوجهات الكبرى لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الذاهبة نحو التهدئة مع إيران.
فبعد سنوات من فتور العلاقة بين السعودية وعُمان، وانقطاع الزيارات الرسمية بين الجانبين، استقبل العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، السلطان العماني هيثم بن طارق في 9 يوليو/تموز 2021، بعد دعوة رسمية وجهها له مطلع مايو/أيار 2021.
وتعد هذه الزيارة الرسمية الأولى منذ 10 سنوات، كما تعد أول زيارة خارجية للسلطان هيثم الذي تولى الحكم في يناير/كانون الثاني 2020 خلفا للسلطان الراحل قابوس بن سعيد.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية “واس”، فإن اللقاءات التي جمعت الجانبين وحضرها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أكدت تطابق وجهات النظر فيما يخص الأجندة المطروحة للنقاش.
وأوضحت الوكالة أن ذلك سيكون عبر “إيجاد حل سياسي شامل للأزمة اليمنية، والتعاون بشكل جدي وفعال فيما يخص الملف النووي الإيراني على نحو يسهم بتحقيق الاستقرار في المنطقة”.
وأضافت أن الجانبين اتفقا على تأسيس مجلس تنسيق سعودي- عماني برئاسة وزيري خارجية البلدين؛ لتعزيز العلاقات الثنائية والتنسيق في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية، بما يحقق الأمن والاستقرار للبلدين، كما اتفقا على الإسراع في افتتاح الطريق البري المباشر بينهما لتحقيق التكامل الاقتصادي.
وعلقت صحيفة “بلومبيرغ” الأميركية في عددها الصادر 12 يوليو/تموز 2021 بالقول إن “السعودية اتجهت مؤخرا لتعميق وتعزيز علاقاتها بدول أخرى في المنطقة، مثل قطر والعراق وسلطنة عمان”.
ووصفت الوكالة هذه الدول بأنها احتفظت لفترات معينة بمسافة عن السعودية، بسبب اختلاف وجهات النظر بشأن النهج تجاه إيران.
استثمار الحياد
السعودية سعت للاستفادة من الحياد العماني، واتجهت إلى مسقط التي تحظى بعلاقة جيدة مع طهران، وذلك للعب دور أساسي في إنهاء حرب اليمن والوصول إلى تفاهمات تحقق للسعودية أمنها القومي وتحافظ في ذات الوقت على ماء وجهها، وذلك للخروج بشكل مشرف.
وتبرز أهمية الدور العماني في هذا السياق، أن مسقط تحتفظ في ذات الوقت بعلاقة جيدة مع جماعة “الحوثي”، حيث يقيم المتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام في مسقط بشكل دائم مع وفده المرافق له، على نحو يمكنه من مقابلة الدبلوماسيين الغربيين، ويجري محادثات مع كل الأطراف المنخرطة في ملف اليمن.
وعليه يمكن لعمان أن تستضيف لقاءات بين طهران والرياض، كما يمكنها أن تستضيف محادثات بين الرياض وجماعة الحوثي، بصفتها طرفا مقبولا من جميع الأطراف.
ورغم أن الحراك الدبلوماسي الذي تقوم به الرياض قد تصاعد منذ تولي بايدن إدارة البيت الأبيض، إلا أنها سعت للاستفادة من موقف عمان المحايد منذ وقت مبكر.
وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في مارس/آذار 2020 أن نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان أجرى زيارة لعمان قابل فيها السلطان؛ لنقاش فكرة إجراء محادثات مباشرة مع الحوثيين في عمان بإشراف من الولايات المتحدة.
وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أجرى هو الآخر زيارة في منتصف يناير/كانون الثاني 2021 إلى مسقط، قابل فيها السلطان ابن طارق وسلمه رسالة من الملك سلمان
محادثات مباشرة
التحركات التي تجريها السعودية لم تقتصر على دول خليجية، بل تعدتها لتشمل دولا أخرى، بينها العراق التي أجريت فيها محادثات مباشرة بين السعودية وإيران بالعاصمة بغداد في أهم تطور للعلاقة بين البلدين اللذين يشهدان أزمة هي الأكثر تعقيدا في المنطقة.
وكانت وكالة “فرانس برس” قد نقلت أن مسؤولين سعوديين وإيرانيين اجتمعوا ببغداد في 9 أبريل/نيسان 2021.
وأضافت الوكالة الفرنسية أن “الولايات المتحدة تشارك في مفاوضات غير مباشرة في فيينا بشأن عودة محتملة إلى الاتفاق النووي مع إيران”.
وفي لقائه مع معهد “بيروت” للأبحاث، كشف الرئيس العراقي برهم صالح أن بلاده استضافت أكثر من جولة محادثات بين السعودية وإيران، إحداها مطلع مايو/أيار 2021، دون ذكر مزيد من التفاصيل.
وفي 28 أبريل/نيسان 2021، قال ابن سلمان في مقابلة مع التلفزيون السعودي الرسمي: إن بلاده “تطمح لبناء علاقة جيدة مع إيران”، مضيفا: “لا نريد أن يكون وضع إيران صعبا، بل نريدها أن تكون مزدهرة.. لدينا مصالح مشتركة، مشكلتنا مع سلوك إيران السلبي”، وهو الأمر الذي رحبت به طهران وعدت ذلك الخطاب “أمرا إيجابيا”.
جدير بالذكر أن هذه المحادثات المباشرة هي التطور الأهم في سياق الحديث عن العلاقة بين البلدين، وهو إجراء لم يتم إلا بعد تولي بايدن رئاسة البيت الأبيض، ما يعني أنه أتى معبرا عن توجهه في التعامل مع الملف النووي الإيراني مخالفا لسلفه الرئيس السابق دونالد ترامب.
وكان بايدن قد أعلن أثناء حملته الانتخابية أنه سيولي الملف النووي الإيراني أولوية، وسيدفع الرياض لإجراء تفاهمات مع طهران بهذا الصدد، وسيعمل على إنهاء الحرب في اليمن، ابتداء من منع بيع السلاح للسعودية وحتى إجراء تفاهمات مباشرة مع الحوثيين لإنهاء الحرب.
خريطة تحالفات
رأت صحيفة “بلومبيرغ” الأميركية أن الحراك الدبلوماسي الذي تجريه السعودية حاليا هو إعادة لرسم خريطة تحالفاتها في المنطقة.
وقالت الصحيفة: “في زيارة السلطان هيثم إلى السعودية إشارة إلى تغير التحالفات في المنطقة، حيث تعمل الرياض على التواصل مع الدول الإقليمية ذات العلاقات الأعمق مع إيران”.
وأشارت إلى المراسم الاحتفالية، واكتساء ناطحات السحاب في الرياض بألوان علم السلطنة، ولفتت النظر إلى تزامن الزيارة مع الخلاف الإماراتي السعودي، وتواصل المحادثات السعودية مع قطر.
ومع أن الرياض تعيد تشكيل خريطة تحالفاتها وتستوعب أطرافا أكثر حيادا وقربا من طهران كسلطنة عمان، إلا أنه من المبكر القول أن السعودية ستتخلى عن حلفائها وعلى رأسهم الإمارات، رغم الخلافات الحاصلة بينهما.
وقال الأكاديمي السعودي تركي الحمد مغردا: “من يظن أن التقارب السعودي العماني هو ضد التحالف السعودي الإماراتي فهو واهم، عمان والإمارات عينان في رأس سعودية واحدة” مضيفا: “لا تدعوا للمرجفين فرجة ينفذون منها، وخاصة إخوان السوء، وذوي المصلحة ممن تعرفون”.
ورأى مراقبون تحدثوا لصحيفة “الشرق الأوسط” أن “التقارب السعودي العماني رسالة من السعودية تفيد بأنها تتحالف مع غير المطبعين، عمان وقطر والكويت، وأن سياستها في زمن ترامب وصهره غاريد كوشنر والضغوطات المالية التي مورست عليها وعانت منها لم تعد قائمة”.